'البلاك بلوك' أو الكتلة السوداء، كان كلمة السر ذات الصوت الاعلي في مجريات الموجة الثالثة من الثورة التي انطلقت شعلتها يوم الجمعه الماضي في الذكري الثانية للثورة الأم التي لم تحقق اهدافها بعد. البلاك بلوك كان المتهم الاول في تفجير أحداث وحوادث العنف التي أساءت إلي الوجه السلمي للذكري الثانية للثورة وتحمل معظم حالات الاقتحام لمقرات مباني المحافظات والمنشآت العامة. كان تفسير البعض للظاهرة الجديدة التي شاركت بقوة وعلي وجه مفاجئ انها مجرد تعبير عن حالة من الغضب الشديد التي تجتاح نفوس الآلاف من الشباب بسبب احساسهم بأنهم زرعوا ثورة وقام بقطف ثمارها آخرون لم يسهموا في غرس شجرتها . والكتلة السوداء بالإنجليزية: 'Black Bloc'هو تكتيك في المظاهرات والمسيرات 'السلمية أو العنيفة' يرتدي فيه المحتجون الملابس السوداء، والأوشحة السوداء، والأقنعة السوداء، ويهدف ذلك إلي إخفاء هوية المتظاهرين وهوية المشاركين في المسيرة، مما يجعلهم يبدون ككتلة واحدة كبيرة ومما يحفز الناس علي المشاركة، وقد يتضمن التكتيك بعض التصرفات العدوانية مثل قتال الشوارع و التخريب ولكن في معظم الأحيان تكون تصرفاتهم دفاعية مثل تضليل السلطات و تهريب المحتجزين من الشرطة وتقديم الإسعافات الأولية للمصابين بقنابل الغاز المسيلة للدموع و الرصاص المطاطي. وبدأ هذا التكتيك منذ الثمانينيات في أوروبا في المظاهرات ضد القوانين المحرمة للإجهاض وضد الطاقة النووية ومن ثم انتشرت هذه الحركات إلي الولاياتالمتحدةالامريكية و المملكة المتحدة ومن ثم إلي بقية أنحاء العالم . وظهرت الحركة في مصر بعد ان أعلنت صفحة "الكتلة الثورية السوداء" علي فيس بوك إنشاء تنطيم الكتلة السوداء بالتزامن مع أحداث ثورة 25 يناير، إلا أن حضورها الحقيقي ظهر بشكل تهديدات أكثر مع قدوم الذكري الثانية لثورة 25يناير . الظاهرة التي كانت البطل المحرك لاحداث العنف في أحداث الذكري الثانية لثورة يناير استدعت محاولة للبحث عن أهداف وكينونة تشكيل شبابي جديد مبهم الملامح وغريب الاطوار وشديد العنف . التنظيم كما يراه المحلل السياسي واستاذ العلوم السياسية الدكتور مصطفي علوي يعد مدخلا جديدا من مدخلات الثورة ويقول: أعتقد أن من المبكر الآن الحكم علي مثل هذه الحركة وتحديد أهدافها وأدواتها في الوصول إلي هذه الاهداف وهي حركة جديدة حديثة النشأة ليس لها سابق وجود واضح في التاريخ السياسي المصري في بداية أحداث ثورة يناير . ويضيف الدكتور علوي: أريد أن أؤكد أن هذه الجماعة يجب أن يفهم بدء ظهورها في الشارع بشكل سليم من منطلق الدلالة الاهم وهي أن الشباب المصري عموما ما زال يري أن أهداف الثورة لم تتحقق بشكل كامل وأنه لا تزال هناك مسافة كبيرة تفصل بين النخب السياسية وبالذات النخبة الحاكمة والدليل علي هذا، الشباب الذي قرر النزول لاستئناف الثورة من جديد في مختلف ميادين مصر وأقاليمها وليس فقط في القاهرة والاسكندرية . ويشير إلي أن اللافتات والمطالب التي تم رفعها تعني ان الشباب يعتقد أن أهداف الثورة لم تتحقق بعد وأن هذه الاهداف لابد أن تتم الاستجابة لها وأن الدرس الاهم الذي يجب أن تعيه الدولة المصرية هو ان هذا الشباب ما زال قادرا ومستعدا وجاهزا للنزول مجددا للشارع لتحقيق باقي اهداف ثورته. إلا أن الدكتور مصطفي علوي يشير إلي جانب مهم من الصورة وهو التنظيم المتكامل الذي ظهر اليوم بشكل مفاجئ وتواجده بقوة في كل محافظات مصر في وقت واحد وبهدف واحد وهو ما يطرح التساؤل حول وجود وقدرات أجهزة الدولة الأمنية التي يجب عليها أن تكون علي علم كاف بتنظيمات علي هذا النحو من الانتشار والتنظيم الجيد بين الآلاف من الشباب . والتنظيم الذي آثار سخطا من كثير من المصريين الذين روعتهم أحداث الحرق والتدمير لمنشآت الدولة أثار في نفس الوقت إعجابا بقدرته وجرأته العجيبة في تنفيذ ما يريد وهو ما يطرح التساؤل حول المسئولية القانونية حول افعاله واعماله خاصة ان من يقوم بأفعال التدمير والحرق 'مقَّنعا' وغير معروف الهوية ولا يدري أحد شيئا عن التنظيم الذي يتبعه. المستشار حسني الانصاري رئيس محكمة استئناف القاهرة يحاول أن يكشف المسمي القانوني لهذه الحالة الجديدة التي تظهر علي سطح الاحداث السياسية ويقول: دائما ما يصعب الوصول إلي الفاعل الحقيقي في التجمعات الكبري والمظاهرات وهذه الحالة تسمي في الفقه القانوني باسم 'نظرية الجماعات المتهمة'. وهي سميت بذلك الاسم لأنه يترتب عليها اختلاط 'الحابل بالنابل' في حين أن القانون يشترط الادانة لتحديد الفعل الاجرامي وما نتج عنه وفاعله وأداته التي أحدث بها الفعل الاجرامي، وفي التجمعات البشرية الكبيرة العدد يصعب الوصول الي ذلك الفاعل. ويكشف المستشار الانصاري عن الصعوبات الشديدة التي يمكن أن تواجهه الشرطة والاجهزة الامنية الحكومية لاكتشاف الجرائم ومن ثم معاقبة مرتكبيها علي النحو المحدد في الفقرة السابقة، وحتي لو تمكنت أجهزة الشرطة من معرفة أشخاصهم عن طريق اختراق أجهزة الاتصال الحديثة من انترنت وغيره إلا أنها لن تستطيع تحديد فاعل كل جريمة علي حدة لتوقيع العقاب علي الفاعل وعلي ذلك فان الحل الامني لهذه الظاهرة يعني الوقوع في نفس الاخطاء التي كان يرتكبها النظام السابق الذي كان يجعل الارهاب ملفا أمنيا فقط ولم يذهب الي علاج أسبابه وطرق انتشاره الاجتماعية والسياسية والدينية . ويؤكد المستشار الانصاري أن ظاهرة 'البلاك بلوك' يجب النظر اليها علي أنها رد فعل علي العنف شبه الرسمي الذي حدث في الاتحادية وامام المحكمة الدستورية ومدينة الانتاج الاعلامي وكذلك نتيجة الاحباط الذي أصاب البعض نتيجة محاولات الاقصاء والاستئثار بالسلطة وعدم التحاور مع الشباب الذين قاموا بالثورة فعلا. إلا أن الانصاري يلمح إلي أن هذه التجمعات الشبابية الجديدة يمكن أن تكون أيضا مظهرا من مظاهر العبث الذي تقوم به أجهزة الاستخبارات الاجنبية العالمية او التيارات السياسية الشاذه خاصة بعد ان أصبحت بلادنا ساحة مفتوحة لها علي مصاريعها ولذلك يجب الانتباه لهذه الظواهر التي من المرجح اتساعها ومعالجة اساس وأسباب نشأتها.