الوثائق في حياتنا وكما يقول علماء التاريخ هي كل ما خلفه الحدث التاريخي من آثار كخطب الزعماء وتصريحاتهم وروايات شهود العيان، وصور الأحداث كما ارتسمت في ذاكرة الذين لعبوا أدوارًا فيها .. إلي غير ذلك .. ومن ثم اعتبرت المذكرات السياسية وثائق تاريخيه سواء كانت في شكل يوميات، أو سير ذاتية، أو ذكريات .. وقد اهتم د.عبدالعظيم رمضان كأستاذ لعلم التاريخ بالأمر .. وجمع العديد من مذكرات السياسيين والزعماء المصريين وعرض لملخصاتها .. ورأيه فيها .. وتحقيقه لبعض وقائعها. والحقيقة أن مذكرات الزعماء والسياسيين والشخصيات العامة تثير غالبا من اللغط أكثر مما تقدمه من معلومات، لأن كاتب المذكرات عادة لا يري في مسلكه أو تصرفاته ومن يؤيدهم أي عيب .. بينما يري بدقة عيوب الآخرين .. ومن ثم فإن انحيازه لشخصه أو لمن يحبهم يخرج به من دائرة الحياد والموضوعية إلي دائرة الذاتية وإيثار النفس أو الانحياز للأصدقاء وذوي القربي .. وغالبًا ما يمنح صاحب المذكرات نفسه مساحات واسعة من المواقف الهامة التي ترفع من شأنه لأنه يعلم أن تلك المذكرات هي ما سوف يبقي منه .. وفي مذكرات عرابي علي سبيل المثال والتي نشرها تحت عنوان 'كشف الأستار عن سر الأسرار في النهضة المصرية المشهورة بالثورة العرابية سنة 1882 ميلادية' سجل عرابي حوارًا دار بينه وزميليه علي بك فهمي وعبدالعال بك حلمي من ناحية ورياض باشا رئيس مجلس النظار 'الوزراء' من ناحية أخري،، عندما تقدم بعريضته يطلب فيها كما قال 'تشكيل مجلس نواب من نبهاء الأمة' فقال له رياض 'ليس في البلاد من هو أهل ليكون عضوًا في مجلس النواب' فرد عليه عرابي قائلاً 'إنك مصري وباقي النظار مصريون والخديوي أيضًا مصري، أتظن أن مصر ولدتكم ثم أصيبت بالعقم؟' إلي آخر الحوار الذي يؤكد فيه عرابي أنه طالب بالحياة النيابية ولم تقتصر مطالبه علي عزل عثمان رفقي وزير الحربية الشركسي فقط .. وقد اتهمه كثيرون بعدم الدقة ومنهم بعض أصدقائه مثل الإمام محمد عبده الذي كان قريبًا من الثورة وقادتها .. قال عن عرابي 'لم يكن بباله ولا يهتف في منامه أن يطلب إصلاح حكومة أو تغيير رئيسها فذلك كان يكبر علي وهمه أن يتعالي إليه'. وقد خصص د.رمضان فصلاً في كتابه لمذكرات الإخوان عرض فيها لمذكرات حسن البنا وزينب الغزالي ومحمود عبدالحليم وحسن العشماوي .. ومذكرات البنا التي نشرت في عدة طبعات تحت عنوان 'مذكرات الدعوة والداعية' سرد لحياته ومراحل تعليمه ثم تكوين الإخوان مارس 1928 في مدينة الإسماعيلية، والثورة التي قامت ضده بسبب 'الهبة' الشخصية جدًا التي تلقاها من شركة قناة السويس لبناء دار للإخوان هناك وعرضت المذكرات لمختلف الأنشطة والهيكل التنظيمي للإخوان ونماذج من خطبه ومحاضراته ودروسه وبدء انتشار الإخوان عربيًا في فلسطين سوريا ولبنان وعلاقتهم بالسلطة. أما زينب الغزالي فقد استهلت كتابها '1978' فاتهمت عبدالناصر بأنه كان يكرهها شخصيًا!! ثم تحدثت عن علاقتها القديمة بالإخوان .. ثم لقائها مع عبدالفتاح إسماعيل المتهم الثاني في قضية تنظيم 1965 تاليًا لسيد قطب، واتفاق الاثنين زينب وعبدالفتاح علي إعادة إحياء الإخوان ثم اتصالها بسيد قطب أثناء تأليفه ل'معالم في الطريق' وتسريبه كأجزاء ثم عرضه علي المرشد الهضيبي وطباعته .. وحلقات الشباب الجدد لدراسة الكتاب كأساس للتثقيف الفكري .. ولقد مر د.رمضان علي مبالغات زينب الغزالي فيما يختص بعلاقتها مع قيادات الدولة والمبالغة في تعذيبها مرور المستهين غير المصدق ليؤكد أن البابين الأول والثاني اللذين تناولا جذور مؤامرة 1965 يمثلان أهم مافي الكتاب. أما مذكرات محمود عبدالحليم التي صدرت في نفس العام 1978 فيعتبرها المؤلف من أهم وأوفي ما صدر عن الإخوان حيث تصدي عبدالحليم وهو عضو الهيئة التأسيسية للإخوان للناحية التنظيمية والتكوين والتربية من خلال نظام الكتائب ونظام الجوالة والمعسكرات والعمليات ضد الانجليز واليهود وتفاصيل عديدة عن الجهاز السري وطريقة تشكيله ودوره ثم علاقة الإخوان بالحكومات المتتابعة.. وموقفهم من الشيوعية. أما مذكرات حسن العشماوي فصدرت عام 1977 تحت عنوان 'الإخوان والثورة' تناول فيها علاقته الشخصية بعبد الناصر وعلاقة الإخوان بالثورة وتطور تلك العلاقة بين مد وجزر .. والخلاف حول قانون الإصلاح الزراعي وقانون تنظيم الأحزاب السياسية، وقد أكد العشماوي أن عبدالناصر استطاع أن يحدث شرخًا عميقًا داخل الإخوان عام 1953 وأن يضم إلي صفه 'كثيرًا مما لا أنكر إخلاص بعضهم وفضله' .. وانهي مذكراته بالاختفاء لمدة ثلاث سنوات عقب فشل محاولة اغتيال عبدالناصر في ميدان المنشية بالإسكندرية ثم الهرب إلي الخارج .. ثم يعلن ندمه علي عدم تنفيذ نصيحة البعض بالقضاء علي 'مجموعة ضباط ثورة يوليو' و'كنا وقتذاك قادرين علي ذلك'. وتمثل المذكرات الأربع أقل القليل مما صدر من مذكرات لقادة الإخوان: الهضيبي، عبدالعزيز كامل، صلاح شادي، أحمد عادل كمال، فريد عبدالخالق، عبدالقادر عودة، عبدالمنعم عبدالرءوف .. وغيرهم، بالإضافة إلي ما كتبه جمال البنا شقيق المرشد المؤسس وإن لم يكن من الإخوان .. ولعل الإلمام بتلك المذكرات يغطي فجوات عديدة تركها أصحابها لأغراض في نفوسهم .. ويؤلف لدي القارئ فكرة أقرب إلي التكامل عن حقيقة الإخوان التي استماتت القيادات علي إخفائها والتعتيم عليها.