لا يمر يوم إلا ويزداد خلاله المشهد البريطانى والأوربى ضبابية وتعقيدًا لاقتراب موعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربى المقرر فى 31 من أكتوبر المقبل، وذلك بعد تولى بوريس جونسون مؤخرا رئاسة وزراء بريطانيا وعزمه الواضح على إتمام عملية البريكست فى موعدها المقرر سواء تم التوصل إلى اتفاق للخروج مع بروكسل أو لم يتم، هذا ويعتبر بوريس جونسون أن تحقيقه لذلك يعد بمثابة المهمة المحورية لحكومته الجديدة المؤيدة بأغلب أعضائها للبريكست، لقد توقع الأوربيون قبول الكثير من العقبات والمفاوضات بشان البريكست وتمنوا لو بقيت رئيسة الوزراء السابقة تيرزا ماى لفترة رئاسية جديدة، أو بإجراء استفتاء جديد حول البريكست ولكنهم لم يتمنوا أبدا الاصطدام بوجود جونسون كرئيس للحكومة البريطانية، ولكن الآن ومع وجود بوريس جونسون المدعوم من الرئيس الأمريكى دونالد ترامب يضطر الأوربيون إلى التعامل بواقعية مرة مع جديد التقلبات والتجاذبات السياسية المتواصلة منذ قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبى عام 2016، يحدث ذلك فى الوقت الذى يناور خلاله جونسون الاتحاد الأوربى ويعلن عن استعداده لإجراء محادثات معه بشأن الخروج شريطة أن يظهر الزعماء الأوربيون بوادر لتغيير موقفهم من الاتفاق الذى تم التوصل إليه مع رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماى فى نوفمبر الماضى، ومن أهم تلك البنود التى أعلنها جونسون هى إعادة التفاوض للتوصل إلى اتفاق جديد بين الطرفين شريطة أن يحذف منه البند المثير للجدل حول ما يسمى بشبكة الأمان التى تهدف إلى تفادى عودة إقامة الحدود بين مقاطعة ايرلندا الشمالية البريطانية والجمهورية الأيرلندية فى حالة خروج بريطانيا من الاتحاد، ومؤكدا أن اتفاق الخروج المتضمن الترتيب الخاص بأيرلندا لم يحظ ولأكثر من مرة بموافقة البرلمان، الأمر الذى يستوجب من وجهة نظره تغييره، وفى حالة رفض بروكسل لذلك فإن بريطانيا بزعامة جونسون ستخرج من الاتحاد بدون اتفاق، وعلى الجانب الآخر فقد أكد رئيس المفوضية الأوربية جان كلود يونكر بأن اتفاق بريكست الذى وافقت عليه رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماى يعد من وجهة نظر بروكسل الاتفاق الأفضل والممكن، وبالتالى بعدم نيته إعادة النظر بشأن بنود هذا الاتفاق، أو حتى بتقديمه تنازلات إضافية لبريطانيا حتى لا يشكل ذلك سابقة يستفيد منها لاحقًا المشككون فى بناء الاتحاد الأوروبي، كما أوضح يونكر أن الاتحاد الأوربى مع ذلك مستعدا لدراسة أى أفكار تقدمها بريطانيا، بشرط أن تكون متماشية مع بنود اتفاق الانسحاب، وفى نفس الوقت استعداد بلدان الاتحاد الأوربى بإعادة فتح المناقشات حول العلاقة المستقبلية الموجودة فى الإعلان السياسى المرفق بالاتفاق، مع تأكيد القادة الأوربيين أيضًا أن اتفاق الانسحاب الذى يجدد شروط خروج بريطانيا بعد 46 عاما من العضوية نهائى، ونظرا لعدم وجود أى بوادر للاتفاق والتفاهم بين الجانبين تشير آخر قراءات للمراقبين والمحللين بترجيح خروج بريطانيا بلا اتفاق، الأمر الذى سيكون له تداعيات كارثية على الجانبين البريطانى والأوربي، هذا فى الوقت الذى يخطط فيه جونسون للصراع على قيادة حزب المحافظين الذى فاز فيه من جهة ومن جهة أخرى الوصول إعلاميا إلى ملايين الأسر البريطانية وتوعيتها بأهمية الخروج من البريكست بلا اتفاق وتأثير وانعكاسات ذلك على مجالات الحياة اليومية للبريطانيين، هذا برغم صدور مؤشرات وقراءات مالية يمكن أن ترخى بسدولها على الاقتصاد البريطانى وإحداث حالة من الركوض والانفلات الأمنى. رفض وتحد بريطانى يقابله رفض وتشدد وحزم أوربى، فيما العد العكسى تتسارع دفته نحو الموعد المقرر وسط سيجال ومعركة لى الأذرع بين الطرفين، واحتدام الصراع الذى يظهر خلاله رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون بعدم مبالاته بالخروج الفوضوي، وباستعداده لمواجهة كل الاحتمالات والتحذيرات من مغبة الخروج، وتحقيقه لما لم تحققه تيرزا ماى، يذكر أن الاتحاد الأوربى قد تمسك مؤخرا مع بريطانيا يوم الخميس الماضى الموافق الأول من أغسطس الجارى بموقفهما الثابت من بريكست خلال المحادثات التى جرت بين الجانبين فى بروكسل، وتأكيد كل جانب على موقفه المتشدد، هذا فيما تتفاقم الأزمة والتباعد والصراع بين الطرفين وما من شأنه أن يجعل شخصًا مثل بوريس جونسون أن يخرج بريطانيا من الاتحاد الأوربى بلا اتفاق والتنصل التام من كل الاتفاقات السابقة.