فى أكتوبر 2017م، أعلن صاحب السمو الملكى الأمير محمد بن سلمان ولى العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع عن إطلاق مشروع «نيوم» شمال غرب السعودية، والذى يعتبر واحدًا من أكبر المشاريع الاستراتيجية ليس فقط على مستوى المملكة العربية السعودية والمنطقة العربية، بل على مستوى العالم. ويُعد هذا المشروع دُرة المشروعات المندرجة ضمن «رؤية المملكة 2030»، والتى تطمح إلى تطوير المملكة فى مجالات عدة على رأسها السياحة. ويمتد المشروع العملاق على البحر الأحمر وخليج العقبة عبر ثلاثة دول (السعودية- مصر- الأردن)، على مساحة تصل إلى (26.500) كيلومتر مربع، وبتكلفة إجمالية تصل إلى نحو (500) مليار دولار. فى البداية، يجب التأكيد على أن مشروع «نيوم» يأتى فى إطار استراتيجية ولى العهد الأمير محمد بن سلمان الطموحة لتنويع اقتصاد بلاده، وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيسى للدخل بالمملكة، مستفيدًا من المرتكزات الضخمة لقوة المملكة الاستراتيجية القائمة على ثلاثية: الموقع الجغرافى المميز كمركز التقاء للقارات الثلاث.. آسيا، وإفريقيا، وأوروبا. وكذلك كونها تمثل قلب العالم العربى والإسلامى إذ تضم بين جنباتها الحرمين الشريفين، وأخيرًا القوة الاستثمارية والمالية الكبيرة باعتبارها أهم منتجى ومصدرى النفط فى العالم. وكان ولى العهد الأمير محمد بن سلمان قد أكد - فى مقابلة مع وكالة «بلومبرج» فى أكتوبر 2017م- أنه بحلول عام 2030م، تاريخ الانتهاء من تحقيق رؤية المملكة، سوف يسهم مشروع «نيوم» بمبلغ 100 مليار دولار فى الناتج الاقتصادى للمملكة. وبعد عام واحد، أعلن سموه - فى مقابلة أخرى- أن المشروع سيضم 12 مدينة أو بلدة صغيرة بجانب البحر، والمنطقة الصناعية، وميناء ضخم والعديد من المطارات. خمس مميزات و«نيوم» تعنى المستقبل الجديد، فهى اختصار لكلمتين: الأولى «نيو» أى (جديد)، فيما يمثل حرف «م» اختصارًا لكلمة مستقبل. وتقدم «نيوم» خمس مميزات للأفراد تتمثل في: معايير عالمية لنمط العيش من حيث الجوانب الثقافية والفنون والتعليم، وتخطيط عمرانى متطور، وبيئة معيشية رفيعة المستوى، وخدمات مدنية تقنية فى الصحة والتعليم والنقل والترفيه، بالإضافة إلى فرص عديدة للنمو والتوظيف. وقد قامت المملكة العربية السعودية بإنشاء هيئة خاصة للإشراف على مشروع «نيوم» برئاسة سمو ولى العهد حيث يتم دعمه من صندوق الاستثمارات العامة بالمملكة، بالإضافة إلى المستثمرين المحليين والعالميين. منطقة استثمار خاصة ويمثل مشروع «نيوم» منطقة استثمار خاصة، مستثناة من أنظمة وقوانين الدولة الاعتيادية، كالضرائب والجمارك وقوانين العمل والقيود القانونية الأخرى على الأعمال التجارية، ما عدا الأنظمة السيادية، مما سيتيح للمنطقة القدرة على تصنيع منتجات وتوفير خدمات بأسعار منافسة عالميًا، علمًا بأن المرحلة الأولى من المشروع تنتهى فى عام 2025م. صندوق مشترك أنشأت كل من السعودية ومصر صندوقًا مشتركًا بقيمة 10 مليارات دولار، لتطوير أراض على مساحة تزيد على ألف كيلومتر مربع فى جنوبسيناء ضمن مشروع «نيوم»، علمًا بأن الجزء الخاص بالرياض فى صندوق الاستثمار المشترك سيكون نقدًا للمساعدة فى تطوير الجانب المصرى من المشروع الذى سيعتمد على مصادر الطاقة المتجددة فقط. ومن ناحية أخرى، ستقوم المملكة العربية السعودية بإنشاء 7 نقاط جذب بحرية سياحية ما بين مدن ومشروعات سياحية فى نيوم، بالإضافة إلى 50 منتجعًا و4 مدن صغيرة فى مشروع سياحى منفصل بالبحر الأحمر، فى حين ستركز مصر على تطوير منتجعي: شرم الشيخ، والغردقة. على أرض الواقع تسير وتيرة العمل بالمشروع على قدم وساق، وهو الأمر الذى يلاحظه بقوة كل من يزور المنطقة إذ شرع عمال البناء فى العمل، وخارج معسكر أساسى مؤقت للعاملين، تم وضع علامة «أنا قلب نيوم»، وهى تؤدى إلى منازل بيضاء تصطف عليها مصابيح إنارة تعمل بالطاقة الشمسية. وتحتوى المنطقة على سواحل عذراء خلابة، فيما تلوح فى الأفق جبال بركانية. وتشمل المواقع التاريخية فى المنطقة واديًا شهيرًا يعتقد السكان المحليون أن نبى الله موسى- عليه السلام- قد هبط فيه عند العبور من مصر. أما قرية «الخريبة» الهادئة لصيد الأسماك، فهى جزء من خليج نيوم.. المرحلة الأولى من مشروع نيوم العملاق.. حيث بدت جدران القرية مغطاة بالرسوم والإعلانات. وبالقرب من مدرسة القرية، تم وضع لوحة ضخمة كتب عليها «افتح نوافذ الأمل واطرد اليأس». مطار خليج نيوم إلى ذلك، أعلنت الهيئة العامة للطيران المدنى يوم 25 يونيو الماضى عن افتتاح «مطار خليج نيوم» الواقع فى منطقة شرما شمال المملكة، موضحةَ أن المطار قد تم ترخيصه من قبلها كمطار تجاري، وأصبح جاهزًا لاستقبال الرحلات التجارية. ويأتى ذلك، بعد أن تم الانتهاء من أعمال تطوير المرحلة الأولى له، واعتماد تسجيله من قبل الاتحاد الدولى للنقل الجوى (IATA) فى وقت سابق بالرمز (NUM). وسيقوم مطار خليج نيوم حاليًا بتسيير الرحلات المنتظمة لنقل المستثمرين والعاملين فى مشروع نيوم. وعلى صعيد آخر، أعلنت «نيوم» تعيين شركة (Aecom) الأمريكية مستشارًا إداريًا لجزء من مشروع خليج نيوم، الذى سيبدأ تنفيذه هذا العام، على أكثر من مرحلة حيث ستقدم الشركة رؤيتها وخدماتها الاستشارية لتطوير البنية التحتية، فى جزء من المشروع العملاق. فعاليات مميزة شهدت مدينة «نيوم» مؤخرًا حدثًا غير مسبوق على أرضها، ألا وهو البطولة الشاطئية الدولية الأولى لكرة القدم، بمشاركة 6 منتخبات دولية، تم توزيعها على مجموعتين: المجموعة الأولى.. ضمت منتخبات: السعودية، والصين ومصر، والثانية.. ضمت منتخبات: عمان، وإنجلترا، والإمارات. وقد تواكب مع هذه البطولة ثلاث فعاليات شاطئية أخرى أقيمت كلها فى «قيال»، وهي: كأس العالم الخمسين للتزلج المائي، وفعالية لرياضة الرجبي، وأخرى للتنس. يذكر أن هذه هى المرة الثانية التى تحتضن فيها مدينة «نيوم» أنشطة وفعاليات رياضية، بعد فعاليات الرياضات الجريئة فى أواخر أبريل الماضي، والتى شهدت القفز بالسترات المجنحة، وتسلق الجبال. وأخيرًا.. لا شك أن تواجد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مؤخرًا – ولعدة أيام- فى مدينة «نيوم» لأخذ بعض الوقت من أجل الراحة والاستجمام، فضلاً عن زيارات سمو ولى العد الأمير محمد بن سلمان المتتالية للمدينة، لهو دليل أكيد على أهمية هذا المشروع العملاق الذى سينقل المنطقة بأسرها نقلة نوعية - سياحيًا واستثماريا- إلى آفاق غير مسبوقة. ...................................................................................... كاتبة سعودية ، ورئيسة تحرير مجلة " مملكة الاقتصاد والأعمال "