- قراءة فى زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى كوريا الجنوبية - تطوير العلاقات الثنائية و«لجنة الرؤية السعودية الكورية 2030م».. أبرز النتائج يبدو أن الزخم السياسى والإعلامى المصاحب لقمة العشرين باليابان (28-29) يونيو المنقضى قد غطى قليلًا على زيارة غاية فى الأهمية قام بها صاحب السمو الملكى الأمير محمد بن سلمان ولى العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع إلى كوريا الجنوبية، وذلك فى الفترة ما بين (26-27) يونيو الماضى بدعوة من الرئيس الكورى الجنوبى «مون جى إن»؛ لما تحمله تلك الزيارة من نتائج مميزة تستحق الإشارة إليها. إذا أردنا اختيار عنوان لهذه الزيارة الهامة، فيمكن أن نقول «توسيع شراكات رؤية المملكة 2030»، وذلك انطلاقًا من حرص الجانبين السعودى والكورى على توسيع مجالات التعاون وتطوير العلاقات الثنائية إلى أبعد مدى، لا سيما ما يتعلق منها بالمجالات الصناعية والتكنولوجية على تنوعها، علمًا بأن العلاقات بين البلدين قد انطلقت منذ بدء العلاقات الدبلوماسية بينهما عام 1962م عبر مجالات الطاقة والبنية التحتية. وفى هذا السياق، اتفق ولى العهد السعودى مع الرئيس الكورى على تعزيز شراكات رؤية 2030م عن طريق «لجنة الرؤية السعودية الكورية 2030م»، بل تم الاتفاق على تسريع وتيرة التعاون لتحقيق تلك الرؤية عن طريق الجهود التى تتضمن إنشاء مكتب تحقيق الرؤية فى كل من: الرياض، وسيول، إضافةَ إلى تعزيز جهود اللجنة السعودية الكورية المشتركة. أرقام هامة تجدر الإشارة هنا إلى أن حجم التبادل التجارى بين السعودية وكوريا الجنوبية سجل نموًا بنسبة 21% خلال عام 2018م مقارنة بالعام 2017 وصولًا إلى 30 مليار دولار، وذلك وفقًا لبيانات وزارة التجارة والاستثمار السعودية. وقد جاء هذا الارتفاع مدعومًا بنمو فى الصادرات غير النفطية بنسبة 60% وهو مؤشر إيجابى يواكب أهداف رؤية المملكة 2030. وتحتل كوريا الجنوبية المرتبة الخامسة فى حجم التبادل التجارى مع المملكة حيث بلغت قيمة الصادرات السعودية لكوريا خلال عام 2018م 26 مليار دولار، مقابل 4.3 مليار دولار كواردات. فيما تصدرت المنتجات المعدنية قائمة السلع المصدرة من المملكة إلى كوريا الجنوبية إلى جانب المنتجات الكيماوية العضوية وغير العضوية والنحاس واللدائن ومصوغاتها، فيما برزت السيارات وأجزاؤها كأهم السلع المستوردة من كوريا الجنوبية تليها الأجهزة والمعدات الكهربائية والآلات والحديد والصلب. الاقتصاد الجديد من اللافت للنظر فى تلك الزيارة، حرص سمو ولى العهد الشديد على تنويع وتوسيع التعاون الثنائى مع كوريا فى مجال الصناعات الجديدة التى تلبى احتياجات حقبة الثورة الصناعية الرابعة، والعمل على خلق فرص وظيفية للشباب فى الدولتين فى مجالات الصناعة الحديثة المستقبلية كالسيارات الصديقة للبيئة وصناعة الروبوتات وتقنية المعلومات والتواصل وتقنيات شبكة الجيل الخامس، وهو ما ظهر جليًا كأبرز نتائج الزيارة إذ تم توقيع مذكرة تفاهم للتعاون فى مجالات السيارات، واتفاقية برنامج تنفيذى فى مجال صناعة الروبوتات، ومذكرة تفاهم فى مجال تقنية معلومات الاتصال، ومذكرة تفاهم تتعلق بالتعاون فى مجال اقتصاد الهيدروجين. وقد وقع الجانبان 14 مذكرة تفاهم فى مجال تقنيات الاتصال والمعلومات، والحكومة الإلكترونية والسيارات، وفى مجال اقتصاد الهيدروجين، والتأمين الطبي، والثقافة، وحقوق الملكية الفكرية، وعمليات الشراء العسكرية، والتعاون بين مراكز الفكر فى مجال الاقتصاد والمؤسسات المالية، وفى مجال السياحة والرياضة. مقابلات منتقاة فضلًا عن المقابلات الرسمية المجدولة، تأتى اختيارات الأمير محمد بن سلمان لمقابلاته بكوريا الجنوبية مدروسة بعناية فائقة تعكس الأهداف الإستراتيجية التى يسعى سموه لتحقيقها، وقد ضمت قائمة مقابلاته.. «غو غوانغ مو».. رئيس مجلس إدارة مجموعة «إل جي» حيث تم تبادل الحوار حول نمو السوق السعودي، وفرص الشراكة فى مجالات الأجهزة الكهربائية المختلفة. كما التقى الأمير محمد بن سلمان ب «تشى تى أون».. رئيس مجلس إدارة مجموعة «إس كي»، وتم تبادل الحديث حول آفاق التعاون والاستثمار فى مجال البتروكيماويات والطاقة النظيفة والبيئة وتقنية البطاريات. كذلك، التقى سمو ولى العهد بكل من: «تشونغ كى سون».. نائب الرئيس التنفيذى لمجموعة هيونداي، و«سام هيون كا».. رئيس شركة هيونداى للصناعات الثقيلة حيث تم باللقاء بحث فرص الاستثمارات المتبادلة لا سيما الفرص الواعدة فى مجمع الملك سلمان للصناعات البحرية. مشروع «إس أويل» افتتح الأمير محمد بن سلمان والرئيس الكورى مشروع شركة «إس أويل» « s-oil». بعد توسعته إذ بلغ حجم الاستثمار فيه (4.2) مليار دولار أمريكى مما يعزز من ربحية شركة «إس أويل» وقدرتها التنافسية. وقد رحب الجانبان (السعودي، والكوري) بأن يكون التركيز فى مرحلة التوسعة المقبلة ل «إس أويل» على زيادة إنتاج البتروكيماويات وتوظيف تقنية جديدة تعرف ب(تحويل النفط الخام إلى منتجات كيميائية بالتكسر الحراري Thermal crude to chemicals، والتى طورتها شركة أرامكو السعودية، علمًا بأن حجم ذلك الاستثمار يبلغ حوالى 6 مليارات دولار تقريبًا. وتجدر الإشارة هنا إلى أن توسعة مصفاة « S-Oil» اعتمدت فى عملها على عدة تقنيات من بينها تقنية ( HS-FCC) المبتكرة التى تم تطويرها فى جامعة الملك فهد للبترول والمعادن وترخيص براءة اختراعها للشركة الكورية. وقد تم ترخيص التقنية الجديدة لتكسير وإنتاج النفط الثقيل لتكون بذلك أول تقنية سعودية تغزو الأسواق العالمية، بعد تجاوزها مراحل التسجيل كبراءة اختراع، ثم الترخيص التجارى والنمذجة على مستوى صناعى ليتم استخدامها فى بناء معمل تكرير ضخم. وفى السياق نفسه، يبدو الاهتمام السعودى بالاستثمار فى كوريا الجنوبية لافتًا للنظر، لا سيما فى مجالات الطاقة والتكرير والبتروكيماويات، وهو ما ظهر جليًا فى استثمار «أرامكو السعودية» فى شركة «هيونداى أويل بنك» لتكرير النفط؛ حيث تسعى أرامكو إلى توسيع نطاق أنشطتها، وخاصة فى مجال البتروكيماويات. أيضًا، بدا واضحًا تطلع الجانبين السعودى والكورى لزيادة توسيع التعاون فى مجال الاستخدام السلمى للطاقة النووية، وقد رحبت المملكة بمشاركة الشركات الكورية فى مناقصة مشروع بناء أول محطة توليد طاقة نووية تجارية فى السعودية، كما أكد الجانبان أهمية استمرار التعاون وبناء القدرات البشرية فى البحث والتطوير النووى والمناطق التنظيمية. تواصل شعبى إلى ذلك، أبرزت زيارة سمو ولى العهد لكوريا الجنوبية أهمية التواصل بين شعبى البلدين من أجل ترسيخ أسس التعاون المستدام، حيث اتفق الجانبان السعودى والكورى على ضرورة توسيع التبادلات المشتركة بين الشعوب، وكذلك بين الثقافات بشكل يتجاوز العلاقات الثنائية الحالية التى تركزت على التعاون الاقتصادي، وعلى وجه الخصوص أعرب الجانبان عن أملهما أن تسهم مذكرات التفاهم التى تم توقيعها خلال هذه الزيارة والتى شملت التعاون فى مجالات الثقافة والسياحة والرياضة ومجال الحماية الاجتماعية وإدارة الموارد البشرية والخدمة المدنية، والتى يؤمل أن تسهم فى تعزيز التبادل الثقافى والشعبى بين البلدين، وبناء أساس تعاون يمكن ان يستمر للأجيال القادمة. ولأن الشباب دائمًا فى عقل وقلب الأمير محمد بن سلمان، اتفق الجانبان على توسيع نطاق فرص زيادة التبادلات الثنائية بين جيل الشباب فى البلدين باعتبار بناء قدرات الشباب مجالًا رئيسًا فى التعاون الثنائي، والعمل معًا بشكل وثيق فى مجال التعليم، كتوسيع التعاون بين المعاهد الأكاديمية، كما اتفق الجانبان على تعزيز تبادل المنح الدراسية وفرص التعليم وتشجيع الزيارات الطلابية وترجمة المواد العلمية والأدبية المميزة ونشرها فى الصحف العلمية. ومن ناحية أخرى، رحب الجانبان بمذكرة التفاهم حول تسهيل إصدار تأشيرات الزيارة للمواطنين والتى دخلت حيز التنفيذ منذ فبراير الماضي، وتطلع الجانبان أيضًا إلى تعزيز التبادلات والتعاون بين القطاع الخاص وشعبى البلدين من خلال نظام الإقامة المميزة، الذى أعلنت عنه المملكة العربية السعودية مؤخرًا. الشأن السياسى تميزت المباحثات المكثفة التى تمت بين سمو ولى العهد والرئيس الكورى بالقصر الأزرق الرئاسى بالعاصمة سيول، بالتفاهم الواضح حيال الملفات السياسية الإقليمية والدولية؛ حيث أشاد الجانبان بالتقدم المملموس فى عملية السلام فى شبة الجزيرة الكورية والجهود التى تبذلها كوريا الجنوبية من أجل المصالحة وتعزيز الثقة وإزالة الأسلحة النووية تمامًا لتحقيق السلام الدائم فى شبه الجزيرة الكورية مما سيسهم فى تعزيز الأمن والسلم الدوليين، وفى هذا الجانب أشاد الأمير محمد بن سلمان بجهود الرئيس «مون جى إن» ورحب بالقرارات الواردة فى إعلان «بانمونجوم» وإعلان «بيونغ يانغ» المشترك الصادر عن رئيسى الكوريتين، والتى ستسهم فى تحقيق السلام والازدهار فى شبه الجزيرة الكورية والعالم بأسره. كما ناقش الجانبان جهود المجتمع الدولى لمكافحة التطرف والإرهاب واتفقا على أن الإرهاب قضية عالمية لا ترتبط بجنسية أو دولة أو دين معين، كما أدان الجانبان بشدة الإرهاب بكافة أشكاله. وفى هذا السياق، أشاد الرئيس الكورى بقيادة المملكة ودورها النشط فى دعم الحلول السياسية للنزاعات فى منطقة الشرق الأوسط، كما أدان الجانبان الهجمات الصاروخية الحوثية التى استهدفت المطارات المدنية فى المملكة وهددت سلامة المدنيين وأمنهم، ومجموعة الهجمات التى استهدفت ناقلات النفط والتى من شانها تهديد أمن الطاقة واستقرار المنطقة، ودعا الجانبان المجتمع الدولى باتخاذ إجراء حازم لحماية حرية الملاحة فى الخليج العربى وخليج عمان ومضيق هرمز وجميع المياه الدولية وضمان سلامة إمدادات الطاقة. ومن جانب آخر، طالب الجانبان المجتمع الدولى باستعادة عملية السلام وفقًا لمبادرة السلام العربية والقرارات الدولية التى تدعم الجهود المؤدية لتسوية سلمية للنزاع الفلسطينى الإسرائيلى على أساس حل الدولتين، وكذلك حل الأزمة السورية وفقًا لقرارات الشرعية الدولية.