جاءت العشر الأواخر من شهر رمضان لتكون بمثابة الفرصة الأخيرة لزيادة العبادة ونيل الحسنات لتعويض المسلم عما فاته من تقصير في العبادات والطاعات خلال أيام هذا الشهر المبارك، ولهذا أمرنا رسولنا الكريم وفق هديه وسنته وحرصه علينا بالاعتكاف أي بالإقامة بالمسجد أو مكان العبادة المتاح من أجل زيادة العبادة والتقرب إلي الله، ويستحسن أن يكون ذلك في العشر الأواخر من شهر رمضان وتوافر عدة شروط لأجل إقامتها منها شرط النية كغيرها من العبادات والطهارة من الجنابة والحيض والنفاس، وهو كما يقول الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية سنة مؤكدة وهدي نبوي التزامه الرسول 'صلي الله عليه وسلم حتى وفاته كما حدثتنا بذلك السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها حيث قالت كان النبي 'ص ' يعتكف في العشر الأواخر من شهر رمضان حتى وفاته، وأما الحكمة من مشروعية ذلك كما يري فهو التفرغ للعبادة من صلاة وذكر ومجالس علم وتلاوة القرآن والدعاء إلي الله والتضرع والسجود له بأن يتغمد المسلم برحمته ويفيض عليه من نعمائه وغيرها من الطاعات والعبادات. ولهذا فإن الاعتكاف الصحيح لا يتم صحته إلا بإتباع شروط معينة مأخوذة من سنة الرسول 'ص ' وهي العزلة عن الناس واختيار المكان المخصص للاعتكاف بالمساجد الكبيرة أو المكان المهيأ للعبادة، مع عدم خروج المعتكف إلا في بعض الأمور الضرورية كالوضوء أو الخروج لقضاء الحاجة، أو الخروج للإتيان بطعام أو شراب، ويقول الدكتور خليل طاهر في كتابه رمضان بأن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ' السنة للمعتكف ألا يزور مريض وأن لا يشهد جنازة إلا لضرورة قصوى، وأن لا يمس امرأة ويباشرها، ولا يخرج لحاجة إلا لما بد منه '، ومن آدابه ألا يتكلم المعتكف إلا بخير وأن يتجنب كل ما لا يعنيه ويشغله عن طاعة الله بالعبادة وأن يختار المعتكف أفضل المساجد ويلازم التلاوة والحديث وألا يخرج أو يستغل اعتكافه في أمور الدنيا ويبعد عن العبادة. وقد أجمع العلماء علي أن الاعتكاف هو رياضة النفس بالعبادة وقراءة القرآن والدعاء والاستغفار والتسبيح والصلاة علي النبي، كما أجمع الأئمة علي أنه يشترط أن يكون المعتكف مسلما لأنه لا يصح من كافر، وأن يكون عاقلا فلا يصح من مجنون، ولا من صبي غير راشد، ولا يصح اعتكاف المرأة بغير إذن زوجها، وعن زمن ومدة الاعتكاف وأحكامها فقد أجمع العلماء أنها محببة في العشر الأواخر من رمضان ويفضل أدائها كاملة كما كان يفعل الرسول 'ص'، أو أن يعتكف الليالي ألفردية منها، أو أن يعتكف بعضها، أو أن يعتكف يوم وليلة، أو اعتكاف الثلث الأخير من الليل، أو اعتكاف أو ساعتين من الليل شريطة النية لأداء الاعتكاف، فاللهم تقبل منا صيامنا وصلاتنا وزكاتنا وقيامنا واعتكافنا ونولنا ليلة القدر وأعطنا جزاءنا غير منقوص بعفوك ورحمتك .