يصادف هذا اليوم الخميس الموافق 21 من مارس عام 2019 الذكري 29علي ميلاد الشيخ الجليل عبد الفتاح محمود الشعشاعي ، وقد ولد الشعشاعي في قرية شعشاع بالمنوفية فِي 21 مارس عام 1890 م، ووالده هو الشيخ محمود إبراهيم الشعشاعي، و قد سميت القرية باسم جده شعشاع، حفظ القرآن الكريم على يد والده الشيخ محمود الشعشاعي في 10 سنوات، فأتم حفظ القرآن في عام 1900 م. سافر الشيخ الشعشاعي بعد ذلك إلى طنطا لطلب العلم من المسجد الأحمدي، وتعلم التجويد وأصول المد بالطريقة العادية، ولتفوق الشيخ وتميزه بصوت عذب فقد نصحه المشايخ بالسفر إلى القاهرة والالتحاق بالأزهر الشريف، فالتحق بالأزهر ودرس هناك القراءات على يد الشيخ بيومي والشيخ على سبيع، كان ذلك عام 1914 م، وسكن بحي الدرب الأحمر، وبدأ صيته يذيع في القاهرة بين أساطين دولة التلاوة أمثال على محمود ومحمد رفعت . عاد الشيخ إلى قريته وبين جوانحه إصرار عنيد على العودة إلى القاهرة مرة أخرى ليشق طريقه في زحام عباقرة التلاوة، وعندما بدأ الشيخ رحلته إلى العاصمة كان أكثر المتفائلين يشك أن الشيخ الشاب سينجح حتى في كسب عيشه. وقد بدأت رحلة الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي و ذيوع صيته الحقيقي لتلاوة القران عندما دخل ليقرأ فيه بالليلة الختامية لمولد الإمام الحسين (رضي الله عنه) مع أعظم وأنبغ المقرئين في بداية القرن العشرين أمثال الشيخ محمد رفعت والشيخ أحمد ندا والشيخ على محمود ، والشيخ محمد الصيفي، والشيخ العيسوي والشيخ محمد جاد الله، ومن تلك الليلة انطلق صوته إلى العالم الإسلامي وأصبح له مكان في القمة وأصبح له مريدين وتلاميذ ومنهم الشيخ محمود على البنا والشيخ أبو العينين شعيشع رحمهم الله جميعا، ثم عُين الشيخ الشعشاعي لاحقا كقارئاً لمسجد السيدة نفيسة ، ثم مسجد السيدة زينب عام 1939م . التحق الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي بالإذاعة المصرية عند افتتاحها ،ويعتبر ثاني قارئ للقرآن بها بعد الشيخ محمد رفعت عام 1934، وعلي الرغم من أنه قد رفض الالتحاق بالإذاعة فِي بادئ الأمر خشية من أن تكون التلاوة في الإذاعة من المحرمات ، إلا أنه تراجع عن ذلك القرار بعد فتوى شيخ الأزهر الظواهري في تلك الفترة ، وقبول الشيخ رفعت لعرض الإذاعة، وكان يتقاضى راتبًا سنويًّا قدره 500 جنيه مصري مما يدل علي منزلته وعلو قدره . تميز الشيخ الشعشاعي بالصوت الندى القوي، والتجويد والترتيل الذي يأخذك إلى عالم من الخشوع والتدبر في آيات الله وملكوته، حتى أن البعض وصفه بأنه عمدة فن التلاوة في عصر الرعيل الأول للقراء في مصر والعالم العربي ،ونسميه نحن بمكوك الأذان وتلاوة القران ،ويرجع ذلك إلي تميزه بطبقات صوت وحنجرة فولاذية ،وتميزه بطريقته الخاصة للأداء التي كانت مختلفة عن باقي القراء، و مع هذا فقد كان بحب وتواضع وتذوق يستمع إلى أصوات المقرئين من الجيل الذهبي من حوله ومنهم الشيخ محمد رفعت، و الشيخ علي محمود، والشيخ محمد الصيفي وكان يصفهم بأنهم أساتذة وعمالقة لا يتكررون ويَعتبرهم أصحاب مدارس خاصة في قراءة القرآن والسماع.. و قد وصف قراءة الشيخ محمد رفعت وميزها واعتبرها مدرسة انتهت بوفاة الشيخ رفعت ولن تتكرر ، وبسبب حله لأداء التواشيح فقد كَوَّن الشعشاعي رحمه الله فرقة للتواشيح الدينية وكان في بطانته الشيخ زكريا أحمد والذي ذاع صيته فيما بعد، وسرعان ما بدأ الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي يتألق ويلمع وأصبح له عشاق بالألوف ، إلا أن فرقة التواشيح لم تكن ترضي طموح الشيخ الشعشاعي فغامر وألقى بنفسه في البحر الذي يتصارع فيه العمالقة في التلاوة، فقرأ في مأتم سعد زغلول باشا، وعدلي يكن باشا، وثروت باشا، فأصبح الشعشاعي و منذ عام 1930 متفرغا لتلاوة القرآن الكريم وترك التواشيح إلى غير رجعة، ومع ذلك لم ينسَ رفاقه في الدرب فقرر تخصيص رواتب شهرية لهم حتى وفاتهم، وقد اكتملت سعادته رحمه الله عندما طار صوته إلى العالم الإسلامي وأصبح له مكان فوق القمة، وأصبح له جمهوره الكبير وتلاميذه . حج الشيخ الشعشاعى بيت الله الحرام، وقرأ القرآن فيه على مسامع عشرات الآلاف من الحجاج، و يعتبر الشيخ الشعشاعي أول من تلا القرآن الكريم بمكبرات الصوت في مكة والمسجد النبوي ووقفة عرفات من عام 1948 م. وسافر كذلك إلى العراق عام 1954 م، ثم سافر إليها أكثر من مرة بعد ذلك منها عام 1958 م وعام 1961 م ، وقد حاز الشعشاعي علي العديد من الأوسمة من وزارة الأوقاف، وفي عام 1990 م منح الرئيس الأسبق حسني مبارك اسم الشيخ الشعشاعي وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى تقديراً لدوره في مجال تلاوة القرآن. وقد توفي الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي في 11 نوفمبر عام 1962م عن عمر يناهز 72 عامًا قضاها في خدمة القرآن الكريم، وكانت حياته حافلة بالعطاء، وخلف وراءه تراثًا قيمًا سيظل خالدًا خلود القرآن، ومكتبة صوتية للقرآن الكريم تضم أكثر من 400 تسجيلا موجودة بالإذاعة المصرية، وتاركا للأمة الإسلامية ابنه إبراهيم الشعشاعي على دربه فتألق هو الآخر حتى جابت شهرته الآفاق رحمه الله .