يتطلع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون هذا العام إلي تحقيق مكتسبات سياسية واقتصادية وأمنية كبيرة لفرنسا من خلال قيامه بثلاثة زيارات دولية رئيسية هامة منها زيارته الجارية الآن إلي الهند والتي بدأت منذ يوم الجمعة الماضي 9 من مارس الجاري، ثم الولاياتالمتحدة الأميركية في أبريل، وبعدها يأتي دور روسيا، وبإتمامه لتلك الزيارات الثلاث الهامة، يكون ماكرون قد جال علي عواصم ومراكز الثقل والقرار في العالم، فبعد أن أرسي ماكرون قاعدته في فرنسا وأوروبا ها هو يطمح للعب دور رئيسي علي المسرح العالمي وكانت البداية من الصين التي زارها في شهر يناير الماضي. وعن زيارته إلي الهند التي بدأها مساء الجمعة الماضي وحتي الثاني عشر من مارس الجاري من أجل تعزيز العلاقات الإستراتيجية مع الهند في كافة المجالات واهما ما شاهدته من توقيع الطرفين علي اتفاقات عدة في مجالات متنوعة منها ايمانويل طموحات فرنسا في القطاعات الدفاعية وبيعها طائرات الرافال وفرقاطات الميسترال إلي الهند ومساعٍ لتعزيز الشراكة الإستراتيجية، بعد أن اجري الرئيس ماكرون جلسة مباحثات مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يوم السبت والذي يعد من أوائل القادة الأجانب الذين استقبلهم ماكرون بباريس في يونيو 2017 عقب انتخابه، حيث يعتبر رئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي كان من أوائل كبار الضيوف الذين استقبلهم ماكرون عقب انتخابه في ربيع العام الماضي، وأحد الذين يعول عليهم حقيقة لاستمرار العمل باتفاقية المناخ التي وقّعت في باريس نهاية عام 2015، خصوصاً بعد أن قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب منها، كما سيترأس كل من إيمانويل ماكرون وناريندرامودي بالعاصمة نيودلهي الأحد القمة التأسيسية للتحالف الدولي للطاقة الشمسية بمشاركة 35 دولة وحضور أكثر من 20 من قادة العالم وذلك في سياق الالتزامات المقطوعة في قمة المناخ المعروفة ب 'قمة الكوكب الواحد'، والتي استضافتها باريس في ديسمبر الماضي، ومن المقرر أن يشهد ماكرون ومودي الاثنين الموافق 12 من مارس الجاري افتتاح محطة كبري للطاقة الشمسية أنشأتها شركة 'انجي' الفرنسية بولاية أُتّر برديش التي تعد من أكبر المدن الهندية، علما بأن الشركات الفرنسية تنتج 10% من الطاقة الشمسية في الهند. ويسعي الرئيس ماكرون خلال هذه الزيارة وفق ما صرح به قصر الاليزيه بفرنسا لتعزيز العلاقة الإستراتيجية مع الهند في ثلاثة محاور متكاملة أولها المحور الدفاعي والأمني، وفيه توصيف للهند بأنها الشريك الاستراتيجي الأول لفرنسا في المنطقة برغم حساسيتها وجغرافيتها، ولهذا فان محادثات ماكرون مع المسئولين الهنود تركزت بالدرجة الأولي علي الوصول إلي رؤية مشتركة لمسألة الأمن في المحيط الهندي وعلي التعاون في مجال الاستخبارات والحرب علي الإرهاب، فضلاً عن التعاون في المجال الدفاعي والطاقة النووية المدنية والمجال الفضائي، ويدور الهدف الاستراتيجي الثاني علي الشراكة من التغيرات المناخية حيث تري باريس في الهند شريكاً رئيسياً في الحد من التغيرات المناخية، وللمحافظة علي اتفاق باريس، وعلي مكتسبات قمة الكوكب الواحد التي نظمها ماكرون العام الماضي، وحضرها رئيس الوزراء الهندي، ومن الإنجازات المشتركة إطلاق ما يسمي بالتحالف الشمسي العالمي' للترويج للطاقة الشمسية، وهو أحد مقررات اتفاقية باريس للمناخ للعام 2015، وبمناسبة الزيارة سيتم إطلاق التحالف المذكور في قمة تستضيفها الهند، ويتشارك في رئاستها ماكرون ومودي. كما أن المسئولين سيشتركان في تدشين المحطة الشمسية التي بنتها الشركة الفرنسية 'أنجي' في مدينة ميرزابور بقوة 100 ميجا وات والتي تري فيها باريس ترجمة لما يمكن أن يحققه التعاون بين البلدين في هذا المجال. أما الهدف الثالث من الاتفاقات فانه يتعلق بالتعاون الإنساني من أجل الشباب والتجديد والإبداع والدفع باتجاه جديدة من التعاون العلمي والثقافي والجامعي بين البلدين. وترغب باريس في فتح أبواب جامعاتها أمام الطلاب والباحثين الهنود، فضلاً عن المستثمرين والسياح، كما تطمح فرنسا أن تتوصل في السنوات المقبلة إلي استقبال 100 مليون سائح خارجي مقابل 66 مليون في الوقت الحاضر. ومن خلال تفرد الرئيس الفرنسي ماكرون بزيارة القارة الهندية وباعتباره رجل مال فانه يسعي إلي إبرام عقود قوية في المجال النووي حيث تأمل باريس بالتقدم نحو بناء ستة مفاعلات نووية، وهو مشروع 'علي الطريق الصحيح' بحسب ما أعلن وزير الخارجية جان ايف لودريان في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي في نيودلهي، وتسعي فرنسا لتعميق التعاون بين البلدين في قطاعات الدفاع والأمن والطيران والفضاء والطاقة النووية ومكافحة الإرهاب والاختلال المناخي، كما تطلع لتعزيز التعاون في مجالات التنمية المستدامة و الطاقة المتجددة و وسائل النقل الكهربائية لاسيما من خلال الوكالة الفرنسية للإنماء، فضلا عن تعزيز التعاون العلمي والجامعي في ضوء التقدم الكبير الذي حققته الهند في مجال البحث العلمي والرقمنة. كما يسعي ماكرون إلي العمل علي تحقيق فرصا استثمارية وتجارية واسعة مع هذا البلد الكبير ومنها إعطاء الأولوية للطاقة المتجددة وما توفره من فرص استثمارية وشراكات صناعية و تعزيز موقع فرنسا في المشتريات الدفاعية الهندية، علماً بأن الهند تعد علي رأس الدول التي تشتري السلاح في العالم وهو ما يعكسه نوعية الوفد المرافق لماكرون في تلك الزيارة والمؤيد لرؤيته، إذ يصطحب وزراء الخارجية والدفاع والتعليم العالي والبحث العلمي ووزير الدولة لشؤون البيئة والطاقة والمبعوثة الخاصة، سيجولين رويال، لإطلاق التحالف الشمسي الدولي وعددا من البرلمانيين ورجال الأعمال، وخلال تلك الزيارة الممتدة تم توقيع ماكرون لكثير من العقود والاتفاقيات بعد أن نجحت مجموعة داسو للصناعات الجوية بعد منافسة شرسة مع شركات أوروبية وأميركية وروسية في الفوز بعقد بيع الهند 36 طائرة من طراز رافال، وتأمل الشركة المذكورة أن توافق الهند علي توقيع صفقة إضافية، كذلك فإن الهند مهتمة بالتكنولوجيا النووية الفرنسية. ويندرج ذلك كله في سياق الرؤية الهندية لمستقبل العلاقات مع أووربا وفرنسا تحديداً، كما تطمح باريس في عهد الرئيس ماكرون في تنويع علاقاتها وتوفير دفعة قوية للمبادلات المدنية وفي القطاعات التي تتوافر فيها قيمة مضافة ذات معني، فإلي جانب المقاتلات من طراز رافال، تسعي شركة إيرباص للصناعات الحربية إلي تسويق طوافاتها من طراز بانتير، كذلك، تريد باريس الترويج للغواصات التي تصنعها من طراز سكوربين، وفي مجال الطاقة النووية للاستخدام السلمي 'الهند دولة نووية'، سيحاول المسئولون الفرنسيون إقناع المفاوضين الهنود بشراء مفاعلات نووية من الجيل الجديد وسبق لوزير الخارجية جان إيف لودريان، الذي شغل في السابق منصب وزير الدافع لخمس سنوات في عهد الرئيس فرنسوا هولاند، وبالتالي فإنه يعرف جيداً الملف الدفاعي مع الهند، وكان قد زار نيودلهي في نوفمبر 'تشرين الثاني' الماضي، وأكد أن موضوع المفاعلات النووية 'في الطريق الصحيحة، وفي المجال المدني تراهن الشركات الفرنسية علي حاجة الهند إلي الخبرات الفرنسية في مجال محاربة التلوث وخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، علماً بأن الهند من كبريات البلدان الملوثة بعد الصين. يبقي أن مستوي المبادلات التجارية بين البلدين ما زال ضعيفاً، حيث إنها لا تزيد علي 11 مليار دولار، وأن الهند هي الزبون ال18 لفرنسا. وبفضل الصادرات الدفاعية العام الماضي حققت الصادرات الفرنسية قفزة مهمة نسبتها 30 في المائة. وتعد الشركات الفرنسية ثامن طرف مستثمر في الهند، حيث تتواجد نحو 120 شركة فرنسية. ويصطحب ماكرون معه عدداً مهماً من رؤساء ومديري كبار الشركات الفرنسية المهتمة بالسوق الهندية أن ماكرون يعمل من خلال تلك الزيارة التاريخية علي تعزيز العلاقات الاقتصادية مع العملاق الأسيوي كمدخل ومصدر هام وحيوي للاقتصاد الفرنسي والأوروبي بعد البريكسيت لتكون فرنسا منافسة لبريطانيا خصمها القديم في القارة الهندية وذلك للتواجد البريطاني القوي مع الهند بسبب الارتباط الثقافي والتاريخي والاستعماري مع هذا البلد الذي مازال يفكر في البدائل الاقتصادية التي تعوض خروجه من الاتحاد الأوروبي، هذا الاتحاد الذي تسعي دوله الكبري وعلي رأسه فرنسا لفتح علاقات اقتصادية وشراكات إستراتيجية كبري مع دول كالهند لتعوض هي الأخري خروج بريطانيا من الاتحاد.