يُتيح للمستثمرين إدارة المستشفيات العامة.. قانون المنشآت الصحية يثير الجدل بين "الأطباء" و"النواب"    «الصحفيين» تعلن أسماء الفائزين بالمسابقة الدينية في الإسكندرية غدًا    سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم.. آخر تحديث    محافظة الجيزة: عودة ضخ المياه لمنطقة اللبيني بعد إصلاح كسر ماسورة    مكالمة السيسي وبايدن.. بكري: الإدارة الأمريكية تدعو مصر لاستئناف دورها في المفاوضات    الحوثيون يعلنون مهاجمة سفينة يونانية قبالة اليمن    خطة مصرية أمريكية لإعادة تشغيل معبر رفح (تفاصيل)    الأهلي ضد الترجي.. سفير تونس يخاطب السلطات المصرية لهذا السبب    "استقر على بديل معلول".. مصراوي يوضح كيف يُفكر كولر في مباراة الترجي بنهائي أفريقيا    عبدالرحمن حسين ابن القليوبية يحرز 3 ميداليات ببطولة العالم لرفع الاثقال ببيرو (صور)    بعد التوصل إلى جثة آخر الضحايا.. 20 صورة ترصد مأساة معدية أبو غالب    شيماء سيف:" الرجالة أساس النكد في البيت ومبحبش الراجل اللي معندوش شفايف"    خبيرة فلك تتوقع تحسن أحوال مواليد 6 أبراج خلال 25 يوما.. هل أنت منهم؟    أستاذ أزهري: السيدة زينب كانت كجدتها خديجة في عظمة الشخصية ورجاحة العقل    المفتي: لا يجب إثارة البلبلة في أمورٍ دينيةٍ ثبتت صحتها بالقرآن والسنة والإجماع    حسام موافي يوضح أخطر مراحل الغيبوبة    حيل وألاعيب يستخدمها المشكك في نشر الشبهات، فيديو جديد لوحدة بيان في الأزهر    أعضاء القافلة الدعوية بالفيوم يؤكدون: أعمال الحج مبنية على حسن الاتباع وعلى الحاج أن يتعلم أحكامه قبل السفر    مباشر سلة BAL - الأهلي (0)-(0) الفتح الرباطي.. بداية اللقاء في المرحلة الترتيبية    الأعراض الرئيسية لمرض السكري لدى الأطفال والمراهقين    متصلة: أنا متزوجة وعملت ذنب كبير.. رد مفاجئ من أمين الفتوى (فيديو)    «العمل» تكشف تفاصيل توفير وظائف زراعية للمصريين باليونان وقبرص دون وسطاء    مع اقتراب عيد الأضحى.. تفاصيل مشروع صك الأضحية بمؤسسة حياة كريمة    سكرتير عام البحر الأحمر يتفقد حلقة السمك بالميناء ومجمع خدمات الدهار    تحديث بيانات منتسبي جامعة الإسكندرية (صور)    الأمم المتحدة تحذر من انتشار اليأس والجوع بشكل كبير فى غزة    بعد جائزة «كان».. طارق الشناوي يوجه رسالة لأسرة فيلم «رفعت عيني للسما»    بعد تلقيه الكيماوي.. محمد عبده يوجه رسالة لجمهوره    عمليات حزب الله دفعت 100 ألف مستوطن إسرائيلي للنزوح    منتخب مصر للساق الواحدة: تعرضنا لظلم تحكيمي ونقاتل للتأهل لكأس العالم    إستونيا تستدعي القائم بأعمال السفير الروسي على خلفية حادث حدودي    الترقب لعيد الأضحى المبارك: البحث عن الأيام المتبقية    مصرع شقيقين وإصابة والدهما.. المعاينة الأولية تكشف سبب حريق عقار كفر شكر بالقليوبية    «الرعاية الصحية» تشارك بمحاضرات علمية بالتعاون مع دول عربية ودول حوض البحر المتوسط (تفاصيل)    قوافل جامعة المنوفية تفحص 1153 مريضا بقريتي شرانيس ومنيل جويدة    فيلم "شقو" يواصل الحفاظ على تصدره المركز الثاني في شباك التذاكر    مبابي يختتم مسيرته مع باريس سان جيرمان في نهائي كأس فرنسا    متي يحل علينا وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024؟    أوقاف القليوبية تنظم قافلة دعوية كبرى وأخرى للواعظات بالخانكة    التعليم العالي: جهود مكثفة لتقديم تدريبات عملية لطلاب الجامعات بالمراكز البحثية    الرئيس البرازيلي: منخرطون في جهود إطلاق سراح المحتجزين بغزة    عائشة بن أحمد تكشف سبب هروبها من الزواج    محافظ أسيوط يتابع مستجدات ملف التصالح في مخالفات البناء    التنمية الصناعية تبحث مطالب مستثمري العاشر من رمضان    مدير جمعية الإغاثة الطبية بغزة: لا توجد مستشفيات تعمل فى شمال القطاع    وزير الري: إفريقيا قدمت رؤية مشتركة لتحقيق مستقبل آمن للمياه    الإفتاء: الترجي والحلف بالنبي وآل البيت والكعبة جائز شرعًا في هذه الحالة    أول جمعة بعد الإعدادية.. الحياة تدب في شواطئ عروس البحر المتوسط- صور    بالأسماء.. إصابة 10 عمال في حريق مطعم بالشرقية    "العد التنازلي".. تاريخ عيد الاضحي 2024 في السعودية وموعد يوم عرفة 1445    الشرطة الإسبانية تعلن جنسيات ضحايا حادث انهيار مبنى في مايوركا    11 مليون جنيه.. الأمن يضبط مرتكبي جرائم الاتجار بالنقد الأجنبي    الأكاديمية العسكرية المصرية تنظم زيارة لطلبة الكلية البحرية لمستشفى أهل مصر لعلاج الحروق    الإسكان: تشغيل 50 كم من مشروع ازدواج طريق «سيوة / مطروح» بطول 300 كم    رئيس الأركان يتفقد أحد الأنشطة التدريبية بالقوات البحرية    «دولارات الكونفيدرالية» طوق نجاة الزمالك    5 نصائح للتعامل مع منخفض جوي يضرب البلاد الأيام المقبلة.. تحذير من ظاهرة جوية    مدرب الزمالك السابق.. يكشف نقاط القوة والضعف لدى الأهلي والترجي التونسي قبل نهائي دوري أبطال إفريقيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثقافة المكان ومعاني "النوستالجيا" تتجلى في قصة فندق قاهري عريق
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 05 - 03 - 2018

لعل ثقافة المكان بمعانيها المتعددة والتي تتضمن الحنين للماضي او "النوستالجيا" تتجلى الآن في الجدل الذي تزامن مع بدء هدم فندق عريق في قلب القاهرة ضمن عملية شاملة لاعادة بنائه والحفاظ على الأرواح بعد ان صنف رسميا كمبنى آيل للسقوط .
ورغم ان هذا الفندق كان يبدو غريبا بصمته وسكونه على مدى سنوات ترجع لبدايات ثمانينيات القرن العشرين عندما بدا خاويا على عروشه وآيلا للسقوط في قلب القاهرة النابض بالحياة والصخب فان خبر "هدم الكونتيننتال القديم" اثار فورا تعليقات وحكايات سواء في الشارع او في الصحافة ووسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية وبعضها تستدعي حكايات ترجع لنهاية القرن التاسع عشر وزمنا مضى ولن يعود.
واستدعت هذه الحالة من النوستالجيا اسم الفتى البلقاني جورج ننجوفيتش الذي ولد في ليماسول بقبرص عام 1856 وشد الرحال لمصر وعمره لايزيد عن 14 عاما واذا به يتحول بالعمل في بيئة مصرية منفتحة دوما ومرحبة بكل جهد انساني فاعل الى صاحب عدة فنادق في القاهرة والأسكندرية من بينها فندق "جراند كونتيننتال" الذي أقيم قبالة حديقة الأزبكية وافتتح رسميا في العشرين من ديسمبر عام 1899.
ومع الشروع في عملية تحديث فندق الكونتيننتال بميدان الأوبرا والذي عرف في الماضي بحفلاته الموسيقية وضيوفه من الشخصيات الأجنبية المرموقة فان هناك دعوات تؤكد ضرورة الحفاظ على ملامح التراث في هذا المكان عند تجديده فيما يستهدف المشروع بالفعل تطوير الفندق مع الحفاظ على طرازه وطابعه التاريخي بما يعيد للأذهان "موقع النوستالجيا في جدل الهوية والتاريخ والحاضر".
وكان الجهاز القومي للتنسيق الحضاري قد شكل لجنة من الخبراء لمعاينة مبنى الفندق العريق وأوصت في تقرير منشور بأن تدخل فكرة الحفاظ على شكل المبنى وقيمته التاريخية في جوهر الأفكار التصميمية المقترحة لعملية التطوير وهي توصيات تتفاعل إيجابيا مع ثقافة المكان ومعاني النوستالجيا.
وهذا الحنين يتبدى أيضا في الجدل حول أسماء الشوارع التي تتجاوز بكثير مجرد المسميات لتحكي التاريخ فيما يصر بعض كبار السن على ذكر أسماء قديمة لشوارع رغم ان هذه الأسماء جرى تغييرها منذ سنوات بعيدة.
وحتى في الفضاء الالكتروني لشبكة الانترنت ستجد من يبحث بشغف عن تلك المواقع التي تغازل مشاعر الحنين للماضي بتقديم محتوى يعتمد على الذكريات او مايعرف بالزمن الجميل وكأن تكنولوجيا العصر تتحول الى خادم للماضي ليفرض سطوته اكثر على الانسان المعاصر.
ولا ريب ان "النوستالجيا" متصلة بالوجود الزمني للإنسان في العالم كما يوضح الفيلسوف الألماني مارتن هايدجر الذي ولد عام 1889 وقضى في عام 1976 وصاحب الكتاب العلامة "الوجود والزمان" الذي يعد من اهم اعماله.
وهذا الوجود الزمني للإنسان في الأرض يعني انه وجود مؤقت ومحدود باطار زمني ومن ثم فهو يثير مشاعر وانفعالات شتى في النفس الإنسانية القلقة ومن بينها الحنين للماضي ولحظات وأماكن بعينها في استدعاء حميم يخفف من حدة القلق ووجع أسئلة الحاضر.
وقد تركت فلسفة هايدجر عن الوجود الزمني للإنسان آثارها الثقافية العميقة في عالم الأفكار والفلسفات وطالت مفكرين مصريين مثل الراحل العظيم عبد الرحمن بدوي الذي كانت أطروحته للدكتوراه عام 1944 بعنوان "الزمان الوجودي" بينما اصدر أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة القاهرة الدكتور محمد عناني مؤخرا كتابا جديدا بعنوان مصطلحات الفلسفة الوجودية عند مارتن هايدجر..معجم ودراسة".
والطريف ان الألماني مارتن هايدجر الذي يوصف من الكثير من المثقفين ودارسي الفلسفة بأنه من "اصعب الفلاسفة واكثرهم ايغالا في التجريد ووعورة في تركيباته اللغوية" لم تخل فلسفته الوجودية من عواطف ومشاعر توميء للحنين لمراحل مضت في تاريخ الإنسانية حتى انه كان مولعا بالشعر اليوناني القديم ولوحات للفنان الهولندي الشهير فان جوخ وقد يشكل اسمه في نهاية المطاف نوعا من "النوستالجيا لبعض المثقفين الذين يشدهم الحنين لزمن الأفكار الكبيرة والفلسفات التي اثرت في الإنسانية ككل ومن بينها الفلسفة الوجودية".
اما المفكر المصري وعالم الاقتصاد الدكتور جلال امين فخطر له ان يتتبع ما يسميه "بمفهوم الحياة الحلوة" منذ طفولته فاكتشف تطورا هائلا في هذا المفهوم وقال :"مازلت أذكر جيدا درجة التواضع الذي كان يتسم به مفهوم الحياة الحلوة عند الطبقات المختلفة في الأربعينيات من القرن الماضي بمصر" فيما يوضح ان التطور في هذا المفهوم يرتبط بعوامل مثل تطور التكنولوجيا.
والحنين كما يقول الكاتب والشاعر الكبير فاروق جويدة ليس للأشخاص فقط ولكنه أيضا "للأشياء والزمن والأماكن" والماضي كثيرا "ماتؤنسنا فيه وجوه رحلت ومشاعر طافت بنا الى ابعد نقطة في هذا الكون ولهذا نشعر بالحنين الى هذا الماضي".
فهناك أشياء في حياتنا اقوى من الزمن لأنها تجسدت واخذت مكانها في القلوب كما يقول جويدة مضيفا : "اما الأماكن فهي اكثر ما يحرك مشاعر الحنين داخل الانسان" كما يحملنا الحنين للزمن والشيء المؤكد على حد قوله ان "الأزمنة لاتتساوى وبقدر ماتعطينا بقدر مانشعر بها".
والكاتب محمد سلماوي الأمين العام لاتحاد كتاب افريقيا واسيا وامريكا اللاتينية ، قال إن الحنين للماضي شعور تعرفه كل الشعوب معيدا للأذهان ان لهذا الشعور مظاهر في بعض الكتابات الفرعونية داخل المقابر ، ومن هنا "فالنوستالجيا ظاهرة إنسانية تعرفها كل الشعوب في كل العصور" لكنه يناهض بشدة مسألة التطرف في الحديث عن الماضي الجميل ومحاولة البعض اسقاط فضائل على الماضي لم تكن فيه بما قد يصل لما يسميه "بتزوير التاريخ".
وهكذا فمع ان الحنين للماضي شعور انساني طبيعي فان هذا الشعور المعروف "بالنوستالجيا" قد يتحول الى فخ او شرك يرهن الانسان المعاصر في قيوده ويحول دون بناء المستقبل المأمول حتى ان الظاهرة استرعت انتباه مثقفين مثل محمد سلماوي وفاروق جويدة الذي حذر من الاسراف في الحديث عن الماضي باعتباره "الزمن الجميل" ورأى ان "لكل جيل ان يعيش زمانه".
ولما كانت المجتمعات الانسانية المعاصرة تبدو في كثير من الأحيان وفي كثير من المجالات واقعة تحت سطوة "النوستالجيا" فان مثقفين في الشرق والغرب رأوا ان هذه المسألة تشكل اشكالية ثقافية ومضى يحذر من مخاطر الشعور الجارف بالحنين للماضي او "النوستالجيا"!.
ولئن خاطب فاروق جويدة الحبيبة قائلا :"لاانكر انني في أحيان كثيرة احن الى أيامنا معا..لاانكر ان وجهك كثيرا مايصافحني وانا اتصفح كتابا او اقرأ قصيدة او اسمع اغنية من اغانينا القديمة..لاانكر انني كثيرا ماتمنيت لو عاد الزمان بنا خطوة للوراء" فقد استدرك ليقول :"ولكن من اين استعيد كل هذه المشاعر وكيف استرجع كل هذه الأيام وكل الأشياء حولنا تغيرت وانا وانت أيضا تغيرنا".
اما الكاتب الجزائري خالد عمر بن ققة فقد ذهب لما هو ابعد فتحدث عما سماه "بأكذوبة الزمن الجميل عند العرب" مستهجنا ان نتحدث كعرب دائما عن الماضي باعتباره الزمن الجميل وهي ظاهرة كما يراها طالت رجل الشارع والنخبة معا مضيفا :"نحن مشدودون للماضي اكثر من الحاضر".
وإذ يذهب بن ققة الى ان التخلص مما يسميه "بأكذوبة الزمن الجميل" يتطلب "التقليل من جرعة الماضي كمدخل لتغيير يمكننا من العيش في عصرنا وصناعة تاريخنا" فان الظاهرة على أي حال تتجاوز العالم العربي وحاضرة في ثقافات أخرى.
وهاهو الكاتب الروائي والقاص الباكستاني محسن حميد الذي اصدر روايته الجديدة "الخروج من الغرب" يحذر من مخاطر "النوستالجيا" معتبرا ان هناك حاجة "لاعمال الخيال لمستقبل اكثر اشراقا" ومن هنا فهو يسدي النصح للروائيين والحكائين على وجه العموم للنظر للآتي بأمل.
ومحسن حميد صاحب رواية "دخان العثة" والذي امسى احد نجوم الكتابة الابداعية بالانجليزية لتنصت له صحف كبرى في الغرب لايغفل عن علاقة الكائن الانساني بالزمن كعلاقة حاكمة لظواهر وجودية مثل النوستالجيا ورحلة الانسان منذ لحظة الوجود في هذا العالم وحتى لحظة الرحيل وتحولاته عبر رحلته من المهد الى اللحد.
واذ يتحدث حميد عن "محاولات الكائن الانساني لمقاومة الزمن او التمرد على قيوده وحتمياته" فانه يقول ان الانسان في خضم هذه العملية قد يجد نفسه مشدودا "كعاشق لماض لايمكن الوصول اليه واستعادته ولذكريات واحلام" فاذا بها "رحلة الاغراق في النوستالجيا".
وهذا القاص الباكستاني الذي ولد في مدينة لاهور الباكستانية ويمضي في الشطر الثاني من عمره الأربعيني ويهوى الترحال حول العالم ينظر "للنوستالجيا كقوة مريعة في تلك اللحظة الكونية من التاريخ الانساني" موضحا رؤيته بقوله ان هناك العديد من الساسة والقوى والجماعات تتلاعب وتلعب على "اوتار النوستالجيا واستعادة الماضي المتخيل بأمجاده" وهي ظاهرة في مفردات السرد ولغة الخطاب السياسي بالشرق والغرب معا.
فظاهرة "العزف على اوتار النوستالجيا" عالمية كما يلاحظ محسن حميد صاحب رواية "اصولي على مضض" وهي تمتد لبلدان كالهند والصين ناهيك عن جماعات في المنطقة العربية تروع البشر بممارساتها الارهابية وافكارها الظلامية في الحاضر وهي "تعزف على اوتار النوستالجيا" بالحديث عن "استعادة الماضي الجميل وامجاد العصر الذهبي" !.
ثم ان الظاهرة واضحة في الفن ومجال كالسينما حيث تحظى الأفلام التي "تعزف على اوتار النوستالجيا وتداعب مشاعر الحنين للماضي وحلم استعادة الأيام الخوالي" بنسب مشاهدة عالية وكأنها تقدم مركبات تنطلق في فضاء زمني عكسي ويتمنى الكثير من المشاهدين لو كانوا من ركابها فرارا من الزمن الذي كتب عليهم ان يعيشوا في اشتراطاته.
او كأنه الماضي يعود في ثوب جديد وحلة قشيبة اتاحتها تقنيات العصر الرقمي ليجد انسان هذا العصر مستعدا كل الاستعداد للقاء الموعود مع الزمن الجميل كما يتصوره وكما تؤجج هذه التصورات اشواقا وتوقا لذلك الماضي الذي يتغول احيانا على الحاضر !.
ولكن لماذا كل هذا الحنين للماضي"!..الاجابة عند محسن حميد تتلخص في ان ايقاع التغيير الحالي سريع للغاية ومن ثم يحاول الانسان المعاصر وسط آلام هذا الايقاع اللاهث ومتغيراته ان يجد في الماضي ملاذا آمنا.
والاشكالية هنا في قلب هذا الايقاع السريع للغاية للتغيير كما يحددها حميد تتمثل في الخوف الانساني ان لم يكن الذعر من المستقبل فيما الأدوات التي يطورها انسان العصر الرقمي للتكيف مع معطيات هذا العصر غير كافية بعد لتبديد خوفه من الحاضر وفزعه من المستقبل.
وهكذا تتجلى محنة الانسان المعاصر في نظر الروائي محسن حميد في كونه "عالقا في الحاضر المضطرب بين ماض انتزع منه لكنه مشدود له بقوة الحنين والرغبة في البحث عن الآمان ومستقبل يخشى منه ومن ثم فهو يحاول ان يقاومه" ، فيما تمثل حالة الاسراف في"النوستالجيا" آلية من آليات مقاومة المستقبل.
نعم قد تتحول النوستالجيا الى اشكالية عندما يعيش الانسان بكل وجوده الحاضر في الماضي محجوبا عن المستقبل لكنها يمكن ان تتحول للحن عذب واجنحة يحلق بها الانسان المعاصر نحو مستقبل افضل واكثر جمالا وانسانية من الحاضر..فثمة معادلة دقيقة ومطلوبة حتى لاتتحول النوستالجيا الى سلطة لماض يصادر الحاضر والمستقبل وسؤال من جراح وغواية من سراب !.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.