كنت أتناول كوبًا من الشاى الأخضر مع صديقى الشاب الذى حصل على مؤهلٍ متوسط، واختار العمل سائقًا للتاكسى حتى لا ينتظر الوظيفة الحكومية.. وكان حديثنا ساخنًا حول سرطان الفساد الذى يلتهم موارد الدولة ويهدد المجتمع ويعرقل خطط التنمية ويحرم المواطن الكادح من أبسط حقوقه فى حياة كريمة مستقرة، وبدون مقدمات هاجم صديقى حملة «خليك زى آدم» التى أطلقها محافظ القاهرة المهندس عاطف عبد الحميد فى السابع من يناير 2018، وأكد أن المحافظ يُغرد منفردًا بهذه الحملة ولا يعلم شيئًا عن الجحيم الذى يعيشه المواطن الكادح فى عدد من الأحياء الشعبية بالعاصمة، وقال الصديق الغاضب: السيد محافظ القاهرة يريد من ابنى وابنك وابن الجيران أن يكون (زى آدم)، ويلتزم بالسلوك الحضارى، ولا يعلم أن عمليات النظافة وإزالة الإشغالات والمخالفات تتم لعدة دقائق فقط، لزوم التقاط الصور وإرسال التقارير إلى المستوى الأعلى، ثم تعود المخالفات إلى ما كانت عليه بعد انصراف الحملة، ولدينا التسجيلات المرئية خير شاهد!! محافظ القاهرة في حملة خليك زي آدم لم أجادل صديقى لأنى وبكل صراحة ووضوح ألتمس له كل العذر، فهو يرى بحكم عمله الكثير من الكوارث اليومية التى تقع جهارًا نهارًا فى مناطق حيوية ومهمة بالقاهرة والمدن الجديدة.. وكثيرًا ما تحدث معى عن فساد المحليات وما يراه فى المناطق التابعة لأحياء المعادى والبساتين والمقطم والخليفة ومصر القديمة وغيرها.. وكثيرًا ما صرخ ألمًا بعد رؤيته لغابة الأبراج المخالفة التى أطلت برأسها على كورنيش النيل فى حدائق المعادى والمعادى وثكنات المعادى وطرة وحلوان، وكثيرًا ما كان يرسل الشكوى تلو الأخرى ليلاحق حالات الفساد، وما يترتب عليها من تعذيب يومى للمواطنين المقيمين فى مناطق فايدة كامل، وصقر قريش، ومساكن الكندي، وجميعها مشهورة بحملات (الشو الإعلامي) التى ينفذها حى البساتين!! وقبل أن أناقش صديقى فى حديثه عن حملة (خليك زى آدم).. أمسك بالهاتف، وراح يضرب شاشته بحركات سريعة ثم توقف عند «صفحة يوميات رئيس حى بالبساتين» وقدم لى الهاتف لأشاهد بعض الصور، وقال: «استحلفك بالله أن تنقل هذا المهزلة إلى السيد محافظ القاهرة بأى طريقة.. تذهب إلى مكتبه.. تراسله عبر الواتساب.. تنشرها فى مقال.. ولك اختيار الطريقة المناسبة». وأضاف صديقي: لقد اعترفت «رئاسة حى البساتين» بفضيحة تستحق إحالة المسئولين عنها إلى المحاكمة العاجلة، فقد أعلنت رئاسة الحى فى صفحتها على «الفيس بوك» أنها قامت صباح الأحد العاشر من ديسمبر 2017 بإزالة «عدد 2 تندة مخالفة بالعقار (31) مساكن الكندى بمنطقة صقر قريش، وتؤكد الصور المنشورة أن رئاسة الحى تجاهلت كارثة تحويل الشقة السكنية إلى ورشة لصيانة كهرباء النقل الثقيل وحصرت المخالفة فى عدد 2 تندة فقط، والمضحك أن هذه العمارة مسجلة فى مرافق المياه والكهرباء والغاز برقم (30) أى أن المخالفات سيتم تحريرها بالطريقة المعتادة التى تؤدى إلى استمرار الكارثة وإفلات من يرتكبها من المحاسبة!! فضيحة حي البساتين .. إزالة 2 تندة وغض البصر عن المخالفات والكوارث
ارتفع صوت صديقى وقال: انظر إلى الصور المنشورة فى صفحة الحى والتى التقطها أفراد الحملة بأنفسهم لإثبات عملية التنفيذ على «2 تندة» فى حين أن الكارثة واضحة أمامهم، وكان أمامهم أيضًا العديد من الكوارث فى ذات المنطقة.. لكنهم تركوها وانصرفوا دون استكمال باقى الإجراءات القانونية!! وتابع صديقى قائلًا: قريبًا سوف يستيقظ المسئولون فى محافظة القاهرة، على كارثة انهيار عمارة أو أكثر فى مساكن الكندى التى تم التلاعب بحوائطها الخرسانية الحاملة وتم تغيير معالمها لتتحول من وحدات سكنية إلى ورش ومحلات تجارية، ومع الحركة المستمرة لسيارات النقل الثقيل بين العمارات فى الشوارع الجانبية المليئة بالحفر والمطبات، ظهرت الشروخ والتصدعات وربما يستيقظ المسئولون على حادث وفاة تلميذ من تلاميذ مدرسة طلعت حرب الإعدادية فى المنطقة التى تحولت إلى ساحة لسيارات النقل التى تنتظر دورها فى الصيانة لدى ورشة كهرباء سيارات النقل الثقيل التى تعمل على بعد خطوات من المدرسة، وبالطبع لن يشاهد سائق الشاحنة من الكابينة المرتفعة أى طفل يمر بجوار السيارة أو يقف خلفها أو أمامها!! قلت لصديقي: إن ورش الحرفيين المخالفة هى مصدر قوت الأطفال فى كثير من العائلات وهى مهنة العائل الوحيدة ولا يمكن أن يقف كائنًا من كائن أمام الأفواه الجائعة، ونعلم أن محافظة القاهرة تسعى لحل مشكلة ورش صقر قريش والكندى من جذورها وسوف يتم نقلها إلى المنطقة الصناعية بطريق العين السخنة بعد انتهاء الأعمال الإنشائية قبل نهاية عام 2018، وقد أكدت الدكتورة جيهان عبد الرحمن نائب محافظ القاهرة للمنطقة الجنوبية، عقب زيارتها للمنطقة الصناعية فى السابع من سبتمبر 2017، أن العمل مستمر يوميًا، حتى يتم الانتهاء من المشروع بأسرع وقت. عاد صديقى للمقاطعة وقال: «المشروع لن يرى النور.. لأن هناك من يتعمد تعطيل عملية نقل الورش من عام إلى آخر، والسبب واضح ومعروف والحرفيون فى الورش يتحدثون عن الإتاوات الشهرية المفروضة فى صقر قريش ومساكن الكندى مقابل تأجير الشوارع والطرق والمساحات الخالية بين العمارات وأصبح الطريق السريع مملوكًًا ومغلقًًا لحساب أشخاص بأعينهم بعد أن تكبدت الدولة ملايين الجنيهات لتمهيده ورصفه عدة مرات حتى يربط بين القادم من الطريق الصحراوى الشرقى عبر منطقة صقر قريش وبين الطريق الدائرى!! وبسلطان الفساد فى حى البساتين تحولت منطقة الكندى السكنية التى يقيم بها أكثر من ثلاثة آلاف أسرة إلى منطقة صناعية عشوائية تنتشر بها أوكار تعاطى المخدرات وتتكرر فيها حوادث خطف الهواتف وحقائب السيدات وعمليات البلطجة، وتحولت المساحات المخصصة للسوق التجارى المهجور وما حوله إلى مكان لتجميع القمامة ومخلفات الحى والأحياء المجاورة.. ويضرب الأهالى كفًًا بكف عندما يشاهدون حملة من حى البساتين تهاجم كشك بقالة فى مدخل مساكن الكندى من اتجاه الطريق الدائرى عدة مرات فى الأسبوع الواحد، بينما تغض البصر عن تلال القمامة والمواد السامة ومخلفات المبانى التى تلقيها السيارات القادمة من كل صوب وحدب.. وهى ظاهرة للعيان لكل من يمر بالطريق الدائرى!! قلت لصديقى إنه تم نقل صورة واضحة حول المخالفات الصارخة فى مساكن الكندى إلى هيئة الرقابة الإدارية وسوف تتخذ الإجراءات اللازمة تجاه المسئولين فى حى البساتين الذين يشاهدون المخالفات يوميًا وبتابعون تعليقات الأهالى على صفحة يوميات رئيس حى البساتين، ولا يهتمون بمجرد الرد!! قال صديقى: وهل نشكو من حى البساتين ونترك أهلنا الذين حاولوا النجاة بأنفسهم وأطفالهم وهربوا إلى مساكن النقابات فى التجمع الثالث بالقطامية، ثم اكتشفوا أن انتشار ورش الحرفيين داخل المناطق السكنية لا يختلف كثيرًا عن صقر قريش والكندى؟!! وأضاف: لقد قامت مجموعة من الأشخاص بتحويل المحلات التجارية فى عدد من الشوارع وبصفة خاصة فى الإسكان الاجتماعى إلى ورش صيانة سيارات النقل الثقيل والجرارات واللوادر، كما قام عدد من الأشخاص بتحويل الشقق السكنية فى الطابق الأرضى بمساكن شركة الجيزة بتجمع النقابات إلى محلات وورش بعد إزالة الحوائط الحاملة وأصبحت مئات العمارات آيلة للسقوط.. وعن الازعاج وإتلاف الطرق والمرافق حدث ولا حرج، وقد تقدم المئات من الأهالى بشكاوى إلى جهاز المدينة ولا حياة لمن تنادى!! قام صديقى من مكانه وجلس بجوارى وأمسك الهاتف وقال: قد نقول إن بعض الأحياء الشعبية لا يراها محافظ القاهرة إلا فى الزيارات الرسمية التى تتم مرة واحدة كل سنة أو سنتين.. وقد نقول إن مأساة مساكن القطامية يمكن إلقاء مسئوليتها على جهاز مدينة القاهرة الجديدة.. فماذا تقول عن الأبراج الشاهقة التى أطلت برأسها فى العديد من الأحياء وخاصة فى المناطق الشعبية فى عين شمس والمطرية وجسر السويس والمرج!!.. ومصيبة المصائب فى الأبراج المخالفة التى انشقت الأرض عنها جهارًا نهارًا على بعد خطوات من كورنيش النيل فى حدائق المعادى والمعادى وثكنات المعادى وطره وحلوان!! لم يترك صديقى مساحة للرد وارتفع صوته بمجموعة من الأسئلة المتلاحقة وأضاف: - هل انشقت الأرض وأنبتت هذه الأبراج العشوائية بين يوم وليلة؟!! - هل هبطت هذه الأبراج من السماء وغرست نفسها فى جنح الظلام دون أن يراها المسئولون فى الإدارة المحلية؟!! - هل ستتحمل شبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحى أعباء الأبراج السكنية المخالفة؟!! حاولت تغيير دفة الحديث خوفًًًًا على الحالة الصحية لصديقى الذى يعانى عدة أمراض رغم أنه لم يتجاوز الأربعين من عمره.. لكنه استمر فى الحديث وقال: هات محرك البحث واكتب «شقة للبيع خلف المحكمة الدستورية أو مستشفى السلام بكورنيش المعادي»، وسوف تشاهد بنفسك الشقق التى يتم بيعها فى الأبراج المخالفة، وإذا ذهبت لتشترى سوف يقولون لك إن تركيب مرافق المياه والكهرباء يتم بسهولة بعد محضر مخالفة.. وبعد المحضر تصالح أو براءة وتظل الكارثة مستمرة!! وتابع صديقى متسائلًا : هل يريد السيد المحافظ من المواطن الذى يسكن فى هذه الأبراج المخالفة أن يكون «زى آدم»؟!!.. كيف وقد فقد أبسط حقوقه فى حياة آدمية كريمة مستقرة؟!! وأضاف صديقى معاتبًا: لماذا لا تكتب ما أقوله لك فى مقال.. قل على لسانى للسيد الوزير محافظ القاهرة.. (خليك زى آدم).. وكن الراعى الذى يستجيب لأبنائه من الرعية ويرفع عنهم جبال الهموم التى أثقلت كاهلهم بسبب فساد المحليات.. قل لسيادته تفضل بزيارتنا قبل أن تطلب من أبنائنا الالتزام بما تطالب به فى حملة «خليك زى آدم»..!! أخذت الهاتف من صديقى لأقطع حديثه الغاضب، وأقطع على نفسى عهدًا ووعدًا بتقديم محتوى صرخاته الغاضبة يدًا بيد إلى المسئولين فى الأجهزة الرقابية.