قالت وكالة الأنباء الفرنسية إن محاكمة الرئيس المخلوع حسني مبارك، التي كان من المفترض أن تكون محاكمة تاريخية لديكتاتور قدمه شعبه إلي العدالة بعد أن أطاح به، تحولت إلي مسرحية بعد أن شهدت مواقف أقرب إلي الهزلية مع سعي المحامين والادعاء إلي استغلال هذا الحدث لكسب الشهرة. وأوضحت الوكالة أنه منذ بداية محاكمة مبارك في 3 أغسطس تباري محامو ضحايا الثورة في جذب اهتمام وسائل الإعلام والحصول علي فرصة للظهور علي شاشات القنوات التلفزيونية التي نقلت وقائع المحاكمة مباشرة. وبلغ الأمر برجل ادعي أنه من المحامين أن أكد لرئيس الجلسة القاضي أحمد رفعت أن مبارك توفي منذ سنوات، وأن الرجل الممدد علي النقالة في قفص الاتهام هو مجرد شبيه له، مطالبا بتحليل الحمض النووي. كما استغل آخر فترة تعليق للجلسة، لإعلان نيته الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة، واعدا بتشريع تعاطي 'الحشيش' وتصديره إلي الخارج. ولكن أكثر ما أثار حنق أهالي ضحايا الثورة التي أطاحت بمبارك قبل عام هي نوعية الأدلة التي جمعها الادعاء العام ضد مبارك، الذي حكم مصر بقبضة من حديد لثلاثين عاما، والنقص الكبير في ملف الاتهام. ويواجه مبارك مع وزير داخليته حبيب العادلي وستة من معاوني الأخير اتهامات بالتحريض علي قتل المتظاهرين في ثورة 25 يناير التي أجبرته علي التنحي بعد 18 يوما في 11 فبراير 2011. وبدا الذهول علي المدعين العامين، اللذين طالبا بتوقيع عقوبة الإعدام علي المتهمين بقتل المتظاهرين، وهم يستمعون إلي شهود إثبات أتوا بهم، وهم يبرئون ساحة مبارك وأعوانه من تهم القتل المنسوبة اليهم. فقد قال أحد شهود الادعاء وهو ضابط شرطة إنه تلقي أوامر بمعاملة المتظاهرين كإخوة، كما قال آخرون إنهم تلقوا أوامر بعدم حمل أسلحة قاتلة خلال التصدي للتظاهرات. وفي بداية كل جلسة يحضر مبارك بوجهه الشاحب الذي يبدو عليه الاشمئزاز من الموقف علي سرير نقال إلي المحكمة المنعقدة في قاعة محاضرات بأكاديمية الشرطة التي كانت تحمل اسمه سابقا. ويشاركه في قفص الاتهام نجلاه علاء وجمال اللذان يواجهان معه ومع صديقه رجل الأعمال حسين سالم، المسجون في إسباني علي ذمة قضية أخري، تهما بالفساد. وكان تنحي مبارك واختفاؤه عن الانظار في منتجع شرم الشيخ علي ساحل البحر الأحمر قد أرضي في البداية المصريين لكن ذلك لم يدم طويلا. حيث سرعان ما تزايدت التظاهرات التي تدعو الي محاكمته عقب تولي المجلس الأعلي للقوات المسلحة إدارة البلاد. ودفعت اشتباكات بين الجيش والمتظاهرين خلال اعتصام في القاهرة في إبريل الماضي النائب العام إلي إصدار أمر باستجواب مبارك. وبعد بضعة أيام صدر أمر باعتقال الرئيس السابق ونجليه ليتم وضعهم في 13 إبريل قيد الحبس الاحتياطي تمهيدا لمحاكمتهم. ونوّهت الفرنسية إلي أن كل واحدة من خطوات تقديم مبارك إلي المحاكمة، غالبا ما كانت تتزامن مع حركات احتجاجية ضد المؤسسة العسكرية التي تسلق مبارك صفوفها حتي اصبح رئيسا. وحتي الساعات الأولي من صباح يوم 3 أغسطس لم يكن المصريون متيقنين من أن مبارك سيظهر فعلاً في قفص الاتهام، وخلت شوارع القاهرة من المارة الذين تجمعوا أمام شاشات التلفزيون في ذلك الصباح لمتابعة هذه اللحظة التاريخية. وفي خضم الاحتجاجات الدامية التي وقعت الاسبوع الماضي ضد المجلس الأعلي للقوات المسلحة، أعلنت وزارة الداخلية أنها بصدد تجهيز مستشفي سجن طرة في وقت قياسي لاستقبال مبارك الذي يقبع حاليا في المركز الطبي العالمي. وأشارت إلي أن السلطة العسكرية بقيادة المشير حسين طنطاوي، وزير الدفاع في حكومات مبارك منذ عام 1991، تسعي إلي إثبات عدم حمايتها لمبارك أملا في أن تؤدي محاكمته إلي وقف سيل الانتقادات الموجهة إليها بالعمل علي إعاقة سير العدالة. في المقابل يقول محامو عائلات ضحايا الثورة إن مبارك قدم إلي المحاكمة علي عجالة قبل أن تتمكن النيابة العامة من إعداد ملف قوي لإدانته. ومع اقتراب موعد انتهاء المحاكمة يشكل الحكم معضلة للقادة الحاكمين، إذ ترجّح الوكالة الفرنسية أنه في حال تمت إدانة مبارك فان محاميه وخبراء قانونين يعتقدون أنهم سيتمكنون من استئناف الحكم علي أساس قوي