ولد الفنان القدير عبد السلام النابلسي في 23 أغسطس عام 1899، كان جده قاضي نابلس الأول وكذلك والده، ونشأ في وسط عائلة متدينة. وعندما بلغ عبد السلام العشرين من عمره، أرسله والده إلى القاهرة ليلتحق بالأزهر الشريف، فحفظ القرآن الكريم وبرع في اللغة العربية، هذا إضافة إلى إتقانه للفرنسية والإنجليزية اللتين تعلمهما في بيروت. وفي عام 1925، عمل النابلسي بالصحافة الفنية والأدبية في أكثر من مجلة ومنها "مجلة مصر الجديدة واللطائف المصورة والصباح". جاءت الفرصة الأولى للنابلسي في السينما على يد السيدة آسيا في فيلم "غادة الصحراء" من إخراج وداد عرفي في عام 1929، وإن كان فيلم "وخز الضمير" في عام 1931 للمخرج إبراهيم لاما، هو الذي فتح له أبواب السينما في الثلاثينيات في تلك الفترة بعدد من رموز الفن في ذلك الوقت منهم الأخوان "لاما وتوجو" مزراحي ويوسف وهبي وآسيا وأحمد جلال، حيث لم يكتف بالتمثيل فقط، وإنما عمل كمساعد مخرج في العديد منها وخاصة أفلام يوسف وهبي، ولكنه في عام 1947 اضطر للتفرغ التام للتمثيل بعد فيلم "القناع الأحمر"، خاصة بعد ازدياد الطلب عليه بعد انتشار موجة أفلام الكوميديا في ذلك الوقت. وكانت بدايات النابلسي في أدوار الشاب المستهتر ابن الذوات، ولم يكن مضحكا في أفلام عديدة منها "العزيمة" لكمال سليم 1939 و"ليلى بنت الريف" لتوجو مزراحي 1941 و"الطريق المستقيم" لنفس المخرج 1943 وغيرها. وفي عام 1955 ظهر مع عبد الحليم حافظ في فيلم "ليالي الحب" ثم "فتى أحلامي" 1957 و"شارع الحب" 1958و"حكاية حب" 1959 و"يوم من عمري" 1961. لعب دور البطولة في فيلم "حلاق السيدات"، أما آخر أفلامه مع فريد الأطرش فكان في العام 1956 و"إزاي أنساك"، كما شارك فاتن حمامة وعمر الشريف في فيلم "أرض السلام" للمخرج كمال الشيخ في العام 1957، وقام فيه بتجسيد دور شديد الإنسانية، حيث لعب شخصية رجل فلسطيني يعيش مع عشيرته تحت الاحتلال الإسرائيلي ويبدو طوال الفيلم متخاذلا وجبانا، لكن النهاية تكشف أنه أول من ضحى بحياته أثناء مساعدة الفدائي المصري في عملية خلف خطوط العدو. كما تقاسم عبد السلام النابلسي، بطولة العديد من الأفلام مع الفنان إسماعيل ياسين. مع نهاية عام 1962 كان من المفترض أن يشارك عبد الحليم حافظ في فيلم "معبودة الجماهير"، وهو الدور الذي قام به الفنان فؤاد المهندس. رحل إلى لبنان بعدما تفاقمت مشاكله مع الضرائب، والتي بلغت 13 ألف جنيه في حينها ولم تفلح محاولاته، والتي بدأها في عام 1961 لتخفيضها إلى 9 آلاف وأخذ يرسل لمصلحة الضرائب حوالة شهرية بمبلغ 20 جنيهاً فقط، الأمر الذي يعني أن تسديد المبلغ المستحق عليه سيستغرق 37 عاماً، وهو ما اعتبرته مصلحة الضرائب دليلاً على عدم جديته في السداد فقررت بعد ثلاث سنوات من رحيله أي في عام 1965 الحجز على أثاث شقته المستأجرة في الزمالك، والتي لم تكن بقيمة المبلغ المطلوب. وظلت القضية معلقة حتى وفاته في عام 1968 رغم تدخل العديد من رموز الفن في مصر وعلى رأسهم كوكب الشرق أم كلثوم. وفي بيروت عاش النابلسي، ملكاً وأصبح عام 1963 مديراً للشركة المتحدة للأفلام وساهم في زيادة عدد الأفلام المنتجة كل عام في لبنان، ومثل في أفلام "فاتنة الجماهير" و"باريس والحب" و"أفراح الشباب" و"بدوية في باريس" و"أهلاً بالحب" وأهمها مع الفنانة صباح، والتي كان شاركها من قبل في أفلام "شارع الحب" و"الرباط المقدس" و"حبيب حياتي". حقق النابلسي رغبته القديمة في الاستقرار الأسري بعد أن ظل متمتعاً بلقب أشهر عازب في الوسط الفني، وحتى وصل إلى الستين من عمره، وذلك عندما تزوج من إحدى معجباته "جورجيت سبات" وقام بإتمام إجراءات الزواج بفيلا صديقه فيلمون وهبي دون علم أسرة الفتاة، والتي دخلت معه في صراع مرير أرغمته خلاله على تطليقها قبل أن تحكم المحكمة بصحة الزواج ويتم الصلح بينهم. أما فيما يتعلق بوفاته، فقد تلاحقت الأحداث سريعاً في الأشهر الأخيرة خاصة بعد أن أعلن بنك "انترا" في بيروت إفلاسه الذي كان معناه إفلاس النابلسي هو الآخر لأنه كان يضع كل أمواله في هذا البنك، فزادت شكواه من آلام المعدة حتى أن الفنانة صباح، والتي كانت رفيقته إلى تونس لتصوير فيلم "رحلة السعادة"، قالت إنها كانت تسمع تأوهات ألمه من الغرفة المجاورة بالفندق رغم أنه كان حريصا على أن يفتح صنابير المياه حتى يعلو صوت توجعاته. كما أنه كان يشعر بدنو أجله لدرجة أنه كان يترك مفتاح غرفته من الخارج، وبعد عودته أخذت حالته تزداد سوءا إلى أن امتنع عن الطعام تماما قبل أيام من رحيله حتى كانت ليلة 5 يوليو 1968 حيث لفظ أنفاسه قبل وصوله إلى المستشفى ولم تجد زوجته مصاريف الجنازة فتولى صديقه الفنان فريد الأطرش عن طريق شقيقه فؤاد، والذي كان يحاول أن يخفي الخبر عن فريد، لكنه علم به من الصحف وانهار مريضا حزنا على وفاة صديق العمر. بعد وفاته بأيام قليلة أعلنت الفنانة زمردة، وكانت صديقة له سرا يتعلق بحقيقة مرضه حيث أكدت أنه لم يكن يعاني من مرض بالمعدة كما أشاع، ولكنه كان مريضا بالقلب منذ عشر سنوات، وأنه تعمد إخفاء ذلك حتى عن أقرب الناس إليه حتى لا يتهرب منه المخرجون والمنتجون ويبعدوه عن أفلامهم، وأنها عرفت ذلك بالصدفة، وذلك عندما أرسل معها بعض التقارير الطبية إلى الطبيب العالمي د. جيبسون، والذي كان يشرف على علاج فريد الأطرش، وهو الذي أخبرها بحقيقة مرض عبد السلام النابلسي دون أن يدري أن النابلسي يخفي ذلك وعقب عودتها صارحته بما عرفت فبكى أمامها واستحلفها أن تحفظ هذا السر، وهو مافعلته حتى وفاته في 5 يوليو 1968 التي حدثت على إثر أزمة قلبية حادة.