فى أواخر 1951 أنتج الراحل أحمد بدرخان فيلم «مصطفى كامل»، من ماله الخاص، بعد رفض كل منتجى السينما، وقتها مشاركته، ورفضت الحكومة المصرية، وقتذاك، عرض الفيلم، رغم رضوخ «بدرخان» لأوامر «حذف» الكثير من مشاهد الفيلم، الذى ظل مغضوبًا عليه، حتى جاءت ثورة 1952، فأفرجت عنه، وقدمته للناس، ويبدو أن رجال «ثورة يوليو»، أدركوا منذ الوهلة الأولى، أهمية وتأثير الفن، واعتبروه «القوة الناعمة» التى تحرك القلوب، لتصبح القاهرة، فى عهد الثورة، عاصمة للفن فى الشرق الأوسط، وتلقب ب«هوليوود الشرق». كان جمال عبدالناصر، بالذات، عاشقًا للفن السابع، وكتب أول مقال «فنى» له، فى مجلة آخر ساعة بتاريخ 4 مارس 1953، قبيل توليه الحكم، بعنوان «قصة أثرت فى حياتى»، كتب فيه عن تأثير فيلم سينمائى أمريكى بعنوان» إنها حياة رائعة» لفرانك كابرا، وكتب ناصر قائلًا: «لو استطعت أن أخذ معى كل مواطن إلى دار السينما لما ترددت». وكان فيلم «الله معنا»، أول احتكاك مباشر بين رجال ثورة يوليو، والسينما، حيث كتب قصة الفيلم، إحسان عبدالقدوس، صديق الضباط الأحرار، وقتذاك، وقام أحمد بدرخان بإعداده للسينما بشكل أبرز دور محمد نجيب كقائد للثورة، وأدى دوره الفنان القدير زكى طليمات، مع فاتن حمامة وعماد حمدى وماجدة ومحمود المليجى وشكرى سرحان، وتم حذف دور «نجيب» بالكامل، وعرض الفيلم فى 1955، وحضر عبدالناصر عرضه الأول بسينما ريفولى فى وسط البلد. وشهد هذا العام، 1955، البداية الحقيقية لاهتمام رجال الثورة بالسينما، وإنشاء مصلحة الفنون التى ترأسها الكاتب الكبير يحيى حقى، ليجىء قرار إنشاء أول مؤسسة عامة للسينما فى مصر والوطن العربى عام 1957، باسم «مؤسسة دعم السينما»، التى تحولت عام 1958 إلى «المؤسسة المصرية العامة للسينما»، لتعلن أهدافًا محددة، أولها رفع المستوى الفنى والمهنى للسينما، وتشجيع عرض الأفلام العربية داخل وخارج البلاد، وإقراض المشتغلين بالإنتاج السينمائى الهادف، والاهتمام بشئون المشتغلين بصناعة السينما، ومنح جوائز للإنتاج السينمائى والمشتغلين به، وإيفاد بعثات خارجية لدراسة فنون السينما وأسواق الفيلم العربى. وكان للمؤسسة دور بارز فى ظهور الفيلم الأشهر «الناصر صلاح الدين» للنور، بإقراض شركة «لوتس فيلم»، التى تملكها المنتجة آسيا، مبلغ 72 ألف جنيه كمساهمة فى إنتاج فيلم «الناصر صلاح الدين»، الذى أخرجه يوسف شاهين، كما أنتجت المؤسسة، خلال فترة نشاطها التى استمرت حتى عام 1973، قرابة 150 فيلمًا من أبرز أفلام السينما المصرية. وعقب تدشين المؤسسة الأولى فى العالم العربى، صدر قرر بإنشاء المعهد العالى للسينما عام 1959، كأول معهد أكاديمى للدراسة فى الشرق الأوسط، تولى رئاسته المخرج محمد كريم، أثناء وجود الدكتور ثروت عكاشة، وزيرًا للثقافة آنذاك، ثم ظهرت قرارات تأميم الشركات، ومنها عدد من شركات الإنتاج السينمائى، أشهرها شركة مصر للتمثيل والسينما. كما تبنى عبدالناصر فكرة إنشاء شاشات عرض جديدة فى المراكز الثقافية فى كل محافظات مصر، ليصل عدد شاشات قصور الثقافة إلى 400 شاشة عرض، كما ينسب لعبد الناصر، أيضًا، تبنى عيد الفن، الذى كان يكرم فى الفنانين، إعلاءً من شأنهم بين المجتمع. وارتفع متوسط عدد الأفلام الروائية الطويلة، خلال السنوات العشر الأولى من عمر الثورة 1952- 1962، إلى 60 فيلما فى السنة. وساعد اهتمام رجال الثورة، بالسينما، على بزوغ عمالقة الإخراج السينمائى، وعلى رأسهم، صلاح أبوسيف وتوفيق صالح ويوسف شاهين، وحسن الإمام وعاطف سالم وحسام الدين مصطفى، وفطين عبد الوهاب، الذين دارت معظم أفلامهم، حول موضوعات الفقر وإعلاء قيمة العمل، وفضح الأمراض الاجتماعية مثل الرشوة والفساد وجرائم السرقة، وعالجت قضايا الديمقراطية والانتماء للأرض والوطن. وشهد الحقل السينمائى، ازدهارًا كبيرًا، خلال الحقبة الناصرية، حيث أنشىء عام 1958، أول معمل لتحميض الأفلام الملونة فى مصر والشرق الأوسط، أسسته مارى كوينى، وفى نفس العام، كانت المرة الأولى التى تدخل فيها السينما المصرية، باب العالمية من خلال ترشيح الفيلم المصرى باب الحديد، لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبى، ويصنف عام 1960، كميلاد للفتوحات السينمائية النوعية، باستضافة القاهرة، مهرجان السينما الأفروآسيوية الثانى، كأول مهرجان سينمائى دولى ينعقد بمصر، ولأول مرة يتم تحويل رواية لنجيب محفوظ سينمائيًا، وهى «بداية ونهاية». وخلال الستينيات، انتشر الفيلم المصرى فى الدول العربية التى عرفت السينما، واعتمدت عليه دور العرض فى سوريا ولبنان والعراق والأردن وفلسطين والجزائر وتونس وليبيا، حتى أن الأفلام المصرية وصلت إلى دور عرض الهند وباكستان واليونان والولايات المتحدةالأمريكية. ومن طرائف السينما والثورة، فيلم «شيء من الخوف»، لحسين كمال، وهو الفيلم الذى واجه معركة مع الرقابة، ظنًا منها أن المقصود بالبطل «عتريس»، هو عبد الناصر، فتدخل ناصر شخصيًا، وطلب مشاهدة الفيلم فى عرض خاص، وأشاد بالفيلم، وأجاز عرضه، معلقًا: «أنا مش عتريس، والبلد لا تحكمها عصابة، أنا لو زىّ عتريس، أستاهل الحرق»!، وكان «شيء من الخوف»، من إنتاج مؤسسة السينما، التابعة للحكومة، والتى أنتجت روائع الأفلام، وعلى رأسها، «يوميات نائب فى الأرياف»، و«القضية 68» و«ميرامار». واقعة طريفة، أخرى كان بطلها «فارس السينما» أحمد مظهر الذى كان من ضباط سلاح الفرسان, وزميلًا لعبد الناصر فى نفس الدفعة، وصديقًا مقربًا من تنظيم الضباط الأحرار, وسبق تمثيله فى فيلم قبل الثورة بعنوان «ظهور الإسلام»، بعد حصوله على تصريح من قياداته فى الجيش آنذاك للتمثيل فى السينما، وفى ظل حكم أصدقائه الضباط الأحرار، حينما بدأ تصوير «رد قلبي»، فوجئ برفض قيادات الجيش التصريح له بالتمثيل، فلجأ إلى زميله الرئيس عبد الناصر، الذى شجعه على التفرغ للسينما، مؤكدًا أن دوره فى التمثيل لا يقل عن دوره فى الجيش. ويكفى القول، فى معرض الحديث عن ازدهار السينما خلال الحقبة الناصرية، بأن قائمة أفضل 100 فيلم فى تاريخ السينما المصرية، تضم قرابة «40» فيلمًا، ولدوا خلال حكم ثورة يوليو، من منتصف الخمسينيات، وحتى نهاية الستينيات، منها روائع وكلاسيكيات السينما المصرية، أبرزها الفتوة، 1957، لصلاح أبو سيف، ورد قلبى، فى نفس العام، للمخرج عز الدين ذو الفقار، ودعاء الكروان، 1959، لهنرى بركات، وإحنا التلامذة، فى نفس العام، لعاطف سالم، ثم بداية ونهاية، 1960، لصلاح أبو سيف، اللص والكلاب، 1962، لكمال الشيخ، والناصر صلاح الدين، 1963، ليوسف شاهين، وأم العروسة، فى نفس العام، لعاطف سالم، إلى جانب «3» أفلام أنتجت عام 1965، هى باب الحديد، ليوسف شاهين، والحرام، لهنرى بركات، وشباب امرأة، لصلاح أبو سيف، والقاهرة 30، عام 1966، لصلاح أبو سيف، ومراتى مدير عام لفطين عبد الوهاب، فى نفس العام، والبوسطجى، 1968، لحسين كمال.