منذ الاستفتاء التاريخي الذي أعلن فيه البريطانيون خروجهم من الاتحاد الأوروبي والذي مرّ عليه تسعة أشهر والمملكة المتحدة تشعر بخطورة قرارها وانقسام شعبها بين مؤيد ومعارض في الوقت الذي أربك فيه هذا الاستفتاء وتداعياته الاتحاد الأوروبي بفتحه المجال لاحتمالية خروج بعض الدول الأوروبية الهامة بالاتحاد وبخاصة الدول التي تمر بانتخابات رئاسية وبرلمانية مقبلة يمكن أن يحقق فيه اليمين المتطرف بعض النجاحات على حساب الخروج من الاتحاد الأوروبي والرجوع إلى القوميات والتصدي للهجرة والإرهاب الذي يهدد الأمن الأوروبي . ومع تفعيل رئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماي خلال الأسبوع الماضي المادة رقم 50 من معاهدة لشبونة وتقديم الطلب الرسمي للاتحاد الأوربي عن نية الخروج وبدء الإجراءات الرسمية التي يمكن وفقا لقوانين الاتحاد منحها مهلة عامين لتمكين بريطانيا من الانفصال النهائي ،إلا أن تريزا ماي وأمام المظاهرات المستمرة لكثير من البريطانيين الذين يرفضون الخروج من العزلة الأوروبية لمصالحهم الحالية والمستقبلية بل وأمام الخوف من التعرض لكبوات سياسية واقتصادية واجتماعية نتيجة الخروج فإنها تغازل الأوروبيين بدهاء من أجل الحصول بعد الخروج على ضمانات تضمن لبلدها اتفاقات وشراكات تجارية حرة ومميزة داخل السوق الأوروبية الموحدة وبمعنى آخر احتفاظها بنفس المصالح التي كانت لها مع الاتحاد قبل الخروج، وقد ردت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على تصريحات تريزا ماي وأعلنت رفضها لمقترحاتها وأعلنت عن تأجيل تلك الأمنيات لحين الانتهاء الرسمي من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتحديد نوع العلاقة بين بروكسيل ولندن بوضوح في المفاوضات وكيفية تفكيك العلاقات المتشابكة بين الطرفين بنزاهة وشفافية شريطة دفع بريطانيا لمستحقاتها للاتحاد ، وبدوره أعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بأنه لا عودة من خروج بريطانيا من الاتحاد ومطالبا في الوقت نفسه بألا يستغرق ذلك أكثر من عامين من خلال اتفاق تجاري، كما اعتبر هولاند أن خروج بريطانيا مؤلم على الصعيد العاطفي للأوروبيين كما أنه سيكون مؤلما على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي للبريطانيين، وقد رد المجلس الأوروبي على دعوة رئيسة وزراء بريطانيا وتسويفها بالخروج معلنا بأن الاتحاد سوف يتخذ قراراته بشكل موحد مع حفاظه على مصالحه مع بريطانيا في عملية التفاوض . إن بريطانيا التي بدأت خطواتها الفعلية للخروج من الاتحاد تشعر بأنها ستدفع فاتورة باهظة ستكلفها تداعيات خطيرة مع أوروبا ومنها إمكانية تعرضها للتقسيم بعد إصرار اسكتلندا على إجراء استفتاء جديد للانفصال عن بريطانيا لرغبتها في التواجد بالاتحاد الأوروبي، كما أن بريطانيا سوف تواجه التزامات يصعب التنصل منها لاحقا ومنها حقوق المهاجرين والمقيمين الأجانب من الأوروبيين على أراضيها والبالغ عددهم 3 ملايين أوربي مقابل مليون بريطاني يعيشون في دول الاتحاد الأوروبي إضافة إلى مشكلة الضرائب الجمركية والتعاملات والتداولات الكبيرة في سندات اليورو التي تميزت بها بريطانيا سابقا ،ومشكلة الحدود الأيرلندية الشمالية مع جمهورية أيرلندا التي تعتبر ضمن دول الاتحاد الأوروبي واتفاقية التنقل المكفولة بين الأيرلنديتين مما سيسبب مشكلات كبيرة لاحقا لبريطانيا، ناهيك عن تعرض تجارتها واستثماراتها وفقا لتصريحات وتحليلات الخبراء لتراجع يزيد عن 30% لا يمكن أن تعوضها من خلال عزمها فتح شراكات تجارية جديدة مع الصين وأمريكا والهند ودول الخليج بسبب بعد المسافات وزيادة أعباء النقل على عكس أوربا القريبة منها الأمر الذي سيكون له خلال السنوات المقبلة تداعيات خطيرة على وضع المملكة المتحدة في كافة الأصعدة.