من المنظور التاريخي بدأ تدخل الولاياتالمتحدةالأمريكية في المنطقة مع اجتماع الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت والملك عبد العزيز بن سعود مؤسس المملكة العربية السعودية على سفينة حربية أمريكية في البحيرات المرة خلال الأشهر الأخيرة من الحرب العالمية الثانية. تمخض الاتفاق حول دعم أمريكي للمملكة في مقابل التدفق المتواصل للنفط وغيرها من الشروط، إذ تعمل الولاياتالمتحدة على ضمان أمن الخليج والتغاضي عن القيود المفروضة على الحريات في المملكة وأحيانا كحائط صد في مواجهه تقارير الإدانة الصادرة من قبل منظمات حقوق الإنسان الدولية ومنظمات المجتمع المدني، في مقابل نفط الخليج، ونشر أساطيل البحرية الأمريكية في مياه الخليج لتأمين المصالح الأمريكية في المنطقة. أي أن محددات العلاقة بين الطرفين تعتمد في الأساس على ورقة النفط السعودي في يد العائلة المالكة وتأمين المصالح الأمريكية. ومع النمو الهائل في غاز الصخر الزيتي في امريكا سيزيدها من إنتاج النفط الخام بشكل كبير مما سيترتب عليه تدريجيا التقليل من الواردات النفطية الأمريكية من دول الخليج وسيؤدي إلى إعادة توجيه تجارة النفط العالمية،وسوف تؤثر هذه المتغيرات في الالتزامات السياسية الأمريكية تجاه المملكة، والوجود العسكري لأساطيلها في الخليج العربي خاصة بعد إبرام الاتفاق النووي الإيراني، إذ ترغب امريكا فى استدعاء الدولة الفارسية كشرطي جديد لمنطقة الخليج العربي لحفظ توازن حركة التجارة العالمية في الصراع القادم على رقعة الأوراسيا. وهو ما يمكن رؤيته بوضوح عبر تصريحات أوباما نفسه تجاه أمن الخليج في منتجع كامب ديفيد مارس 2015، بضرورة أن تحل دول الخليج مشاكلها بنفسها، وأن تقوم بتأمين مصالحها بنفسها، وهي دعوة للتنصل من التعهدات الأمريكية التاريخية بضمان أمن دول الخليج. ومن ناحية أخرى بدأت أمريكا عبر مراكزها الفكرية وآلتها الإعلامية ومفكريها فى السعي إلى هز عرش آل سعود، فعلى سبيل المثال يمكن أن تقرأ في تقرير صادر عام 2015 عن معهد كاتو للدراسات الاستراتيجية نقدًا لاذعًا للمملكة، وما سماه التعاليم الدينية التي أفرزت قطاعي الرؤوس أمثال داعش، كما حث المعهد الإدارة الأمريكية على إعادة النظر في علاقتها بالمملكة. وختم تقريره بالزعم أن السعودية تتحمل الجزء الأكبر من مسئولية ظهور وصعود تنظيم داعش، مدعيًا أن قسمًا كبيرًا من المعونات المالية السعودية ذهب لصالح الفصائل المتشددة التي شكلت نواة قوات هذا التنظيم. دراسة أمريكية سرية جرت عام 2009 وقعتها وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون آنذاك وكشف عنها أخيرًا توماس فريدمان، تقول إن المانحين في المملكة يشكلون أهم مصدر لتمويل الجماعات الإرهابية السنية على مستوى العالم . تقرأ في صدر تقرير صادر عن وزارة الخزانة الأمريكية في 30 أبريل 2014: «لاحظت وزارة الخارجية الأمريكية أن التبرعات الخاصة التي تصدر عن دول الخليج العربي تشكل مصدر تمويل كبيرًا للجماعات الإرهابية السنية، لا سيما في سوريا. ولا يزال المواطنون السعوديون يشكلون مصدر تمويل ملحوظا لهذه الحركات». ويستطرد التقرير أن الأطراف المانحة في الخليج العربي ككل ويُعتقد أن السعوديين أكثرها إحسانًا، أرسلت مئات الملايين من الدولارات إلى سوريا في السنوات الأخيرة، بما في ذلك إلى تنظيم داعش وجماعات أخرى . أوباما في مقابلته الأخيرة بمجلة ذى اتلانتك اتهم المملكة مباشرة كونها دولة راعية للإرهاب وإن الفكر الوهابي هو المصدر الرئيسي لتوريد الإرهابيين والإرهاب للعالم، ونصحهم بتقاسم زعامة العالم الإسلامي مع إيران. حوار قدم صك فك الارتباط في العلاقة الأمريكية السعودية. حتى المرشح الجمهوري دونالد ترامب الذي اتهم في الماضي المملكة بأنها أكبر ممول في العالم للإرهاب عاد على نفس الوتيرة من العداء الواضح، ليس فقط للمملكة بل للعائلة المالكة نفسها. قال ترامب: نحن ندافع عن المملكة، ونحن من نرسل سفننا ونرسل طائراتنا، ولا نحصل على أي شيء بينما يحصلون هم على مليار دولار يوميًا، الآن نحن لا نحتاج للنفط الخليجي. ومن ترامب إلى الآلة الإعلامية الأمريكية فقد دأبت على نشر أبحاث ومقالات عدة تُروج وتُكرس لتعميق الخلافات داخل العائلة المالكة. وتنامى هذا التوجه مع قرب نهاية عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز واستمرت حتى مع وصول العاهل الجديد الملك سلمان إلى عرش المملكة، مرورًا بتعيين أفراد العائلة المالكة من الجيل الثاني في المناصب النافذة. إذ تتمترس الرغبات الأمريكية خلف الجيل الثاني من أمراء المملكة في انتظار عملية الإحلال والتبديل مع الجيل الأول من الملوك حتى تنقض على فريستها لالتهامها. عضو مجلس الشيوخ الأمريكي السابق عن ولاية فلوريدا, روبرت جراهام, أكد عام 2011 أنه لن يتوانى في جهوده الرامية لإجبار الحكومة الأمريكية على كشف النقاب عن جزء سري من تقرير للكونجرس حول هجمات 11 سبتمبر وهو تقرير يثبت مساعدة مواطنين سعوديين لمرتكبي الهجمات,. وأكد جراهام أن مكتب التحقيقات الفدرالي أخفى من تحقيقات الكونجرس حقيقة أن المكتب لاحق عائلة سعودية في ساراسوتا بولاية فلوريدا ووجد أنها أجرت عدة اتصالات مع الإرهابيين إلى أن فرت الأسرة قبيل الهجمات. استمرت المعركة القانونية للكشف عن وثائق مكتب التحقيقات الفدرالي إلى أن وصلت لجدران الكونجرس الأمريكي في إبريل 2016 وفي الأول من أكتوبر صدر قانون جاستا لمحاسبة الأفراد والهيئات والدول التى ترعي أو تقدم دعمًا لإرهابيين يقومون بتنفيذ عمليات إرهابية على الأراضى الأمريكية. قانون لا يتفق مع ميثاق الأممالمتحدة واتفاقية فيينا التى وقعت عليها أمريكا وتلزم الجميع بالحصانة السيادية للدول. قانون سيجعل أمريكا أولي الدول المتضررة منه وسيعجل بسقوط أكبر دولة تمارس الإرهاب والبلطجة في العالم.. جاستا لن يُطبق، وسيسعى الكونجرس مع البيت الأبيض في البحث عن طرق للخروج من هذا النفق المظلم للحفاظ على ماء الوجه ربما بتجميد القانون أو بتعديل بنوده. كاتب جيوسياسي