الفريق أول محمد زكي يشهد تخرج دورات جديدة بالأكاديمية العسكرية للدراسات العليا    التموين: ثبات أسعار السلع المقررة داخل منظومة الدعم على البطاقات يوليو المقبل    حماس: قصف حي الشجاعية استمرار لحرب الإبادة التي تشنها حكومة الاحتلال الفاشية    مراقب الدولة بإسرائيل: لسنا مستعدين لحرب في الشمال    الأقوى والأضعف ومفارقة الرقم 2.. حقائق مثيرة عن مجموعات يورو 2024 (فيديو)    في قضية "حريق استوديو الأهرام" .. قرار جديد ضد 4 متهمين    استغاثة كشفت الجريمة.. عاطل استدرج سائق وقتله في قنا    كريم عبد العزيز يكشف تفاصيل تعاونه مع أحمد عز خلال الفترة المقبلة (فيديو)    طرق بسيطة وفعالة للإقلاع عن التدخين في الصيف.. جربها    تخريج دورات جديدة من دارسي الأكاديمية العسكرية    «الرعاية الصحية» تعلن حصاد إنجازاتها بعد مرور 5 أعوام من انطلاق منظومة التأمين الصحي الشامل    النائب عبد المنعم سعيد: من معضلات القرن الأفريقى ظهور "الدول الميليشياوية"    فيران توريس بعد التألق مع منتخب إسبانيا فى يورو 2024: لن أغادر برشلونة    محافظ أسوان يلتقي رئيس هيئة تنمية الصعيد.. تفاصيل    «رحلة التميز النسائى»    رئيس تغير المناخ: قطع الأشجار في مصر لا علاقة له بالموجات الحارة    أيمن الجميل: تطوير الصناعات الزراعية المتكاملة يشهد نموا متصاعدا خلال السنوات الأخيرة ويحقق طفرة فى الصادرات المصرية    وفاء الحكيم تقدم حفل ختام المهرجان الختامي لفرق الأقاليم على مسرح السامر    الصحة العالمية: أكثر من 10 آلاف مريض فى غزة بحاجة لرعاية طبية خارج القطاع    رئيس هيئة النيابة الإدارية يفتتح المقر الجديد للنيابة بشبين الكوم    محافظ شمال سيناء :ثورة 30 يونيو انتفاضة شعب بكل فئاته ضد الفئة الضالة التي اختطفت الوطن    مع ارتفاع درجات الحرارة.. «الصحة» تكشف أعراض الإجهاد الحراري    مودرن فيوتشر يتقدم على الجونة في الشوط الأول    هند صبري تشارك جمهورها بمشروعها الجديد "فرصة ثانية"    بائع يطعن صديقة بالغربية بسبب خلافات على بيع الملابس    لتكرار تجربة أبوعلى.. اتجاه في الأهلي للبحث عن المواهب الفلسطينية    وزيرة التخطيط: حوكمة القطاع الطبي في مصر أداة لرفع كفاءة المنظومة الصحية    عمر كمال يثير الجدل: أمي بترفض تطلع عمرة بفلوسي.وبضحك عليها وأطلعها (فيديو)    الحركة الوطنية يفتح مقراته بكل محافظات الجمهورية لطلاب الثانوية وقت انقطاع الكهرباء    شيخ الأزهر يستقبل السفير التركي لبحث زيادة عدد الطلاب الأتراك الدارسين في الأزهر    شوبير يكشف شكل الدوري الجديد بعد أزمة الزمالك    مواجهات عربية وصدام سعودى.. الاتحاد الآسيوى يكشف عن قرعة التصفيات المؤهلة لمونديال 2026    حمى النيل تتفشى في إسرائيل.. 48 إصابة في نصف يوم    وفاة الفنان العالمي بيل كوبس عن عمر يناهز ال 90 عاما    "قوة الأوطان".. "الأوقاف" تعلن نص خطبة الجمعة المقبلة    هل استخدام الليزر في الجراحة من الكيِّ المنهي عنه في السنة؟    الفاو تحذر من ارتفاع خطر المجاعة فى جميع أنحاء قطاع غزة    محافظ المنيا: تشكيل لجنة للإشراف على توزيع الأسمدة الزراعية لضمان وصولها لمستحقيها    إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم بالطريق الإقليمي بالمنوفية    خبير مياه يكشف حقيقة مواجهة السد العالي ل«النهضة الإثيوبي» وسر إنشائه    21 مليون جنيه حجم الإتجار فى العملة خلال 24 ساعة    زحام مرورى بسبب انقلاب سيارة نقل ثقيل على طريق الواحات الصحراوى    أمين الفتوى: المبالغة في المهور تصعيب للحلال وتسهيل للحرام    تفاصيل إصابة الإعلامي محمد شبانة على الهواء ونقله فورا للمستشفى    ضبط سلع منتهية الصلاحية بأرمنت في الأقصر    تفاصيل إطلاق "حياة كريمة" أكبر حملة لترشيد الطاقة ودعم البيئة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 27-6-2024    مقتل وجرح عدد من الفلسطينيين فجر اليوم إثر قصف إسرائيلي استهدف 5 منازل سكنية في حيي الصبرة والشجاعية شمال قطاع غزة    بكاء نجم الأهلي في مران الفريق بسبب كولر.. ننشر التفاصيل    أماكن صرف معاشات شهر يوليو 2024.. انفوجراف    بولندا تهنئ مارك روته على تعيينه في منصب السكرتير العام الجديد للناتو    ليه التزم بنظام غذائي صحي؟.. فوائد ممارسة العادات الصحية    حظك اليوم| برج السرطان الخميس 27 يونيو.. «يوم مثالي لأهداف جديدة»    الكشف على 1230 مواطنا في قافلة طبية ضمن «حياة كريمة» بكفر الشيخ    هل يوجد شبهة ربا فى شراء شقق الإسكان الاجتماعي؟ أمين الفتوى يجيب    شوبير يُطالب بعدم عزف النشيد الوطني في مباريات الدوري (تفاصيل)    10 يوليو موعد نهاية الحق فى كوبون «إى فاينانس» للاستثمارات المالية    بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم.. والأرصاد الجوية تكشف موعد انتهاء الموجة الحارة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاختراق!.. 230 مليون جنيه دفعة أولي والهدف إثارة القلاقل وإجهاض الثورة
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 18 - 07 - 2011

- لجنة تقصي الحقائق مطالبة بالكشف عن المتورطين ودورهم في الأحداث الأخيرة.
- الغرب يسعي إلي إثارة الفوضي وتفتيت البلاد عبر الطابور الخامس.
لم تكن هي المرة الأولي، ولن تكون الأخيرة بالقطع، فالتمويل الأجنبي الذي يتدفق علي عدد ليس بالقليل من منظمات المجتمع المدني هو ليس لوجه الله بالقطع، وإنما هو مرتبط بأجندة سياسية وثقافية واجتماعية تصب لمصلحة الممولين بالأساس.
وخلال الأيام القليلة الماضية تفجرت في الأجواء المصرية، فضيحة من العيار الثقيل، أبطالها العشرات من الأفراد ومنظمات المجتمع المدني التي حصلت وفقاً لتصريح السفيرة الأمريكية في مصر 'آن باترسون' أمام الكونجرس الأمريكي علي 40 مليون دولار خلال الأشهر الثلاثة التي أعقبت ثورة 25 يناير.
لقد أكدت السفيرة أن الهدف من وراء تقديم هذا المبلغ الضخم الذي يساوي حوالي 225 مليون جنيه هو دعم الديمقراطية، ولم تقل لنا أية ديمقراطية تقصد، غير أنها بادرت وكشفت عن أن هناك حوالي 600 منظمة مصرية أخري تقف في طابور طويل عريض تطلب الحصول علي منح أمريكية لتواصل هي الأخري نضالها من أجل الديمقراطية المزعومة، غير أن السفيرة بعثت برسالة طمأنة إلي هذه المنظمات بأن هناك بالفعل 65 مليون دولار لاتزال في انتظارها.
لقد أثار هذا التصريح ردود فعل عديدة داخل الأوساط السياسية والشعبية والإعلامية وكشف النقاب عن حجم التدخل في الشئون الداخلية المصرية والسعي إلي محاولة احتواء ثورة الخامس والعشرين من يناير، خاصة أن السفيرة الأمريكية أكدت في تصريحاتها أن هذا الدعم يأتي في إطار حفاظ أمريكا علي مصالحها في المنطقة التي يأتي علي رأسها الحفاظ علي استمرار معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل.
ومع وصول معلومات وافية عن حجم هذه الأموال التي بدأت تتدفق من الولايات المتحدة والعديد من الدول الأخري، بدأ القلق يسود جميع الأوساط المصرية، خاصة أن وصول هذه الأموال رافقته تحركات مشبوهة تستهدف ضرب الدولة والقضاء علي مؤسساتها تمهيداً لنشر الفوضي في البلاد، وفي ضوء التقارير الواردة أعلنت د.فايزة أبوالنجا وزيرة التخطيط والتعاون الدولي أن مجلس الوزراء كلف وزير العدل بتشكيل لجنة تقصي حقائق لإعداد تقرير مفصل بشأن التمويل الأجنبي المباشر لهذه المنظمات وغيرها من المنظمات الأجنبية، علي أن يتضمن التقرير حجم واستخدامات هذه المساعدات المباشرة الموجهة للمجتمع المدني في مصر.
أما وزير التضامن والعدالة الاجتماعية د.جودة عبد الخالق فقد قال هو الآخر إنه تلاحظ في الآونة الأخيرة قيام الحكومة الأمريكية وبعض الهيئات الدولية بضخ أموال لصالح مؤسسات وجمعيات مصرية ومنظمات أمريكية وأجنبية للعمل في برامج شتي بمصر دون اتخاذ الإجراءات الواجبة بالمخالفة للقواعد المنظمة لتلقي الأموال والتبرعات الأجنبية الواردة بالقانون رقم 84 لسنة 2002 بنظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية ودون التنسيق مع الحكومة المصرية بما يشكل اعتداءً سافراً علي السيادة المصرية.
لقد كشفت الناشطة بحركة 'ثوار مصر' 'إيناس الجابر' في مداخلة لها أمام لجنة القوات المسلحة المنبثقة عن مؤتمر الوفاق الوطني في مصر أنها تلقت دعوة عبر الفيس بوك للحصول علي مليون ونصف المليون دولار من إحدي الجهات الأمريكية المانحة مقابل التنسيق ونقل أخبار الثورة إلا أنها رفضت ذلك مشيرة إلي وجود أموال ضخمة دخلت مصر بعد الثورة لتمويل الناشطين السياسيين.
ولم يقتصر الأمر علي ذلك، بل إن المجلس الأعلي للقوات المسلحة ناشد علي لسان أحد أعضائه خلال مؤتمر صحفي المصريين برفض التمويل الخارجي الذي يمثل خطراً علي أمن البلاد وثورتها.
وبالرغم من أنه لم يتم حتي الآن الإعلان عن تشكيل لجنة تقصي الحقائق بشكل علني إلا أن هذه اللجنة مطالبة بأن تعلن الحقائق علي الرأي العام حتي نعرف من هم الذين تقاضوا هذه الأموال وبأي مقابل.
إن التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني والأفراد ليس منحة مجانية، ولا هو عمل إنساني مقصود به البر والإحسان لوجه الله، ولكنه يدخل في إطار أجندة النظام العالمي الجديد، الذي استطاع تحت غطاء تقديم الأموال والمساعدات أن يصنع طابوراً خامساً يستهدف تنفيذ هذه الأجندة الخارجية ويقوم بمهام تمكن قوي الخارج من اختراق مجتمعاتنا والسعي إلي تغيير البيئة الحياتية بجميع أوجهها السياسية والاجتماعية والثقافية.
وإذا كنا نقول إن التمويل الأجنبي هو وجه جديد من أوجه التجسس علي الأوطان، فإن الغرب يختزن هذه المنظمات وعناصرها لتشكل رأس حربة ضد الأنظمة والأوطان تستخدم في لحظات الضرورة لتحقيق أغراض محددة تصل إلي نشر الفرقة والتحريض وصولاً إلي التقسيم والتفتيت.
وهذه الأموال 'الملوثة' التي راحت تتدفق علي مصر وغيرها تحديداً منذ أوائل التسعينيات نجحت في خلق طبقة من العملاء المقنعين الذين يقدمون أنفسهم كطليعة لقيادة العمل السياسي والمدني والنقابي والإنساني رافعين في ذلك شعارات الدفاع عن الإصلاح والديمقراطية وحقوق الإنسان.
وتعد الولايات المتحدة هي في طليعة هذه الدول التي تقوم بتقديم الأموال المشبوهة إلي هذه المنظمات، وعبر تغلغلها الإعلامي والسياسي تسعي دوما إلي أن تجعل من عناصر هذه المنظمات رموزاً وطنية وإصلاحية في نظر العامة من المواطنين وتضفي عليهم حماية في مواجهة الأحكام القضائية والإجراءات الأمنية، وتقدمهم للعالم علي أنهم شهداء الدفاع عن الحرية.
إن تجربتي أوكرانيا ويوغسلافيا هما خير مثال علي تجسيد هذا المخطط بأبعاده المختلفة، فقد استطاعت الولايات المتحدة ومعها ألمانيا ودول غربية أخري زرع 339 منظمة دولية و421 منظمة خيرية و179 منظمة غير حكومية للتغلغل في أوكرانيا، حتي إذا ما جاءت الانتخابات الرئاسية في البلاد استطاعت عبر هذه المنظمات إنجاح رجل أمريكا في أوكرانيا 'فيكتور لوشينكو' ليحقق الانتصار في الانتخابات علي منافسه بالرغم من أن جميع الشواهد أكدت سقوطه قبل أن يعلن الغرب دخوله انتخابات الإعادة، ويجبر الجميع علي القبول بذلك ويدفع منظمات المجتمع المدني إلي الميادين الرئيسية بالعاصمة، وما أن تمت الموافقة علي إعادة الانتخابات، حتي استطاع الغرب أن يحقق المرحلة الثانية بإنجاحه رغم كافة الاعتراضات.
لقد رصدت جريدة 'ترود' الروسية بالوثائق ما يثبت أن قيمة المساعدات التي كانت تتلقاها كل منظمة من هذه المنظمات بما قيمته من 300 إلي 500 ألف دولار في الأسبوع الواحد، كانت تصل إلي هذه المنظمات تحت غطاء أنها منح غير مشروطة، إلا أن الوقائع كانت تقول بعكس ذلك.
إن الذين يقولون إن هذه المساعدات التي تقدم إلي المنظمات والأفراد غير مشروطة ولا تستهدف تحقيق اغراض سياسية لا يكذبون علي أنفسهم فحسب، وإنما يقفزون علي الواقع، ذلك أن الكل يدرك أن شيطان التمويل يكمن دائماً في الأهداف الاستراتيجية والنتائج بعيدة المدي.
فأمثال هؤلاء يستخدمون في اللحظات الحاسمة لإثارة القلاقل وتحريض الجماهير ضد الحكومات وتدمير المؤسسات ينفذون مخططاتهم تلك تحت غطاء الثورية والحرص علي مصالح الجماهير، بينما هم في الحقيقة ينفذون مخططا تخريبيا لصالح القوي التي تدفع إليهم مئات الملايين من الدولارات كل عام.
لقد تدفقت علي مصر خلال العقد الأخير مبالغ مالية كبري وصلت إلي جيوب الآلاف من المرتزقة والخونة والجواسيس الذين راحوا يتصدرون المشهد، ويشكلون طبقة لا وطن لها سوي من يدفع، ولا أجندة سوي ما هو مملي عليها من الخارج، يساعدها في ذلك ضعف النظام السابق الذي ارتهن إرادته للقوي الكبري، ولم يستطع مواجهة هذه العناصر مواجهة جادة.
وأصبح من الطبيعي أن يتردد في مصر أسماء منظمات تابعة للحكومات الغربية وأجهزة استخباراتها تدعم هذه المنظمات مثل المعهد الديمقراطي الأمريكي ال 'Ndi' والأمديست التابعة للحكومة الأمريكية وفورد فاونديشن وجوبال فند، وسيدا الكندية ودانيدا الدنماركية وفيندا الفنلندية وتوارادا النرويجية وإسرائيل الجديد وفريديور الألمانية وغيرها.
ويأتي في مقدمة هذه الجهات المانحة جورج سورس رجل الأعمال اليهودي المعروف الذي لعب دوراً مهما في إسقاط العديد من أنظمة الدول الاشتراكية، كما لعب دوراً معروفا في الأزمة الاقتصادية التي شهدتها دول جنوب شرق آسيا في حقبة التسعينيات.
الغريب أن بعض هذه المنظمات راح يدفع بعناصره لمحاولة القفز علي ثورة 25 يوليو يوليو بعد نجاحها والدفع بعناصرها لركوب الموجة الثورية والدفع بالثورة نحو مخطط منظم ومعروف يهدف إلي تصعيد الأوضاع ضد الشرطة والجيش والقضاء، ويستهدف أيضاً تعطيل المصالح الحكومية وتدمير الاقتصاد الوطني في إطار منظومة متكاملة من الأعمال التخريبية التي تستهدف أخذ الثورة بعيداً عن أهدافها التي صنعها الثوار الحقيقيون الذين كانوا أول من كشف أبعاد هذه المخططات.
إن من يقرأ تفاصيل الوثيقة التي صدرت بتاريخ 16 ديسمبر عام 1998 باسم المخابرات المركزية الأمريكية وتحمل عنوان 'دولة صربية جديدة' يدرك كيف استطاعت هذه المنظمات أن تنجح عبر التمويل في تفتيت دولة يوغسلافيا وتهيئة المسرح للحرب التي شنها حلف الناتو عام 1999 وأدت إلي انهيار الأوضاع في انحاء البلاد.
لقد قدمت الوثيقة نموذجا كاملاً وصريحاً في كيفية استخدام التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني في إحداث خلخلة مجتمعية تنتهي بالاختراق ثم التفكيك.
لا بديل عن الرحيل
الأزمة الراهنة ومسئولية الرئيس
نشر هذا المقال بتاريخ 2011/1/31
تنشر 'الأسبوع' نص المقال الذي كتبه الزميل مصطفي بكري رئيس التحرير في وقت متأخر من مساء 28 يناير2011 ونشرته 'الأسبوع' صباح الاثنين 31 يناير2011 وفيه طالب بكري الرئيس السابق حسني مبارك الذي كان يتولي السلطة في هذا الوقت بضرورة ترك السلطة والتنحي ليتولي الشعب إدارة أموره في البلاد، كان مبارك في عز سطوته وجبروته ومع ذلك كتب هذا المقال. وصباح السبت 29 يناير 2011 قاد بكري مظاهرة من حوالي 15 ألف مواطن انطلقت من شارع رمسيس إلي ميدان التحرير ثم طافت بعد ذلك أرجاء منطقة وسط البلد وهذا هو نص المقال:
السيد الرئيس:
لقد خاطبتك كثيرا في مرات سابقة، وطلبت منكم الاسراع بالتغيير، بعد أن ضج الناس من الفساد والاستبداد، الذي أصبح عنوانا لهذا الحكم علي مدي العقود الثلاثة الماضية، وكان آخر هذه التحذيرات مقال الأسبوع الماضي 'جرس إنذار' ولم تمض سوي ساعات قليلة حتي انفجرت الأوضاع، وخرج عشرات الألوف إلي الشارع يؤيدهم في ذلك 80 مليون مصري، أعياهم الفقر والمرض وفقدان الأمل..
لقد تسببت هذه السياسات المجحفة في اصابة 6 ملايين مصري بالأمراض النفسية وأكثر من 20 مليونا أصيبوا بحالة من الاكتئاب الشديد، تراجعت طموحاتنا، واغتيلت أحلامنا، تبخرت كل الوعود في التغيير والرفاهية والقضاء علي مشكلة البطالة.
تزايدت معدلات الفقر وأصبح ربع المصريين تحت خط الفقر، بينما البقية الباقية تعيش علي 'الستر' بالكاد، باستثناء من 200 - 400 شخص احتكروا ثروة هذا البلد، أغلبهم بطرق غير مشروعة، بعد أن فُتِحَت أمامهم أبواب تملك مئات الآلاف من الأفدنة، اقترضوا مليارات الجنيهات من البنوك، تلاعبوا بالبورصة واقتصاد البلاد، تملكوا مؤسسات الدولة الناجحة واحتكروها بعدما خصخصوها.
لو راجعت أرقام البورصة ياسيادة الرئيس، ولو سألت هؤلاء: من أين لكم هذا؟ لعرفت أن غالبيتهم كانوا علي وشك الافلاس في عام 2003، فقل لي بالله عليك: كيف؟ ومن أين جاءوا بكل هذه المليارات؟! وهل حققوا ذلك في غفلة من الزمن بعيداً عن عيون الدولة، أم أن هذه العيون غضت الطرف عن التجاوزات والانحرافات، ومنحت التسهيلات لأكبر عملية نهب منظم لأراضي وممتلكات الدولة وصناعاتها الاستراتيجية؟!
إنني أضرب لك مثالا واحدا هنا، هو السيد/ أحمد عز، هذا الرجل المقرب اليكم، والذي حظي بعنايتكم قبل أن يجبر علي الاستقالة ويحاول الهرب إلي خارج مصر بغنائمه، أحمد عز هذا ياسيادة الرئيس كان عازفا في فرقة موسيقية، تجوب الفنادق ودور الترفيه، وفجأة صعد ليتحول في سنوات معدودة إلي الرجل القوي بالحزب الحاكم يأمر فيطاع، يصفي حساباته مع من يريد، اختصر الوطن في شخصه، تحول من شخص اتهم والده في عام 1989 بتهمة تغيير العملة إلي رجل يحكم ويتحكم في شئون العباد.
في هذا الوقت لم تكن ثروة أسرته وثروته تتعدي المليون جنيه، اليوم أصبح يمتلك 60 مليار جنيه بعد أن مكنته الدولة من احتكار أكثر من 67% من صناعة الحديد في مصر، ومكنته من السيطرة علي 50.28% من أسهم شركة الدخيلة، قل لي بالله عليك هل هذا هو التطور الطبيعي للثروة ياسيادة الرئيس ام أن الرجل خارق لكل القواعد الطبيعية والاستثنائية، أم أن هناك عيونا تحميه، وأيادي تفتح له الطرق نحو مزيد من الثروة؟!
أحمد عز يا سيادة الرئيس، هدد منذ أكثر من عام بنسف المعارضة وإسقاطها في البرلمان، فماذا فعلت؟ لقد تركته يزور الانتخابات ويُسقط الرموز، ويباهي بأنه استولي بالتزوير علي غالبية مقاعد البرلمان!!
وكانت صدمتنا عاتية، عندما خرجت ومن فوق منبر مجلس الشعب لتتباهي بأن الانتخابات كانت نزيهة باستثناء بعض السلبيات، وبأنك كنت تتمني تمثيلاً أكبر للمعارضة، لكن يبدو كما رأيت أننا انشغلنا بالجدل حول المقاطعة، فضاعت منا المقاعد فجأة، مع أن سيادتك تعلم علم اليقين أن قرارا كان قد اتخذ بإسقاط كل المعارضين وكل المستقلين الشرفاء.
طالبناك بحل البرلمان، ولكنك رفضت، طالبناك بالتدخل لتنفيذ الاحكام النهائية التي أصدرتها المحكمة الادارية العليا ولكن ذلك لم يتحقق.
لقد حذر الجميع من خطورة ممارسات أحمد عز، هذا الرجل الذي أصبح اقوي من الحكام، بل وأقوي من النظام بأسره، لكنه للأسف كان يتمتع بحمايتك الشخصية وحماية نجلك جمال مبارك، وما كان أحمد عز أو غيره يجرؤ علي فرض سطوته بهذا الشكل إلا لكونه يحظي بدعم شخصي من سيادتكم.
لقد تركتموه يهيمن علي كل شيء، ويتخذ القرار الذي يراه مناسبا، ويتعامل حتي مع رموز النظام علي أنه هو صاحب القرار الفصل في شئون هذا البلد، وأن علي البقية - مهما علا شأنهم - أن ينصاعوا لما يريد.
صرخنا بكل قوة، حذرنا من خطورته علي الوطن وعلي النظام، ولكن يبدو أن سيادتكم كنت تري أن أحمد عز هو الرجل المناسب للتعامل معنا، وأنه خير ممثل للنظام، وان الآخرين مهما بلغ ولاؤهم لكم، فهم يجب أن ينصاعوا لما يقول..
لقد وعدتنا منذ عام 1981 بإلغاء حالة الطوارئ وطلبت مهلة لمدة عام فقط ولكن الطوارئ استمرت ولاتزال.. استبشرنا خيرا عندما وعدتم في برنامجكم الانتخابي عام 2005 بأن حالة الطوارئ لن تجدد مرة أخري غير أن الحكومة جاءت إلي البرلمان لتقدم مبررات واهية، وزعمت أنها عاجزة حتي الآن عن الانتهاء من إعداد قانون لمواجهة الإرهاب.
تحدثنا عن الفساد كثيرا، قدم الكثيرون مستندات دامغة، بل تولت اجهزة رقابية الابلاغ عن بعض الوقائع الخطيرة، وياللعجب، الفاسدون يمرحون رغم أن فسادهم وصل إلي عنان السماء.
لقد غاب مبدأ الثواب والعقاب وأصبحت الشفافية من نوادر هذا الزمن، وكأن هناك إصراراً علي حماية الفساد والمفسدين.
لقد بيعت الشركات الناجحة والمصانع الكبري برخص التراب لبعض النصابين الذين يسمون أنفسهم بالمستثمرين، خربوها وسرقوا كل ما لديها ثم قرروا بيعها لآخرين ليتم بيعها خردة، ولنا دليل في العديد من الشركات مثل المراجل البخارية أو المعدات التليفونية أو عمر أفندي وغيرها كثير.
وازدادت علي أرض هذا الوطن سلطة الدولة البوليسية فانتهكت حقوق الإنسان علي أوسع نطاق وفتحت أبواب المعتقلات والتعذيب، وأصبحنا نشعر بأننا في سجن كبير، بعد أن أصبح كل المصريين أعداء للنظام وتقزم دور مصر كثيراً، تنفجر الاوضاع ويقسم السودان وكأننا غير معنيين، الخلافات تهدد وحدة لبنان، وتتحرك تركيا وسوريا والسعودية وقطر ونحن غير معنيين بشيء، تتغلغل 'إسرائيل' في افريقيا ويتراجع دور مصر وتهدد مياه نهر النيل وكأن الامر لا يعنينا في شيء.
أصبح الحديث عن ضرورات الأمن القومي المصري والعربي يُقابل بسخرية من الحكام والاعلام الرسمي، أُهين المصريون في الخارج ومورست ضدهم كل أنواع الذل، ولكنهم في نظر النظام دائماً ملومون، ويستحقون ما هو أسوأ من ذلك!!
ثلاثون عاماً ونحن ننتظر التغيير، أو الانتخابات الحرة، ولكن لا أمل ولا رجاء.. بلدان أقل منا حضارة وتقدما وقوة تمتعت شعوبها بالديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، وراح رئيس حكومتكم السابق أحمد نظيف المقال تحت ضغط الشارع يتهم المصريين بأنهم شعب لم ينضج بعد.
يتحدث الكافة عن تجاوزات الكبار من رئيس الوزراء السابق إلي الوزراء وإلي كبار المسئولين، ولكن لا محاسبة ولا تغيير، حتي أصبح الناس يتندرون في الشارع ويقولون يبدو أن المقصرين والفاسدين يمتلكون حصانة البقاء إلي أبد الدهر.
تعبنا، ومرضنا، وشعرنا بالإحباط، والمهانة، فرُحنا نخاطبك ونطالبك بالتغيير فكان الرد إسقاطنا في الانتخابات عن عمد وفرض المزيد من الحصار علي كل صوت وطني يقول لا..
انطلقت المظاهرات من كل مكان علي أرض مصر، شباب وشابات تربوا في فترة حكمكم فأصابهم الإحباط والإعياء وفقدوا الأمل في التغيير فخرجوا..
سقط الضحايا ومورس القمع ضد الجميع، تدخل أوباما ليقول إنه نصحك كثيرا، وليعرب عن تعاطفه مع إحباطات المتظاهرين، صدرت بيانات من كل أنحاء الدنيا فكان الرد عليها مزيداً من القمع والاعتقالات، وقطع الانترنت بل قطع خطوط الهاتف النقال.
وكان يوم الجمعة هو يوم الحشر، سالت دماء كثيرة في الشوارع، سحق رجال الأمن المواطنين وسحلوهم، اطلقوا عليهم الرصاص بلا رحمة، امتهنوا كرامة الناس، ضربوهم بالقنابل المسيلة للدموع بكل عنف وكل قوة، لكن الناس لم تتراجع ولم تستسلم.
انطلقنا من الأزهر، كانت مظاهرة حاشدة، التقت التظاهرات في الميادين العامة، تجمع شرفاء الوطن بميدان التحرير، كانت الهتافات واحدة 'الشعب يريد اسقاط النظام'.. ملايين المواطنين زحفوا من كافة المحافظات يطالبون مبارك بالرحيل عن السلطة.
بعد يوم من المشاحنات، والحرائق التي قام بها البلطجية الذين استعان بهم ضباط المباحث وأخرجوهم من السجون ليندسوا وسط المتظاهرين، صدرت تعليمات عليا للشرطة بالانسحاب.
وانسحب الجنود والضباط، تركوا المنشآت والبنوك والشوارع بلا حراسة، انطلق البلطجية الذين جاءوا بهم ليحرقوا ويعيثوا في الأرض فسادًا، عمليات نهب واحراق تنتقل من شارع إلي شارع، مقار ومؤسسات حيوية للدولة راحت النيران تحرقها من كل اتجاه.. وصدر قرار بإنزال الجيش إلي الشارع، وهلل المواطنون لنزول الجيش، فالجيش مؤسسة وطنية تلقي احترامًا في قلوب المصريين، ودوره الوطني له كل تقدير من الشعب.
وصدر قرار حظر التجوال، لكن الناس لم تنصع لهذا القرار ورفضته، وظل الناس في الشوارع.. احترقت أقسام الشرطة ومقرات الحزب الوطني بما فيها المقر الرئيسي، وكاد المتحف المصري يحرق لولا حرص المصريين وحمايتهم للمتحف بأجسادهم.
انتظر الناس رحيل مبارك، لكنهم فوجئوا بالدكتور فتحي سرور يعلن أن بيانًا مهمًا سوف يصدر بعد قليل، وانتظرنا أن يعلن نبأ إجبار مبارك علي ترك السلطة، لكنه لم يفعل ذلك، بل راح يتحدي الجميع.
لقد أطل علينا مبارك من شاشة التليفزيون ليردد نفس الكلمات، ونفس المفردات، التي مللناها علي مدي أكثر من 30 عامًا، حبس الناس انفاسهم، تصور البعض.. لكنه تحدث بذات اللغة، وكأن شيئاً لم يكن.. اقتصر الأمر علي تغيير حكومة بأخري ترأسها الفريق أحمد شفيق وعلي الرغم من مساحة الاحترام الهائلة التي يلقاها الوزير عمر سليمان الذي تم تعيينه نائباً للرئيس إلا أن هذا القرار تأخر أكثر مما يجب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.