سماع صوت الحفيدة 'منة' هو العيد الذي لا يأتي أبدًا.. هو الحلم والتعويض والشفاء وكفكفة الدموع الساخنة التي تثور وتهدأ مع مقاطع قصتهما. جلسا يتبادلان الحكي ويغلبهما بكاء يجسد كل معاني الحنين والفقد ومرارة انتزاعها من بين حضنيهما بعد رحيل مفاجئ للابنه التي كانت في عنفوان شبابها. قصتهما مجرد قصة أخري من قصص العجز عن تطبيق القانون وصرختهما هي مجرد تجسيد حي لصرخات ملايين الحاضنات اللاتي يتساءلن: ماذا لو اختطف الطرف غير الحاضن المحضون وأخفاه في أي محافظة من محافظات الجمهورية؟ كيف نستعيده أو نعثر عليه أصلاً؟ وما الضمانات القانونية لعدم حدوث هذا؟ الحكاية التي يحكيها الجد حسن محمد درويش والجدة ماجدة عبد العزيز معززة بكل المستندات التي تثبت صحتها بدأت عندما دخلت ابنتهما ذات ال 29 ربيعا مستشفي معهد ناصر مصابة بآلام عادية في الجنب ليفاجأ الجميع بوفاتها بعد ثلاثة أيام دون معرفة السبب المرضي للوفاة.. هكذا حل القضاء لتصيبهم مصيبة الموت، وجاء اللطف الإلهي متمثلا في الحفيدة 'منة' التي لم تكن قد بلغت آنذاك ثلاث سنوات.. كانت الطفلة الجميلة قطعة من الأم الراحلة 'رشا' فضمها الجد والجدة إلي حضنيهما وشعرا بأنها بمثابة التعويض والأمل وشفاء الصدور من مرارة الفقد.. وجدا فيها التعزية والسلوي وأغدقا عليها حبا ورعاية لم ينسيا نصيب زوج ابنتهما الراحلة والد حفيدتهما من العناية والتلطف.. حتي أن الجدة عرضت علي أرمل ابنتها أن تبحث له عن عروس تقاسمه ما بقي من رحلة العمر ومع مرور الأيام وزوال الصدمة حاول الجد أن يبحث في أسباب وفاة ابنته فأفهمه زوجها المحامي أنه تقدم بالبلاغات اللازمة لتقصي الحقيقية وبعد مرور عام كامل اكتشف الجد أن زوج ابنته لم يتقدم بأي بلاغات فتقدم ببلاغ للنائب العام يطالب فيه بالتحقيق في أسباب وفاة ابنته دون أن يخل بعلاقة زوج الابنة والحفيدة التي كانت تذهب بصحبة أبيها لزيارة والديه ويصطحبها إلي المصيف وتبقي معه في الإجازات دون حدوث أي مشكلات.. وبمجرد أن طالب الجد بعد عام كامل من الوفاة بميراث ابنته وبإبلاغ المجلس الحسبي لحماية ممتلكات الصغيرة ومعاشها عن والدتها فوجئ بقدوم والد الطفلة ليصطحبها لزيارة والديه لتختفي منة منذ تلك اللحظة وإلي الآن.. ذهبت منة أخفاها الأب في مكان ما بينما هو يعيش في المنطقة نفسها ويراه الجد والجدة ذهابا وإيابا.. وتناثرت الشائعات.. منة في المنوفية منة في الإسكندرية.. منة في أسيوط.. منة ماتت!! يبحثان في شيخوختيهما بين محافظات مصر حتي أعيتهما الحيل وتفرقت بهما السبل.. الأب تزوج.. حرمهما حتي من أشياء ابنتهما الصغيرة من الصورة التي تحمل الذكري إلي قطعة الحلي التي تمثل ميراث الطفلة.. استولي علي معاش الصغيرة منذ وفاة الأم ولم يتقدم طواعية ليثبت الميراث في المجلس الحسبي وهو ما أدي إلي نزع الولاية منه في سابقة نادرة في تاريخ القضاء المصري.. بلاغات الخطف وكل قرارات تسليم الطفلة لم تجد نفعًا.. اكتشف الجدان أن الأب ينوي تسفير الصغيرة إلي الخارج فاستصدرا أمراً بمنع سفرها.. قدما بلاغات بتبديده المنقولات وتحولت إلي جنحة برقم 326 / 2011 جنح شمال.. وتم تحويلها لمحكمة الأسرة حصلا علي حكم بأحقيتها في الحضانة فلفق الأب لابنهما الذي كان يعمل معه قضية، وادعي إصابة الجدة بأمراض تمنعها من رعاية الحفيدة وهو ما أثبتت التقارير الصحية كذبة. الشرطة والقانون عاجزان ومنة محرومة من بيت الأسرة الحقيقي.. من البيت الهادئ المستقر والرعاية التي تستحقها من حاضنتها التي جعلتها من أوائل مدرستها وحفظتها القرآن وأغدقت عليها ماحملته من قلبها من حب مضاعف لابنة رحلت ولقطعة منها هي الأعز والأغلي.. القانون يطالب الجد والجدة بمعرفة وتحديد مكان الحفيدة ليخرج المحضر والأخصائي الاجتماعي مع الشرطة ويتم تسليمها إليهما وهما عاجزان والأب يعيش مع زوجته الجديدة دون منة.. تبكي الجدة.. يقطع نحيبها قلب كل من له قلب.. يقولون ماتت.. أريد أن أسمع صوتها.. فقط صوتها.. تفتح تسجيلا علي المحمول لحوار بين الجد والحفيدة وقت أن كانت معهما في البيت وتستمر في البكاء المؤلم.. تتساءل بكل هذا الوجع ألهذا الحد يمكن أن تقف القوانين وأجهزة الدولة عاجزة أمام أب يتحدي الجميع.. أب محل إقامته وعمله معلومان للجميع؟! تختلط دموعها بدموع الجد ويبقي السؤال الحائر.. من يعيد منة أو يعلن بالدليل القاطع أنها حية ترزق؟ ومن يحمي الحاضن من حدوث أمر مماثل؟ وكيف لا توجد عقوبات رادعة في القانون لمن يتسبب في كل هذا الألم ليس للحاضن الذي انتزع منه الصغير فقط وإنما أيضا للصغير الذي تشرد وحرم من حياة طبيعية لمجرد رغبة الطرف غير الحاضن في الانتقام!!