بينما نحن غارقون في مليونيات بغير حصر وأحيانا بغير قصد، ينقسم المصريون حولها بين مؤيد ومعارض وتوشك أن تحدث حالة من الانفلات المزمن، تتعرض سيناء لخطر حقيقي تروج له قوي أجنبية لتشجيع بدو سيناء علي الانفصال عن الوادي. ولم تكن تلك التفجيرات الثلاثة التي وقعت متعاقبة خلال أسابيع قليلة منذ قيام الثورة، لتدمير خطوط الغاز التي تغذي إسرائيل والأردن وسوريا، غير علامات إنذار علي أن مصر غير قادرة علي حماية المشروعات والاستثمارات التي تقام في أراضيها.. وكأنها امتداد لما يجري من مصادمات في ميدان التحرير. وفي كل مرة يتم إصلاح الأضرار التي لحقت بالخط ومعداته، وليس لدي الجهات المسئولة تفسير لذلك غير اتهام إسرائيل، ليس فقط بحجة أن انقطاع الغاز عنها يطعن في مدي كفاءة مصر في حماية المشروع ويدخل عنصرا جديدا في المساومة علي أسعار الغاز. ولكنه قد يكون مدعاة للجوء إلي التحكيم الدولي.. فضلا عما يعنيه ذلك من إنهاك للأجهزة الأمنية.. بل إن إنهاك الأجهزة الأمنية هو علي الأرجح ما يهدف البعض إلي تحقيقه.. وحتي هذه اللحظة لم يتسن للرأي العام في مصر أن يعرف حقيقة البيئة المعادية التي نشأت وانتشرت في بعض قطاعات من قبائل سيناء. وكانت تصرفات الشرطة ومازالت من أسباب إثارة الكراهية وانعدام الثقة بين أهالي سيناء والدولة، مما أدي إلي إشعال النيران لإحراق عدد من مراكز الشرطة في العريش. ولا يبدو أن التقارير الرسمية التي تذاع عن الأوضاع في سيناء تتسم بقدر كافٍ من المصارحة بسبب حساسية الموقف في سيناء. ففي تقرير نشرته مجلة الإيكونوميست عن بدو سيناء، أرجعت المجلة الوضع الراهن إلي انتشار عادة الثأر بين القبائل، والتنافس علي الممرات وطرق التهريب التي تشغي بالأسلحة والمخدرات. بحيث يستحيل العبور في الطرق الصحراوية بدون سلاح. ويبدو أن الأساليب الأمنية التي استخدمت في مطاردة المهربين والمشتبه فيهم، ووضع حواجز وكمائن أمنية للتفتيش ومنع وصول البدو إلي بعض المواقع السياحية والمناطق البترولية ومصانع الأسمنت، قد قضت علي عوامل الثقة وضاعف منها إنتاج سياسة بيروقراطية تمنع البدو من تسجيل ملكيتهم للأراضي التي يقيمون عليها. في هذا السياق، يجد أهالي سيناء تشجيعا من بعض دوائر الغرب علي التخلص من السلطة المصرية، والترويج لفكرة إقامة مملكة بدوية كما في الجزيرة العربية. ولكن عقلاء القوم من الأهالي يتطلعون إلي 'عقد جديد' مع الدولة، يحقق لهم درجة من المشاركة والحصول علي الوظائف الحكومية ونصيبا من الأعمال في المشروعات التي يقوم الجيش بتنفيذها.. وكذلك إلغاء الأحكام الغيابية الصادرة ضد عدد كبير منهم. ومن المعروف أن محافظ سيناء اجتمع بزعماء القبائل وأفرج عن عدة مئات من المسجونين الذين أمضوا نصف المدة. كما قام الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء بزيارة العريش في أول زيارة من نوعها لرئيس وزراء. ولكن زعماء القبائل اعتبروها مجرد مناسبة ودية لالتقاط الصور ولم يتحقق شيء من وعوده.. التي يعتقد بعض رجال الأمن أن المستفيدين منها هم تجار المخدرات وبارونات التهريب!! ونتيجة لحالة الإحباط عادت بعض العناصر إلي أسلوب التخريب. فانفجرت بعد ساعات من مغادرة شرف قنبلة في أنبوب الغاز. وتعرضت السيارات التي تحمل لوحات معدنية بأرقام من خارج سيناء لهجمات من البدو الملثمين، وحدثت محاولات لقطع الطريق بين القاهرة وشرم الشيخ. هذه الصور المقلقة التي ينشر عنها بكثافة في الصحف الأجنبية وغالبا تتجاهلها الصحف المصرية، تتحدث أيضا عن وجود أنصار للقاعدة في سيناء أو عناصر من حماس مدفوعة بواسطة حزب الله.. يكذبها جميعا محافظ سيناء. ويري البعض أنه لابد من تغيير السياسات المتبعة في سيناء لتمكين البدو من ممارسة حقوقهم كمواطنين مصريين، مع الاعتماد علي أجهزة أمنية متمرسة في حراسة أنابيب الغاز التي يصل طولها إلي 182 كيلو مترا يعتمد في حراستها علي البدو.. وهي طريقة بدائية لن تمنع حدوث التفجيرات مرة رابعة وخامسة!!