في المرحلة الانتقالية بعد الثورة المصرية السلمية، نجد أنفسنا أمام مفترق طرق، أو أمام العديد من البدائل، التي ترسم صورا مختلفة للمرحلة الانتقالية. وليس من الغريب تعدد الرؤي السياسية عن المرحلة الانتقالية، ولكن المهم هو التوافق علي آلية معينة لرسم خطوات المرحلة الانتقالية، بما يسمح بكل الأطراف للقيام بدورها في هذه المرحلة المهمة. ولكن هناك بعض التصورات التي تميل لجعل المرحلة الانتقالية من مسئولية المجلس الأعلي للقوات المسلحة، وهو بالفعل مسئول عن الجزء الأول من المرحلة الانتقالية وليس كل المرحلة الانتقالية. وهذا الجزء هو الخاص بعملية تأمين الطريق لبداية المرحلة الانتقالية، أي مرحلة بناء نظام سياسي جديد، بما يؤدي إلي هدم النظام السياسي القديم. فالنظام القديم لا يختفي إلا بعد بناء نظام سياسي جديد، ومهمة المجلس الأعلي للقوات المسلحة، ليست بناء نظام سياسي جديد للمجتمع المصري، بل مهمته هي تأمين الطريق حتي يتمكن المجتمع من بناء نظام سياسي جديد، النظام الذي يختاره بإرادته الحرة. ولكن بعض التصورات تعطي انطباعًا بأن البعض يريد من المجلس العسكري بناء النظام السياسي الجديد، ووضع الدستور، ثم تسليم السلطة بعد تحديد شكل النظام السياسي الجديد. ومعني هذا، أن دور المجتمع في بناء النظام السياسي الجديد لم يعد حاضرا، حتي وإن حضر دور بعض النخب، خاصة النخب العلمانية. ولكن الأهم من ذلك، أن المجتمع يجب أن يحمل مسئولية بناء النظام السياسي الجديد، ويجب أن تحمل كل القوي والنخب السياسية مسئولية العمل في المجتمع من أجل بناء المستقبل الجديد. فالقضية لا تتعلق فقط بوضع الدستور الجديد، بل تتعلق بكيفية بناء منظومة تشريعية مناسبة للمجتمع، مما يتيح للمجتمع القيام بدوره في النهوض، وبما يتيح أكبر درجة من التفاعل بين المجتمع والدولة، وأكبر درجة من التوافق بين المجتمع والدولة، حتي يكون للمجتمع دور فاعل في العمل السياسي والمشاركة السياسية، ليس في المرحلة الأولي فقط، بل في كل المراحل التالية. لذا فالمهمة المطلوبة من المجتمع، هي مهمة إعادة تأهيل الدولة، وإعادة بناء قدرات المجتمع، وتأسيس نظام سياسي عادل وحر، وتأسيس أطر مجتمعية نشطة وفعالة. وكل هذه المهام هي جزء من المرحلة الانتقالية، وبعدها تستعيد الدولة دورها، ويستعيد المجتمع دوره وحقوقه. وهذه المراحل لن تبني في مرحلة تأمين الطريق، أي المرحلة الانتقالية الأولي التي يتولي فيها المجلس العسكري إدارة شئون البلاد. لذا فالمطلوب في مرحلة ما بعد الاستفتاء علي التعديلات الدستورية، والذي حدد خريطة طريق لوضع الدستور الجديد، هو تأمين الطريق حتي يتم تسليم السلطة لسلطة مدنية منتخبة من الشعب، ووضع دستور جديد.وربما تكون مسألة الانفلات الأمني، ومعها أهمية عودة عجلة الاقتصاد، والسيطرة علي رموز النظام السابق ووضعهم رهن التحقيق، من أهم الخطوات اللازمة لتأمين المرحلة الانتقالية. لكن من جانب آخر، لا يتصور أن تتحول المرحلة الانتقالية، إلي عملية يتم من خلالها تقديم مطالب الشعب في ميدان التحرير، ويكون علي المجلس العسكري تنفيذ هذه المطالب، وكأن المجلس العسكري قد أصبح المسئول علي تحقيق كل مطالب الشعب، وما علي الشعب إلا التظاهر. صحيح أن المجلس العسكري حمل مطالب الثورة الشعبية وأصبح مسئولا عن تنفيذها، لذا أصبح من المهم استمرار الزخم الشعبي لدعم ودفع المجلس العسكري لتنفيذ المطالب الشعبية، ولكن يجب تحديد دور المجلس العسكري، فهو مسئول عن تأمين المسار، واتخاذ الخطوات الضرورية، ورسم الجدول الزمني، ثم تسليم السلطة للشعب، ليقوم الشعب ببناء المستقبل الذي ينشده. ولكن البعض يريد طرح تصوره السياسي علي المجلس العسكري، ويعتبر تصوره تمثيلا لقوي الثورة، ويريد من المجلس العسكري أن يتخذ قرارات تميز بين خيارات سياسية مختلفة، ويدفع المجلس العسكري ليكون طرفا في بناء النظام السياسي الجديد، وهو ما يورط المجلس بين القوي السياسية المختلفة، والتي وقف منها المجلس علي مسافة واحدة. والحقيقة أن النظام السياسي الحر والعادل الذي يريده الشعب، لا يمكن أن يتحقق إلا إذا تم بناؤه بالإرادة الشعبية الحرة.