بدء الدراسة لمرحلة البكالوريوس بكلية طب وجراحة الفم والأسنان جامعة سوهاج    مصر للطيران تشارك في ملتقى السياحة والمسئولية المجتمعية بمؤسسة 57357    تصاعد الخلافات بين أبوظبي والخرطوم، ماذا بعد قصف مقر السفير الإماراتى في السودان؟    وول ستريت جورنال تتحدث عن استراتيجية جديدة لإسرائيل في لبنان    الزمالك يعلن رسميا التعاقد مع جيفرسون كوستا 4 مواسم ويقيده أفريقيا    تجديد حبس المتهم بطعن شاب في مشاجرة بمنشأة القناطر    "الإنسان وبناء الحضارات" في نقاشات بقصور ثقافة الأقصر (صور)    إعلام فلسطيني: شهيد في قصف للاحتلال استهدف منزلا في خان يونس جنوب قطاع غزة    محافظ مطروح يتفقد القافلة الخدمية الشاملة لقرية الزغيرات بمدينة النجيلة في إطار المبادرة الرئاسية "بداية"    «اجتماع طارئ».. شوبير يكشف تطورات جديدة في القائمة الدولية للحكام    يوتيوب دون تقطيع الآن.. مباراة الأهلي السعودي والوصل Al-Ahli vs Al-Wasl اليوم في دوري أبطال آسيا للنخبة 2024    التعليم: مادة التاريخ الوطني ل«2 ثانوي» غير أساسية    مصرع فتاة بسبب جرعة مخدرات بالتجمع الخامس    النيابة نستمع لأقوال اثنين من الشهود بواقعة سحر مؤمن زكريا    إنشاء قاعدة بيانات موحدة تضم الجمعيات الأهلية بالدقهلية    «الأونروا»: الظروف الصحية والمعيشية في قطاع غزة غير إنسانية    متاحف الثقافة ومسارحها مجانًا الأحد القادم    «كونشيرتو البحر الأحمر» في افتتاح ملتقى «أفلام المحاولة» بقصر السينما    6 أكتوبر.. مؤتمر صحفي للإعلان عن تفاصيل الدورة السابعة لمهرجان نقابة المهن التمثيلية للمسرح المصري    الكشف على 351 حالة بقافلة الهلال الأحمر في المنوفية    برلمانية: هل سيتم مراعاة الدعم النقدي بما يتماشى مع زيادة أسعار السلع سنويًا والتضخم؟    1 أكتوبر.. فتح باب التقديم للدورة الخامسة من "جائزة الدولة للمبدع الصغير"    ننشر التحقيقات مع تشكيل عصابي من 10 أشخاص لسرقة السيارات وتقطيعها بالقاهرة    100 يوم صحة.. تقديم 95 مليون خدمة طبية مجانية خلال شهرين    طريقة عمل المسقعة باللحمة المفرومة، لغداء شهي ومفيد    ناصر منسي: إمام عاشور صديقي.. وأتمنى اللعب مع أفشة    الإدارية العليا: وجوب قطع المرافق في البناء المخالف والتحفظ على الأدوات    المصرية لصناعة الرخام: المجمعات الصناعية بالمحافظات تساهم في الاستغلال الأمثل للخامات الطبيعية    احتفالاً بذكرى انتصارات أكتوبر.. فتح جميع المتاحف والمسارح مجانًا للجمهور    سياسيون: الحوار الوطني يعزز وحدة الصف ومواجهة التحديات الأمنية الإقليمية    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة غدا الثلاثاء 1 - 10 -2024    جمارك مطار الغردقة الدولي تضبط محاولة تهريب عدد من الهواتف المحمولة وأجهزة التابلت    مصرع شخص دهسته سيارة أثناء عبوره الطريق بمدينة نصر    جامعة بنها: منح دراسية لخريجي مدارس المتفوقين بالبرامج الجديدة لكلية الهندسة بشبرا    إيران تعلن رغبتها في تعزيز العلاقات مع روسيا بشكل جدي    كريم رمزي: عمر مرموش قادر على أن يكون الأغلى في تاريخ مصر    عاجل:- بنيامين نتنياهو يحرض الشعب الإيراني ويهاجم قيادته: "إسرائيل تقف إلى جانبكم"    هيئة الاستشعار من البُعد تبحث سُبل التعاون المُشترك مع هيئة فولبرايت    مجلس النواب يبدأ دور الانعقاد الخامس والأخير و 5 ملفات ضمن الاجندة التشريعية    أفلام السينما تحقق 833 ألف جنيه أخر ليلة عرض فى السينمات    «أوقاف مطروح» تكرم 200 طفل من حفظة القرآن الكريم في مدينة النجيلة (صور)    محافظ الشرقية يُناشد المزارعين باستثمار المخلفات الزراعية.. اعرف التفاصيل    وزير الشباب يستعرض ل مدبولي نتائج البعثة المصرية في أولمبياد باريس 2024    محافظ القاهرة يشهد احتفالية مرور 10 أعوام على إنشاء أندية السكان    تهدد حياتك.. احذر أعراض خطيرة تكشف انسداد القلب    بعد رسالة هيئة الدواء.. خدمة للمرضى لمعرفة "بدائل الأدوية"    تسييم شماسا جديدا في مطرانية القدس الأنچليكانية الأسقفية    بعد واقعة مؤمن زكريا.. داعية: لا تجعلوا السحر شماعة.. ولا أحد يستطيع معرفة المتسبب فيه    ضبط 1100 كرتونة تمور منتهية الصلاحية بأسواق البحيرة    فريق هاريس يتودد للجمهوريين لكسب تأييدهم للمرشحة الديمقراطية بانتخابات أمريكا    مدير متحف كهف روميل: المتحف يضم مقتنيات تعود للحرب العالمية الثانية    «المالية»: إطلاق مبادرات لدعم النشاط الاقتصادي وتيسيرات لتحفيز الاستثمار    «بيت الزكاة والصدقات» يبدأ صرف إعانة شهر أكتوبر للمستحقين غدًا    نائب الأمين العام لحزب الله يعزي المرشد الإيراني برحيل "نصر الله"    أمينة الفتوى: هذا الفعل بين النساء من أكبر الكبائر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 30-9-2024 في محافظة قنا    التحقيق مع المتهمين باختلاق واقعة العثور على أعمال سحر خاصة ب"مؤمن زكريا"    الأهلي يُعلن إصابة محمد هاني بجزع في الرباط الصليبي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العلاقة بين ربيع العرب وربيع أوروبا
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 03 - 06 - 2011

أتجول بين يوم وآخر في صفحات عدد لا بأس به من الصحف الأوروبية. في الأيام الأخيرة تكثف التجوال تحت ضغط أحداث بالغة الأهمية تجري هنا وأحداث تجري هناك وتزداد مع الأيام أهميتها. هنا، في مصر وعدد من الدول العربية نتحدث عن ثورات ناشبة بالفعل. وهناك في اليونان وعدد من الدول الأوروبية يتحدثون عن 'أوضاع حبلي بالثورة'. ولما كنا في عالم متواصل ومتشابك صار الغاضبون في كل المجتمعات يستعيرون من بعضهم البعض مفاهيم وممارسات ولافتات وشعارات، يؤقلمون منها ما تحتاجه الظروف المحلية ويتركون أخري علي حالها إلهاما ودروسا. هكذا خرج محتجون في ولاية ويسكونسن الأمريكية يرددون شعارات سبق أن أطلقها تيار من تيارات الثورة المصرية، وشاهدنا جماهير المتظاهرين في أسبانيا ينقلون عن ثوار التحرير في مصر استراتيجيات الحشد والتظاهر والاعتصام وتكتيكات التعامل مع الحصار الأمني.
يبدو أن الربيع لم يعد عربيا صافيا، أراه امتد طولا وعرضا بعد أن أينعت باسمه زهور في أوروبا فسبقت غيرها. سبقت ربما لأنها الأقرب وهو السبب الذي يردده بعض كبار الكتاب الغربيين، وربما لكونها القارة التي تحملت أكثر من غيرها عبء الأزمة المالية العالمية منذ عام 2008، وربما لأنها مهد الثورات الأعظم في التاريخ، هذه الثورات التي بدونها ما تقدم الإنسان أو تحضر وما ارتقت الثقافات وازدهرت وما عاشت المجتمعات مراحل طويلة من الاستقرار والسلام في أعقاب مراحل ساد فيها القمع والاستبداد والظلام، بدونها ما ظهرت العقائد والايديولوجيات.
أتخيل مؤرخا يظهر بعد قرن من الزمن. أتخيله وقد أقدم علي كتابة سيرة أوروبا في مطلع القرن الحادي والعشرين. أتخيله في صورة إربك هوبسباوم المؤرخ البريطاني الذي أعاد كتابة تاريخ أوروبا في مطلع القرن العشرين، وأتخيله معتمدا علي كتابات نيال فيرجسون المؤرخ البريطاني المقيم في الولايات المتحدة وعلي مؤلفات المؤرخ الشعبي الأمريكي الراحل هوارد زين وعلي كثير من التحليلات والكتابات الأكاديمية الجيدة، وإن متسارعة، التي تحاول منذ شهور تفسير ظاهرة الربيع العربي. بعضها يناقش آثار ربيع العرب المباشرة وغير المباشرة علي التطور السياسي والسكاني والاجتماعي في المجتمعات الأوروبية. أتخيله أيضا في الصورة التي تخيلت فيها كل المؤرخين الذين سجلوا مراحل ثورة 1848 التي شبت في معظم أنحاء أوروبا في آن واحد به وكان لها فضل كبير علي كثير من التطورات العظمي التي شهدتها القارة خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وفي صدارتها التوسع الإمبريالي الهائل في أفريقيا خاصة وفي الصين وآسيا بشكل عام.
يرفض معلقون وسياسيون إطلاق صفة الثورة علي أعمال الغضب المنتشرة في اوروبا، بعض هؤلاء يرفض كذلك إطلاق هذه الصفة علي 'الأحداث الكبري' الناشبة في العالم العربي. يستندون جميعا إلي حجة تقليدية وهي أن للثورة شروطا ومواصفات غير متوافرة في الأحداث الراهنة عربية كانت أم أوروبية. يري آخرون في هذا الرأي تعسفا في تعريف الثورة لأنه يضع للثورة شروطا مثالية لم تتوافر في الواقع إلا في القليل جدا من الثورات العظمي.
نعرف ونقدر أن 'ثورات' العصر لابد أن تختلف عن ثورات التاريخ القديم منها والوسيط وربما أيضا الحديث. نعرف مثلا بالملاحظة والمقارنة أن بعض الثورات المعاصرة تجري في حضور الدولة حضورا شبه كامل وفي الغالب غير متقطع. يختلف الأمر بطبيعة الحال بين مجتمع استقرت فيه كثير من معالم الدولة العصرية مثل تونس أو مصر ومجتمع لم تستقر فيه معظم معالمها. ففي حالات بعينها لم يؤثر رحيل رأس النظام علي استمرار الدولة في تأدية معظم وظائفها، بينما في حالات أخري نلاحظ ترددا دوليا وعربيا شديدا في اتخاذ موقف حاسم مؤيد لمطلب تنحي أو رحيل الرئيس خشية عواقب كارثية تنتج عن اختفائه باعتباره الرئيس الأعلي لطائفة أو مذهب أو لدوره كموازن بين القبائل والعشائر.
لاحظنا مثلا أن التفهم الأوروبي للثورتين التونسية والمصرية كان، وربما لايزال، مستندا للاعتقاد بأن الثورة في الحالتين ظاهرة تستحق الاهتمام والرعاية ليس بسبب النماذج التي قدمتاها كإضافات لفكر وممارسات ظواهر اجتماعية بالغة الأهمية مثل الغضب والاحتجاج والثورة ولكن أيضا لأنهما تبدوان 'أوروبيتين' في جوانب كثيرة.
يتظاهر الثوار في الميادين ثم يعود بعضهم إلي المنازل والأعمال والملاهي ويعتصم البعض الآخر. يحدث هذا في تونس وفي مصر ولكنه لا يحدث في جميع المدن التونسية في آن واحد، لا يحدث في سوسة وبنزرت والقيروان والمهدية في الوقت نفسه الذي يحدث فيه في تونس العاصمة، وهو لا يحدث في قنا وأسيوط وبني سويف وكفر الشيخ ودمنهور في الوقت نفسه الذي يحدث فيه في القاهرة والاسكندرية. يحدث أيضا في مدريد وبرشلونة ويحدث في أثينا وحدث في لندن وباريس، ولكنه لا يحدث في مدن مدن إسبانيا واليونان والمملكة المتحدة وفرنسا. المؤكد، وأيا كانت الصفة التي تلصق بهذه الاحداث، ثورة أم اضطرابات أم تمرد أم تدخل أجنبي، هو أنها تجري بينما الدولة تعمل وعجلة الإنتاج تدور وشوارع المدن تكتظ بالسيارات والقطارات والطائرات تلتزم مواعيدها والاتصالات متواصلة ومنتظمة والأمن 'القومي' مستتب.
من هذه الكوة التي ننظر منها إلي حاضرنا المثقل بالتطورات الجسام والتفاصيل المرهقة وأحيانا المتناقضة، لن نفلح في وضع تعريف شامل وكاف للثورة العربية أو في وضع حدود زمنية وجغرافية لها ولن يفلح الأوروبيون في وضع تصور كامل لحال 'الثورة' الناشبة فيها. قد يأتي مؤرخ بعد قرن من الزمان أو أكثر يقرأنا ثم يصف لأجيال من بعدنا حالنا التي نمر فيها ويرتب أولوياتها وأهدافها ويحقق في ثمارها وعواقبها. أكانت ثورة؟ وإذا كانت ثورة، فكيف حدث أن تشابهت ممارساتها في أوروبا مع ممارساتها في بعض أنحاء العالم العربي؟ ثم ما الاسباب التي جعلت عالم العقد الثاني من القرن العشرين يغلي بأعمال الاحتجاج والغضب والثورة رغما عن أنه يعيش مرحلة تتسم بقدر عال من السياسات التعاونية وليست الصراعية بين الدول العظمي.
لن يجيبنا عن أي من هذه الأسئلة خبير معاصر، سواء كان عالما في السياسة أو أستاذ تاريخ أو عالم اجتماع. ولن نجد الإجابة في تحركات قوي سياسية وتيارات اجتماعية تحرز اليوم نصرا وتفقده غدا، ولن نجدها في قرارات قمة الثماني ولا قمة العشرين ولا حلف الملوك ولا فلول العهد القديم.
لن نعرف الإجابة الآن، ولكننا، ومع كل يوم يمر علينا والناس غاضبة في الميادين وفي الوقت نفسه مجتهدة في مصانعها ومزارعها ومكاتبها، نصنع التفاصيل اللازمة للإجابة الصحيحة التي سيتوصل إليها مؤرخون عظام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.