الإمارات تزف موكب شهداء خمسة وأربعين شهيداً، عاهدوا الله أن يكونوا جنوداً لهذا الوطن، يضحون في سبيله وفي سبيل أمنه واستقراره بأرواحهم، يخدمون قضيته، ويمثلون صورته، وهاهم يصدقون فيما عاهدوا الله عليه.. ها هم يقضون نحبهم وينالون شرف الشهادة، ويحظون بمنحتها التي لا ينالها إلا صادق العهد والوعد، المخلص في طلبها. رجال الوطن عاهدوا الله أن يظلوا ثابتين في الوغي، وأن يكونوا أشداء في وجه المعتدين، عاهدوا الله علي النصر أو الاستشهاد، وها هم يوفون بعهدهم، ويقضون نحبهم في أرض حملوا إليها مشاعل الأمل ليعيدوا إلي شعبها الحياة، ليحقنوا دماء المسلمين، ليطفئوا نار الفتنة، ليجنبوا شعب اليمن، حريق الصراع الطائفي. جنود عاهدوا وصدقوا في حمل أمانتهم، وفي تحمل مسئولياتهم، وفي الوفاء بوعدهم وفي التضحية بأرواحهم. رحل من عاهدوا، ومن صدقوا العهد، رحلوا شهداء، تزفهم قيم الشرف والعزة، إلي مثواهم الأخير مع الأنبياء والصديقين في الفردوس الأعلي من جنات النعيم بإذن رب العالمين. قلوبنا تقطر لوعة وألما علي فراقهم.. ولكن أعناقنا مرفوعة بهم ولهم، فلقد سطروا أسماءهم في سجل الفخر والعزة والشرف والإيمان وصدق الوعد والتضحية، يتشاركون من سبقوهم في هذا الشرف. قلوبنا تبكي، فالمصاب جلل، ولكنهم شرف الأمة وشرف الوطن، شهداء الواجب، شهداء العهد والوعد، من كانوا في وجه النار، من حملوا مشاعل الأمل، والإنسانية، والأمن، والخير، ومن جعلوا دمائهم فداء لقضيتهم التي ذهبوا يطلبونها ويطالبون بها. رجال صدقوا.. إنهم رجال هذا الوطن: الإمارات، الوطن الذي صنع رجالاً لا يهابون الموت، ينتظرون دورهم لكي يؤدوا دورهم في حماية الوطن والأمة، جسارتهم تقض مضجع العدو وتزلزل كيانه فلا يواجهها إلا بالغدر والخيانة. قلوبنا تقطر ألماً، والحزن في كل بيت إماراتي، ولكن موكب الشهداء، يجعل كل مواطن إماراتي مشروع شهيد لهذا الوطن. رحل من عاهدوا ومن صدقوا، والآخرون ينتظرون، فالمرحلة مصيرية والأخطار تهدد المنطقة، والأيام حبلي بما هو غير متوقع، صفوف من ينتظر من المعاهدين طويل جدا فمن يعاهدون ويصدقون الوعد هم من يقوم بهم الوطن وبه يقومون، إنهم رجال الوطن الذي يفتخر بهم وبهم يقوم، يشد بهم وجوده ويشتد بهم عوده ويرفع بهم قامته ويحمي بهم مكتسباته. في صلابتهم وفي صبرهم وفي شجاعتهم وجسارتهم حياة وبقاء، يتلقون الشدائد بقلوب ثابتة، آمنة، مطمئنة، فقضيتهم أن يصدقوا العهد وما عاهدوا به. رجال هذا الوطن صدقوا العهد، والوعد ورووا بدمائهم الطاهرة أرضا رحلوا إليها حاملين الأمل، وحاقنين للدماء بإزالتهم فتيل الفتنة. رجال صدقوا في عهدهم فاختاروا الشهادة وهي منحة وليست محنة، ومن ينتظرون علي الطريق.. وطن عاهدنا أن نكون له ومن أجله وسنظل علي العهد والوعد مهما كان الألم ومهما قدمنا من تضحيات ومهما بذلنا في سبيله من أرواح، إنه وطن زايد، الوطن الذي صنع الرجال الذين نزفهم اليوم إلي مثواهم، والوطن الذي ينتظر فيه كل من مواطن أن يحظي بتلك المنحة التي يختار الله لها رجال صادقون في وعدهم ووعدهم. صادقون في عهدنا ووعدنا، جنود لهذا الوطن، لا يكسرنا الألم بل يزيدنا قوة وهمة لأنه وطن صدق الوعد وسنصدقه العهد جيلاً بعد جيل.