يتوجه الناخبون اليوم في بوروندي إلي صناديق الاقتراع لاختيار رئيسهم في انتخابات أثارت جدلا واسعا داخليا وخارجيا علي مدار الأشهر الماضية ، وتسببت في اندلاع واحدة من أسوأ الأزمات السياسية في تاريخ البلاد. ويبدو أن انتخابات اليوم لن تشهد تنافسا ساخنا بين المرشحين حيث سيخوض المعركة الانتخابية الرئيس بيير نكورونزيزا، والذي أثار ترشحه أعمال عنف واسعة علي مدار الثلاثة أشهر الماضية، أمام منافسه الوحيد أغاتون رواسا وذلك بعد انسحاب المرشحين الثلاثة الآخرين وهم جان ميناني رئيس الحزب المعارض فروديبو، ورئيسا الدولة السابقان دوميسيان ندازيزيي وسيلفستر نتيبانتوجانيا. وجاء هذا الانسحاب قبل ثلاثة أيام من إجراء الانتخابات الرئاسية نتيجة اعتراض المرشحين علي خوض الرئيس نكورونزيزا المعركة الانتخابية وترشحه لولاية ثالثة معتبرين أن المناخ السياسي والأمني الراهن لا يتسم بالشفافية والتعددية التي تضمن نزاهة العملية الانتخابية. ورغم أن رواسا هو الوحيد الذي استمر في خوض سباق الرئاسة أمام نكورونزيزا إلا أنه شكك في شرعية الانتخابات معلنا رفضه ترشح الرئيس لفترة ولاية ثالثة. وأ ثارت مسألة ترشح نكورونزيزا في أبريل الماضي أسوأ أزمة سياسية في بوروندي منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 2000، حيث قوبل هذا القرار باعتراض كبير من قبل المعارضة ومنظمات المجتمع المدني التي وجدت أن هذا الترشح يعد غير شرعي ومخالفا للدستور. وأدي هذا الأمر إلي اندلاع موجة عارمة من الاضطرابات السياسية داخل البلاد والتي أسفرت عن سقوط 100 قتيل وإصابة مئات الأشخاص واعتقال ما بين 800 إلي 1000 شخص فضلا عن فرار نحو 150 ألف شخص إلي الدول المجاورة. وفي التاسع والعشرين من يونيو الماضي أصرت السلطات البوروندية علي إجراء الانتخابات التشريعية والبلدية، بعد أن تم تأجيلها عدة مرات، علي الرغم من مقاطعة المعارضة وانتقاد مختلف الأوساط الأقليمية والدولية، وأظهرت النتائج فوز الحزب الحاكم 'مجلس الوطني للدفاع عن الديمقراطية' ب77 مقعدا في مجلس النواب البالغ مجموع مقاعده 100 مقعد. وخلال الأيام الأخيرة خرجت العديد من المظاهرات التي ضمت مئات المحتجين إلي الشوارع مرددين شعارات وملوحين بلافتات ترفض ترشح الرئيس الحالي لفترة ثالثة، وبعد تصاعد حدة التوتر فتح رجال الشرطة النار علي المتظاهرين، مما أسفر عن إصابة عدد كبير منهم. وفي محاولة لاحتواء الأزمة قبل إجراء الانتخابات الرئاسية، استضافت أوغندا الأسبوع الماضي محادثات سلام جمعت بين ممثلي الحكومة وأحزاب المعارضة، ونجح الطرفان في التوصل إلي اتفاق بشأن المحاور العريضة للحوار، خاصة ما يتعلق بالجانب الأمني والأجندة الانتخابية، إضافة إلي ولاية نكورونزيزا الثالثة وحكومة الوحدة الوطنية. وعقب نهاية المناقشات بشأن النقطة الأولي، وقبل الخوض في النقطة الثانية المتعلقة بالمواعيد الانتخابية، قاطعت الحكومة البوروندية الحوار السياسي مع المعارضة مما أدي إلي فشل المحادثات. ورغم الأوضاع المتردية التي تشهدها البلاد وتهديدات بعض الجهات المانحة بقطع مساعدتها، رفضت السلطات البوروندية إرجاء الاقتراع الرئاسي من جديد - بعد تأجيله مرتين - متذرعة بخطر حدوث فراغ في المؤسسات مع انتهاء ولاية نكورونزيزا في 26 أغسطس المقبل. وفي ضوء ما سبق أصبح من الواضح أن نتائج انتخابات اليوم محسومة مسبقا وأن الرئيس نكورونزيزا سيخرج منها بلا شك فائزا بولاية جديدة لرئاسة البلاد، ولكن السؤال الذي يدور في أذهان المهتمين بالشأن البوروندي ما هي تداعيات هذا الفوز علي الصعيدين الداخلي والخارجي؟ أو بمعني آخر كيف ستتقبل المعارضة هذا الأمر وما هو رد الفعل الدولي تجاه هذا الفوز؟. وفي محاولة للبحث عن إجابة لهذه التساؤلات، يتفق معظم المراقبين علي أنه من غير المرجح أن تؤدي انتخابات اليوم إلي تهدئة الأوضاع داخل البلاد بل علي العكس يتوقع هذا الفريق أنها ستقود إلي زيادة حدة الاحتقان مما قد يهدد بمزيد من التصعيد للأزمة سياسيا وأمنيا. ويري هذا الفريق أن المعارضة لن تتقبل فوز نكورونزيزا بسهولة وستظل مشككة في نزاهة العملية الانتخابية وهو ما قد يؤدي بدوره إلي تزايد حدة الاضطرابات والانفلات الأمني ومزيدا من التردي للأوضاع الاقتصادية. ويدعم هذا الفريق رأيه بالتأكيد علي أن الرئيس يواجه هذه المرة معارضة شرسة لا تقتصر فقط علي تحالف المعارضة بل تمتد لتشمل الكثيرين داخل صفوف الحزب الحاكم. ونتيجة لذلك لا يتوقع قبول هذا الفوز بشكل سلمي وهادئ بل ينتظر أن تستمر المعارضة في احتجاجاتها الرافضة لشرعية الرئيس مما قد يؤدي إلي انزلاق البلاد في سلسلة متواصلة من الأزمات. أما علي الصعيد الدولي فيتوقع هذا الفريق من المراقبين أن يواجه المجتمع الدولي مأزقا عميقا في هذا الشأن، فمن ناحية لا ينتظر أن يحظي الرئيس بترحيب أو تعاطف الأوساط الدولية في ظل استمرار المعارضة الداخلية له ولكن في الوقت نفسه يظل نكورونزيزا يمثل النظام الشرعي الوحيد في أعين المجتمع الدولي، حيث أنه جاء نتيجة لانتخابات استوفت المعايير الشرعية، ومن ثم من المستبعد أن يتم تجاهله أو عدم الاعتراف به. وفي خضم هذا الوضع المضطرب، يبدو جليا - من وجهة نظر المراقبين - أن الوضع في بوروندي ينبئ بقرب اندلاع أزمة واسعة قد تهدد مستقبل البلاد واستقراره حيث تتداخل طموحات القيادة السياسية المستعدة للبقاء في السلطة بأي ثمن مع رفض حاسم وقاطع من قبل المعارضة وشريحة واسعة من المواطنين تتمسك بالشرعية وتعارض انتهاك الدستور. وفي ضوء ذلك يري المراقبون أن السبيل الوحيد لاحتواء الأزمة يتمثل في الجلوس علي طاولة المفاوضات وفتح باب الحوار بين السلطة والمعارضة تمهيدا للوصول إلي حل توافقي يحفظ مصالح البلاد ويجنبها الانزلاق في دوامة جديدة من العنف.