الفلاح المصري ذكر عشرات المشكلات التي يعاني منها وسط تجاهل الدولة لأهمية دوره والذي يتمادي يوما بعد يوم حتي وصل إلي حصار من الحكومة للفلاحين بعدم تسويق محاصيلهم وتركهم فريسة للفوائد الاستثمارية التي يفرضها بنك التنيمة والائتمان الزراعي، وتهددهم بالحبس وأخيرا قرار وليس آخر قرار وزير الزراعة برفع الدعم عنهم وأكبر أزمات الفلاح عدم مساعدته علي تسويق محصوله فحتي سنوات قريبة كانت هناك سويقة في كل قرية لتسويق وبيع منتجات الأهالي من المزروعات والخضر والفاكهة، فكان تجار الفاكهة والخضراوات وأحيانا المواطنون، يشترون بضاعتهم من فلاحي القرية، قبل أن يتم توريد وبيع الفائض في سوق العبور إلا أن الحكومة قررت فجأة إلغاء هذه السويقات واعتماد سوق العبور كمحطة عمومية للبيع والشراء رغبة منها في توسيع عمليات التوريد والبيع والشراء بالسوق. وتسبب هذا القرار في كوارث كثيرة للفلاح والمستهلك، تتمثل في زيادة تكلفة النقل علي المنتجات، وبُعد المسافة بين نقطة الإنتاج ونقطة التسويق، وهو ما يستهلك الكثير من الوقت، ويحتاج إلي من يؤدون الأدوار المساعدة مثل العتالة والشيالة ما يضاعف التكلفة النهائية علي المستهلك بالإضافة إلي افتقاد أهالي القري لمنتجاتهم، ما وصفه أحد فلاحي قرية المعتمدية ببولاق الدكرور متهكما يعني أنا أزرع وأبيع في العبور، وأرجع تاني من العبور للقرية، علشان أشتري شوية طماطم وخيار وحمل مجدي أبو العلا، نقيب الفلاحين بالجيزة وزارات الزراعة والتموين والتنمية المحلية، المسئولية في إلغاء السويقات متسائلا عن سبب رفض الحكومة طوال هذه المدة، الموافقة علي إنشاء سويقات جديدة بالقري مفسرا الأمر بأن الحكومة لديها رغبة في إحكام قبضتها علي الفلاح، وتشغيل سوق العبور دون النظر إلي الآثار السلبية لهذا القرار وإلي احتياجات أهل القري من الفلاحين الذين تضعهم الحكومة دائما في ذيل اهتماماته وطالب أبو العلا بتفعيل دور وزارة الاستثمار والدبلوماسية المصرية ممثلة في الملحق التجاري المصري في كل السفارات، بمتابعة احتياجات الدول الخارجية، من الخضار والفاكهة التي تنتجها مصر والتنسيق مع وزارة الزراعة لتحديد المساحات المزروعة للتصدير بعد استيفاء الاستهلاك المحلي كاملا، وبيع المنتج التصديري للخارج، وتوفير العملة الصعبة للبلاد واستدرك لكن الوزارات المصرية وزارات عقيمة لا تنجب ولا تنتج ولا تبيض.. مجرد موظفين يجلسون علي المقاعد كل تفكيرهم محصور في تسجيل اسمائهم بدفاتر الحضور والتزويغ دون أن يكتشفهم أحد. بنك التنمية الزراعي.. في البدء كان بنك التسليف، وهو البنك الذي أنشأه الفلاحون بأموالهم أيام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، بدفع كل منهم خمسة جنيهات، ليكون رأس مال بنك التسليف ملكا للفلاحين المصريين جميعا ثم تحول إلي بنك التمية والائتمان الزراعي الذي أصبح بنكا استثماريا بعد رفع قيمة الفائدة إلي 12% في بعض الأحيان، وهو ما يضيف عبئا آخر علي الفلاح. ومن بين المشكلات التي تحاصر الفلاحين أيضا قلة السماد، الذي من المفترض أن توفره الجمعية الزراعية، لكن الفلاح يشتريه من السوق السوداء، كما يعاني من جفاف الترع ونقص المياه، وأحيانا تلف المحصول لأسباب كثيرة، ليكتمل حصاره بين ضغوط الحياة وتجاهل الحكومة له ولدوره. وهاجم الفلاحون الحكومة لأن أغلبهم يقترضون أموالا لتسيير أمورهم وفتح باب جديد لكسب العيش سواء بشراء رأس ماشية أو رأسين من الغنم وربما تموت الماشية ويتعرض الفلاح لخسائر وديون أكبر من البنك وعند العجز عن السداد يتطور الأمر إلي الحجز علي الممتلكات أو الحبس. أزمة السماد توفير السماد.. من أصعب المشكلات التي تواجه الفلاحين، ورغم أن احتياجات الفلاح من السماد بحسب النبات المزروع، لكن الحكومة لا تعترف إلا بما تقرره هي بصرف 'شيكارة واحدة' للفدان، هذا إن وجدت من الأساس، بحسب وليد، أحد فلاحي القرية، في حين تحتاج بعض المزروعات كالطماطم والخضراوات إلي 6 شكارات للفدان الواحد، فيضطر الفلاحون إلي شراء 'الكيماوي' من السوق السوداء، لاستيفاء احتياجات الأرض، فالحكومة لا تعرف الطماطم. يروي وليد أنه في مرة ذهب إلي الجمعية الزراعية للحصول علي 'السماد/الكيماوي'، وأمام طول الانتظار اضطر للجلوس علي مقهي بلدي بجوار الجمعية، إلا أنه فوجئ أن سعر كوب الشاي جنيه، ما أزعجه كثيرا.... دول شوية مية وحبة شاي ياخد جنيه عليهم ليه؟. يبدو من حديث وليد أنه لم يعتد ارتياد المقاهي، وهو ما يؤكده بقوله 'قهاوي إيه ونيلة إيه؟ لو فيه فضلة وقت الواحد ييجي يعزق له شوية في الأرض، ولو علي الشاي ملحوقة في الداروببلاش مع عدم توفر السماد، واضطرار الفلاحين إلي شرائه من السوق السوداء، تظهر مشكلة أخري، وهي الارتفاعات المتوالية في أسعاره، فبعد أن كان سعر شيكارة النترات ب75 جنيها، ارتفع بشكل متتالٍ ليصل إلي 105 جنيهات، مثلها مثل شيكارة 'اليوريا' التي كان سعرها 70 جنيها فقط. محمود، فلاح آخر من القرية يري أن 'حسبة الزراعة مش جايبة تمنها.. الأرض تصرف أكثر ما تنتج.. كيماوي، وبذور ومكن ري وسولار وحصاد، وأكل وعلف للمواشي لا يجني الفلاح منها إلا الخسارة، خاصة بعد إلغاء موسم الزراعة النيلي وبحسب محمود فإنهم كانوا يزرعون ثلاثة مواسم صيفي وشتوي ونيلي، موسم كل أربعة شهور، إلا أن الحكومة قررت إلغاء الموسم النيلي، واعتماد الصيفي والشتوي فقط، ليبدأ بعدها سلسلة الإلغاءات في 'السويقات، والسماد و.. ، بعد حساب المصروفات والإيرادات، تكون النتيجة النهائية مش جايبة تمنها ولأن الزراعة لم تعد تكفي احتياجات الفلاحين أثر ذلك علي قدرته علي التعامل مع الأحداث الكبيرة في حياته.. حيث ترتبط أيام الفلاح ومناسباته بموسم الحصاد، فالزواج ومناسباته مرتبطة ببيع المحصول، وتحديد مواعيد الزواج يتم بعد ضم الرزأو ضم الغلةحتي يضمن الفلاح توفر سيولة تعينه علي سداد التزاماته ناحية زواج ابنه أو بنته، خصوصا م ع ارتفاع تكاليف الزواج. أزمة المياه. من بين المشكلات أزمة عدم توافر مياه الري.. وفي قرية المعتمدية، ترعة ممتدة من ترعة الإبراهيمية، حتي نهاية زمام القرية، من المفترض أنها تروي مساحة 3 آلاف فدان، إلا أنها تعاني الجفاف منذ أكثر من 12 عاما بالتمام. في حسرة ينزل أحد الفلاحين إلي ما كان مجري مائي قبل أن يجف، ويجف معه اللبن في ضروع المواشي، ويفقد الزرع مصدر الحياة، وتبور مساحات من الأراضي، ما أجبر الفلاحين علي 'دق' طلبمات مياه ارتوازية بالتشارك بينهم، ما يضيف معاناة أخري تتمثل في أهمية الحفاظ علي الطلمبة، وتوفير الوقود والصيانة اللازمة لها، وكذلك تبادل أدوار الري بالتوافق بينهم، لأن الطلمبة لا تضخ مياها تكفي احتياجات الجميع في وقت واحد، مع أن حل المشكلة بسيط، يتطلب إنشاء الحكومة محطة رفع لتغذية الترعة بالمياه. ويري محمد العقاري نقيب الفلاحين أن أكبر أزمة تواجه الزراعة تتمثل في ضعف تسويق المحاصيل الزراعية، ما أدي إلي عزوف الفلاحين عن زراعة محاصيل الأمن الغذائي، كالقمح والطقن والأرز والذرة، مشيرا إلي أن السبب في ذلك هو وزارة الزراعة، التي لم تطبق نظام الزراعة التعاقدية، لتشجيع الفلاح علي زراعة المحاصيل الاستراتيجية التي تحتاجها الدولة وتستوردها من الخارج. ويري العقاري أن قرار وزير الزراعة برفع الدعم عن القطن أصاب المزارع بالإحباط، حيث حددت الدولة العام الماضي 800 جنيه كتسعيرة لشراء القطن من الفلاحين، ما دفع بعضهم إلي إحراق المحصول داخل الأرض والبعض الآخر قرر عدم زراعته لتكلفته الباهظة، التي لن يتمكن الفلاحون من جمع ثمن زراعته. وأضاف: فما بالك برفع الدعم أصلا عن زراعته، فهذا القرار لن يتحمل تبعياته الفلاح بمفرده، إنما ستدفع الدولة أيضا ثمنه، لأنه سيؤدي إلي امتناع الفلاحين عن زراعة القطن، ما يضعف اقتصاد الدولة لأن القطن ثروة قومية، والحكومة تصدره عالميا. وطالب نقيب الفلاحين الدولة بمد الفلاح بمستلزمات الزراعة، وتوجيهه لزراعة أنواع المحاصيل، التي يمكن تسويقها في الداخل أو الخارج، لتحافظ علي توازن عناصر الأمن الغذائي، الذي يمثل أمنا قوميا للمجتمع. وردا علي الأزمات التي تواجه الفلاح يقول الدكتور علي إسماعيل، رئيس قطاع الهيئات وشئون مكتب وزير الزراعة ل'الشروق'، إن الوزارة وضعت آليات لإجبار 'الصناعة' علي سحب محصول القطن من الفلاح، مشيرا إلي أن المصانع كانت تستورد القطن من الخارج، وتترك قطن الفلاح المدعوم من الوزارة. وأكد إسماعيل أنه لا يوجد قرار بعدم دعم القطن، وأنه تم صرف 400 مليون جنيه للفلاحين، كدعم مباشر لمحصول القطن، خلال الأيام الماضية. وأضاف: نريد أن نجعل الفلاح يستفيد من السعر الحقيقي للقطن، وليس رفع الدعم عنه كما زعم البعض، وواجب الوزارة دعم الفلاح في كل مرحلة من مراحل الانتاج والتسويق والبيع سواء للقطن أو لغيره، حتي لا يصبح فريسة لتجار السوق السوداء. وعن حبس الفلاحين المتعثرين، قال اسماعيل إن هناك دعما كاملا للفلاح لا تتخلي الدولة عنه، مشيرا إلي أنه لا يوجد في السجون علي ذمة قضايا تعثر عن دفع الديون للبنك، إلا 6 أشخاص، وتمت إعادة جدولة ديونهم علي فترات بعيدة حفاظ علي بيوتهم. علي عكس ما ردده الفلاحون الذين التقتهم الشروق. وعن ضعف ضعف دعم الأسمدة، قال رئيس قطاع الهيئات: تم وضع آليات للتفتيش علي توزيع الأسمدة علي الفلاحين، خاصة أن الدولة تدعم الفلاح ثلاث مرات في ثلاثة مواسم خلال العام الواحد. وعن غلق الأسواق الداخلية، وقصرها علي سوق العبور فقط، يقول: الوزارة تراعي تحديد المساحات اللازمة للأسواق الداخلية والخارجية، وهذا جزء أصيل من اختصاصاتها، وليس الهدف منه إجبار الفلاح علي التعامل مع سوق محددة، مشيرا إلي أن انشاء الاسواق الداخلية أمر سهل وموجود في كل محافظات الجمهورية.