مثلما للحب وجوه متعددة.. وللفن والحياة والجمال.. وجوه حقًا فارقة، ومؤثرة، ونافذة في الوجدان والعقل.. فإن للعطاء الإنساني.. وجوها تحفر وجودها 'كالوشم' علي القلوب لا تخرج، ولا تبرحه إلا بطلوع الروح! هكذا صادفتني تلك الوجوه الثلاثة الخلابة للمرأة.. من صحراء الحياة والمجتمع، ومن بستان الفن وحدائقه المزهرة.. ومن خلال رحلة معرفة واستنارة وكشف خلال شهر مارس لعام 2015، الذي هو بمثابة نافذة الطبيعة للربيع القادم وتفتح الزهور، فوق كونه منصة دولية، وإقليمية، وقومية لتكريم المرأة، والاعتراف بفضل الأم والأمومة في تشكيل خريطة الأوطان وصلابتها. إنه وجه 'صيصة دوح' الأم المثالية.. هاهو وجه المرأة الجنوبية.. وجه موش بخطوط الزمن.. الذي يؤكد أن العمل عبادة.. وأن هذه المرأة حقًا أيقونة مصر.. بل فلنقل أيقونة مجتمع مغلق، منسي منذ سنين، متصحر القلب، كان ينفي نصفه الآخر.. ليصنع من الرجل السيد، والمرأة التابع.. إذن لترتدي 'صيصة' زي الرجل.. وتتقدم الصفوف.. ولتنافس الرجل كرجل مثله!! لتعمل بكرامة وتعيش بشرف.. الجلباب واللاثة الشهيرة.. تعيش بهما عبر عقود طويلة حتي بعد أن بلغت ال 65 عامًا.. قد تذكرك بما قاله عمر الخيام 'لبست ثوب العيش لم أستشر' دخلت مجال العمل وهي لاتزال في العشرين بعد أن توفي الزوج. واكتشفت أنها حامل في الشهور الأولي.. رفضت الزواج مرة أخري اشتغلت 'فواعلية' تحمل الطوب والزلط.. تبني للآخرين البيوت.. بينما هي تعيش في 'عشة' استمرت راضية طوال أربعين عامًا.. كبرت الابنة 'هدي' وتزوجت وأنجبت لها أربعة أحفاد.. فإذا بزوج الابنة يقع فريسة الثالوث الأبدي في الجنوب 'المرض والفقر والجهل'.. فما كان من 'صيصة' إلا أن تحمل صندوق لتلميع الأحذية حتي تساهم في تربية الأحفاد.. بعد أن وهي البدن، لكن لم تهن الإرادة! الرئيس 'السيسي' مبهور برجولة امرأة.. وبعد أن منحوها الجائزة وقيمتها 50 ألف جنيه سألوها ما الذي ستفعله.. قالت سأعالج زوج ابنتي.. فمن ماذا قٌدّت؟ هذه المرأة؟ هل من صخر؟ أم من معدن نادر الوجود.. يدعي العطاء، والتجرد، والإرادة الحرة.. إنها تتلخص في كلمات قليلة.. تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها. أما الوجه الآخر فهو وجه الفنانة الشابة المبدعة، والمتألقة 'حنان مطاوع' في مسرحية 'أنا الرئيس'.. وحنان هي ابنة شقيقتي الفنانة 'سهير الرشدي' لكنها أيضا ابنتي.. ودائما أطلق عليها ابنتي 'البكرية'.. فقد حملتها طفلة رضيعة ابنة أيام.. وأنا في ثوب الزفاف.. حتي تمازح بعض الأصدقاء يوم زفافي قائلين 'إذا بليتم فاستتروا'.. وإذا كنت الخالة أو بمثابة الأم الثانية.. فإنني الناقدة التي شهدت نضوج موهبة 'حنان' عبر مراحلها المختلفة.. وأشهد أنها اختارت الطريق الشاق غير المعبد.. فطالما رفضت اختيارات والدها الفنان 'كرم مطاوع' عندما أدرك موهبتها، فعرض عليها الالتحاق بأكاديمية الفنون.. لكنها رفضت وشقت لها طريقًا آخر.. وأشهد أن التمرد كان رايتها.. ربما لرغبة دفينة تبغي التميز عن الأم والأب. نعم خطت 'حنان' خطوات فارقة خاصة في عالم المسرح.. فبعد أن قدمت مسرحية توفيق الحكيم 'السلطان الحائر' في دور الغانية.. والتي أطلق عليها مجموعة من النقاد بأنها سيدة المسرح العربي الجديدة.. هاهي تقدم نوعًا آخر في فن الممثل والتمثيل.. فمن التراجيديا تنتقل إلي الكوميديا.. تقدم فرجة حقيقية في استعراضات غنائية.. تدهشك بأداء يتميز بالمثالية الشديدة.. وقد تكون هذه المثالية هي ما تفجر كوميديا المواقف المبنية علي المفارقات الحادة.. كأنها فراشة ملونة ترشدنا إلي مصدر النور وسر المتعة.. أو 'سندريلا' تؤكد أن قدميها ثابتتان علي خشبة المسرح.. بينما أجنحتها ترسلان برسالة ضرورة التغيير ومقاومة القبح والفساد.. ولن أنسي دور الفنان الكوميدي 'سامح حسين' في المسرحية ذاتها.. الذي أثبت أن الإبداع حالة ثنائية وقد تكون جماعية وليست حالة ذاتية كما بدت في المضحكين الجدد!! أما الصورة الثالثة للمرأة.. فهي صورة مريضة 'الزهايمر' كما جسدتها الفنانة الأمريكية الرائعة 'جوليان مور' في فيلم 'Still Alles' أو 'ماتزال أليس'.. وقد نالت به جائزة الأوسكار كأفضل ممثلة.. إن 'جوليان' أو 'أليس' في هذا الفيلم تجسد لنا رحلة أستاذة جامعية يداهمها ذاك المرض الذي تؤكد بأنه أشرس من 'السرطان' خاصة ذلك النوع الوراثي الcي تعانيه والذي لا علاج له!! وهو يستهدف العقل دون هوادة، يحوله إلي مادة تشبه 'الجيلي'.. لا أمس، ولا يوم، ولا باكر.. إنه يستهدف الذاكرة التي تميز الإنسان عن الحيوان.. يطمسها، ويقضي عليها بسرعة البرق ودون إنذار.. تقاومه بشجاعة نادرة.. وتحاول أن تلخص مقاومتها في رسالة تقرMها علي الجمهور في مشهد بديع ومؤثر. إن أداء 'جوليان' في هذا الدور المعقد، والشاق، والمركب.. جاء بسيطًا شفافًا، وعميقًا وكأن ملامحها اكتسبت صفة بلورية، فرأينا ما يعتمل تحتها من مشاعر وأحاسيس وصراعات.. إنها فنانة اعتمدت علي لغة حس القلوب، ونبض المشاعر، وتوهج الإرادة.. حتي أنها في نهاية الفيلم لم تستطع أن تنطق سوي كلمة 'حب' بعد أن أتمت نطقها بمشقة بالغة، hنطفأ النور.. لتصبح الرسالة الأخيرة للفيلم.. أو لمريضة 'الزهايمر' التي ظلت مقاومة.