إنه تصريح وليس قرارًا.. هذا ما اختلف عليه بعض المحللين تعليقًا علي التصريح الكارثة من وجهة نظري الشخصية لوزير الزراعة الدكتور عادل البلتاجي عندما قال: إن الحكومة لن تدعم زراعة القطن أو تسوقه الموسم المقبل، وإن علي الفلاح تسويق محصوله دون تدخل من الحكومة!!. وأري هنا أنه لا فرق بين التصريح والقرار في هذه القضية وأنهما متساويان في الأثر السلبي علي مستقبل الذهب الأبيض 'القطن' الذي كانت تتباهي به مصر في يوم من الأيام، وكان يُعَدُّ من المحاصيل الاستراتيجية التي تزيد من الدخل القومي المصري خاصة القطن طويل التيلة، الذي كانت تتميز مصر بزراعته عن الكثير من دول العالم.. والذي كان يتيح إمكانية غزله في خيوط طويلة تتميز بالقوة والجودة التي يفتقدها القطن قصير ومتوسط التيلة.. وكان القطن المصري يتمتع بسمعة ممتازة في الأسواق العالمية، إلا أن تصريحات الوزير وعلي الرغم من أنها لم تُترجم حتي الآن إلي قرار قد أصابت هدفها بالتنبؤ بتدمير زراعة القطن، ومعها صناعة الغزل والنسيج لمصلحة الشركات الأجنبية التي استهدفت القضاء علي القطن المصري طويل التيلة في الأسواق العالمية منذ ثمانينيات القرن الماضي. بل إنها هيأت الفلاح للعزوف عن زراعته والاتجاه إلي زراعة الكانتلوب وهو ما أعلنه الفلاحون في محافظة كفر الشيخ التي تُعَدُّ من أكبر محافظات مصر في زراعة القطن!!.. بل أكاد أجزم أن تصريحات السيد الوزير سوف تكون مسئولة مسئولية مباشرة عن زيادة معدل البطالة بين العمال 'المزارعين الغزل والنسيج' الذين يمثلون '40% من سوق العمل المصري'!!. كنت أتصور أن يتروي السيد وزير الزراعة، وأن يكبت تصريحاته التي تساوت في قوتها وأثرها السلبي مع القرار إن صدر.. انتظارًا لما ستسفر عنه اجتماعات اللجنة التي شكلها السيد رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب والمكونة من وزراء 'المالية والصناعة والتجارة والاستثمار والزراعة' لمناقشة توصيات مؤتمر الغزل والنسيج الذي عقدته مؤخرًا النقابة العامة للغزل والنسيج والذي انتهي إلي عدة توصيات، أهمها: توجيه الدعم المباشر للفلاح وليس الصناعة، ودراسة زراعة القطن قصير ومتوسط التيلة، مع ضرورة إنشاء صندوق موازنة للتحكم في أسعار القطن للفلاح حتي لا يتعرض للخسائر، والتأكيد علي حصر زراعة القطن طويل التيلة طبقًا لاحتياجات التصدير والسوق المحلي. لكن يبدو أن السيد الوزير رأي أن يسير عكس الاتجاه.. عكس اتجاه أكبر رأس في الدولة وهو الرئيس الذي أعلن مرارًا وتكرارًا عن دعم الدولة وبقوة للفلاح المصري.. وهو ليس أقل شأنًا من المصدرين الذين يدعمون بأموال طائلة!!.. وعكس اتجاه رئيسه المباشر مهندس إبراهيم محلب الذي شكَّل لجنة لدراسة وتنفيذ توصيات مؤتمر الغزل والنسيج!!. كنت أتصور من السيد وزير الزراعة أن يعلن أن تصريحه قد حرف عن عمد وأنه يصب في مصلحة أعداء ثورتي '25- 30' وأن تصريحه الصحيح الذي لا يحتمل اللبس أو التأويل هو: أنه ونظرًا لما آلت إليه زراعة القطن المصري من انتكاسات وهو منتج استراتيجي لا يمكن الاستغناء عنه، ونظرًا للانخفاض الكارثي للمساحة المنزرعة منه والتي تدنت إلي 325 ألف فدان بعد أن كانت في الخمسينيات أكثر من مليوني فدان.. وأنه وتنفيذا لقسمي في احترام الدستور والقانون، فإنني ملتزم بتنفيذ الفقرة الثانية من المادة 29 من الدستور التي تلزم الحكومة وأنا عضو فيها بتوفير مستلزمات الإنتاج الزراعي والحيواني، وشراء المحاصيل الأساسية بسعر مناسب يحقق هامش ربح للفلاح.. وعليه نعلن عن موافقتنا علي اقتراح مؤتمر الغزل والنسيج بإنشاء صندوق موازنة تحمي الفلاح المصري من التعرُّض لأي خسارة نتيجة إقدامه علي زراعة 'الذهب الأبيض'، والتوسع في زراعة القطن قصير ومتوسط التيلة بما يحقق الاكتفاء الذاتي لمصانع الغزل محليًا، مع التمسك بزراعة القطن طويل التيلة الذي يُعَدُّ من المعالم التاريخية لمصر طبقًا لاحتياجات التصدير والسوق المحلي.. انتهي التصريح.. لكن لم تنته تعليقات بعض القراء التي ترنُّ في أذني فتقول: موش الوزير اللي ماشي عكس الاتجاه.. انت اللي ماشي عكس الاتجاه.. لف وارجع تاني.. انت بتحلم.. وأرد: ما هو لو بطلنا نحلم نموت!!.