عاد المخرج الجزائري الفرنسي إلياس سالم للظهور بقوة من خلال فيلمه الجديد الوهراني بعد فيلمه ' مسخرة ' ومنذ عرض فيلم الوهراني داخل قصور السينما في فرنساوالجزائر لم تتوقف حركة النقد والجدل ما بين مؤيد ومعارض للفيلم بسبب جرأته في قراءته ورؤيته ونظرته لمرحلة تاريخية وسياسية هامة في تاريخ الجزائر وهي فترة ما قبل وما بعد الاستقلال، فالفيلم يبدأ في محيط مدينة وهران الشهيرة بالجزائر ثم يعود المخرج من خلال فلاش باك بالأحداث لعام 1957 أبان فترة غليان الثورة الجزائرية من خلال ثلاثة أصدقاء هم حميد وفريد وجعفر الوهراني بطل الفيلم الذي قام بأداء دوره مخرج الفيلم إلياس سالم، وجعفر الوهراني ينضم إلي حركة التحرير الجزائرية ويصبح مع صديقيه حميد وفريد من أبرز القيادات العسكرية في جبهة التحرير الجزائرية، وجعفر يمثل الرمز الأوحد لأبطال الجزائر ولهذا يمجده الوهرانيون ويبجلونه لأنه يعتبر رمز الاستقلال، وحامد هو الرجل الطموح الذي يمثل حياة الانفتاح بعد الاستقلال عام 1962 ويمثل الجزائر الجديدة ويحتل وظائف هامة ولا يقف أمامه أحد، ولكن صرعان ما تنقلب الأمور بعد الاستقلال وتتغير حياة الأبطال ليحل الغدر محل الوفاء وتتحول الصداقة بين الأبطال إلي عداوة اجتماعية وسياسية يتضح ذلك في لحظة هامة من لحظات الفيلم عندما يكتشف جعفر أن حبيبته وزوجته ياسمين تعرضت للاغتصاب وأن ابنها بشير سوف يكبر دون أن يعرف أبوه الحقيقي عندما لا يعترف به أحد من خلال مجتمع لا يرحم عندما ينعته الأهالي بالفرنسي بسبب جماله الأوروبي، ويمثل بشير علي هذا النحو بالفيلم رمزا للتركة الثقيلة التي خلفها الاستعمار الفرنسي للجزائريين وهي تركة مليئة بالأثقال والعوائق والمشكلات الكبيرة التي تتعلق بالهوية واللغة والعادات والتقاليد ومشكلة قبائل الجزائر في الداخل والخارج ومشكلة من يسمونهم بخارج الجزائر بالحركيين الذين ساعدوا الاستعمار، وبسبب هذا الثقل لتلك التركة المتمثلة في بشير ومعاناته فإنه يسعي للتكيف والتعايش معها برغم مرارتها، وأما جعفر الذي يقوم بدور الأبوة بالتبني لبشير فإنه يتصالح مع بشير الذي يرمز لمشكلات الجزائر في نهاية الفيلم وسط معاناة اجتماعية ونفسية يمران بها ويعيشاها، وقد نجح المخرج في تقديم رؤية جديدة ومغايرة لكل ما قدمته الأفلام الجزائرية عن الثورة والمجاهدين وتلك الحقبة الممتدة من الخمسينات لأوائل الثمانينات من القرن الماضي بالجزائر من خلال الصورة الجديدة للمجاهد في شخصية بطله الوهراني عندما قدمه مع أصدقائه من المجاهدين وهم يقاومون الاستعمار نهارا ثم يذهبون إلي الخمارات والدعارة ليلا وهو ما أغضب المجاهدين القدامي والقوميين والإسلاميين بالجزائر مع عدم تدخل السلطات الجزائرية في هذا الأمر، فبمجرد ظهور الفيلم في صالات السينما إلا وسبب حالة من الجدل الكبير ما بين مؤيد ومعارض وبخاصة بين المنددين بالعنف الاستعماري لفرنسا وما بين المتسامحين عن أحداث تلك الفترة، كما اتهم الفيلم بالمساس للإسلام وشرف أبطال الاستقلال ومغايرة الفيلم لما هو موجود في الذاكرة الجزائرية ونظرتها الرومانسية للمجاهدين في تلك الفترة، وقد تجلي ذلك من خلال تنديد الشيخ شمس الدين في قناة النهار الفضائية بهذا الفيلم وطلب من الوهرانيين بمقاضاته ومنع عرضه من جانب السلطات لأنه يراه وصمة عار علي المجاهدين لأنه يشوه صورتهم ويلصق بهم أكبر المفاسد والمنكرات بذهابهم للخمارات وارتكابهم للجرائم وميلهم لحياة الفساد، وقد دفعه لذلك الفهم الضيق للرؤية الجديدة للفيلم التي صورت تلك الفترة بشكل محايد دون أية اعتبارات من أجل تصحيح الحاضر وهو ما يظهره المخرج والمؤلف مما يصدر عن الشباب الجزائري في الخمارات من نقاشات وجدل حاد من أجل الانتقال بالجزائر إلي عالم متقدم ومتعدد ومنفتح علي العالم ومتقدم في مجال الصناعات المختلفة وهذا ما أظهره المخرج عندما حمل اللقطات العديد من التفاصيل من خلال سيناريو مستفز وجريء وكأنها دعوة تحريضية للثورة علي تلك الحقبة وجعل الجمهور في حالة من التمرد لدفعه لأن يبحث عن إجابة صحيحة لكثير من المتناقضات لتلك الحقبة التي أخرجت للجزائر ما يسمي بالحزب الواحد الذي ظل قابعا علي كل شيء بحجة أنه كان قائد مسيرة التحرير بالجزائر دون غيره، كما أن المخرج استطاع باقتدار أن يوظف العناصر السينمائية كالممثلين والإضاءة والديكور والموسيقي من أجل اللقطة الواحدة حتي قرأ لنا الواقع من خلال العلاقات الإنسانية المتشابكة في قصة الفيلم وطرح من خلالها وبدون مجانية قضايا هامة وجريئة تتعلق بما عليه أحوال الجزائر الآن فتعرض للفساد وسيطرة الحزب الواحد وقضايا هامة كالهوية والتعريب واللغة ومخالفا بذلك للصورة المثالية القديمة لتلك الفترة لأنه أراد أن يحمل صورة جديدة متخيلة لجزائر الحرية، وبرغم الانتقادات الكثير التي وجهت للفيلم بسبب رؤي أصحابها الضيق إلا أن الفيلم لاقي نجاح جماهيري كبير في صالات السينما بالجزائروفرنسا وغيرها من البلدان، كما أن السلطات الجزائرية متمثلة في وزارة الثقافة قد رفعت يدها عن التدخل بشأن هذا الفيلم عندما أعلنت وزيرة الثقافة السيدة نادية العبيدي بالجزائر لأن الأمر متروك للجمهور للحكم علي الفيلم لأنه يعبر عن وجهة نظر فنية وثقافية معينة ومن الطبيعي أن يثير الجدل لحساسية تلك الحقبة ما بين مؤيد ومعارض، وبعيد عن تلك الأحكام فإن الفيلم يمثل الجزائر الآن من خلال هذا المخرج المتميز في المحافل الدولية وقد نال الكثير من الجوائز ومنها حصول المخرج والممثل إلياس سالم علي أحسن ممثل عن دور جعفر بالفيلم في مهرجان أنغولام الفرانكفوني السينمائي بفرنسا، ثم أحسن مخرج عربي في المهرجان الثامن للفيلم بأبوظبي ثم حصوله مؤخرا 12 /12 /2014 علي الجائزة الكبري لمهرجان سينما المتوسط في دورته 14 في بروكسيل ببلجيكا وتمثلت في مساعدة مادية لدعم الفيلم ودعم توزيعه وترجمته، وقد قالت رئيسة لجنة التحكيم أن المخرج والممثل إلياس سالم استطاع كممثل إقناع المشاهد بطريقة ذكية تضمنت الكوميديا والسخرية من جهة والجدية والالتزام من جهة أخري، وكمخرج عندما استطاع أن يسلط الضوء عن ثلاثة أصدقاء شاركوا في حرب التحرير بالجزائر ولكنهم بعد الاستقلال ينقسمون ويعيشون حياة أخري مليئة بالفساد وبيع المخدرات بعيدا عن الأخلاق والقيم والمبادئ التي كانت سائدة قبل الاستقلال ويرون أنهم الأحق بتقسيم الغنائم بالجزائر وحدهم دون غيرهم لأنهم هم الذين يمثلون جبهة التحرير وهو بذلك يكون قد نجح في إثارة مسألة الممثل الثورية والخيانة السياسية .