تعتبر تونس من أوائل الدول العربية التي انطلقت منها شرارة أولي الثورات العربية التي سميت بثورات الربيع العربي، ثم لحقت بها تباعا ثورات بلدان أخري منها مصر ثم اليمن وليبيا وسوريا، وكانت تلك الثورات بمثابة الفرص الذهبية المواتية للتيارات الدينية التي تعشش من قديم الزمان في تلك البلدان من خلال ممارسة أيديولوجية معينة تسعي من خلال الدين الوصول إلي السلطة بعد تقربها ولسنوات طويلة للطبقات الفقيرة والمهمشة بسبب سوء إدارة النظام للحكم تمكنوا خلالها من تقديم الدعم والخدمات لتلك الطبقات إضافة إلي الدخول في مؤسسات ومفاصل الدولة من خلال المشاريع المتاحة عندما غابت السلطة عن القيام بدورها المنوط بها، مما شجع تلك التيارات والتنظيمات وعلي رأسها تنظيم الإخوان الإرهابي في مصر بالاتجار بالإسلام مع الظهور أمام العامة والدهماء بتمسكهم به كبديل وحل لكل الأنظمة الحاكمة التي صورتها علي أنها فاسدة ومستبدة وكافرة وبعيدة عن تحقيق العدل الذي يسعون هم إليه، مما زاد من شعبيتها وبخاصة في السنوات العشرين الأخيرة من عهد أنظمة دول ثورات الربيع العربي، عندما ظهرت أمام شعوب تلك البلدان أنها في صراع مع السلطة من أجل الإسلام ومن أجل تحقيق العدل ونجحت في تحقيق الشعبية والانتشار بعد أن صورت نفسها ضحية للقمع والتعذيب في السجون وقيامها بعمليات إرهابية استهدفت السياح الأجانب وبعضا من رموز السلطة وأصحاب القلم والفكر ممن كانوا يحذرون من تلك التنظيمات وخطرها علي الشعوب التي تعيش فيها، حتي وجدت الفرص ممهدة في الاستيلاء علي الحكم بسهولة ويسر خلال تلك الثورات وبخاصة في تونس ومصر، بسبب جاهزية تلك الجماعات وقدرتها علي التنظيم والحشد والإقناع في وقت خلت فيه البلدان من الأحزاب السياسية التي فقدت مصداقيتها بعد سقوط النظامين في كل من مصر وتونس، والدليل هو سيطرة حزب النهضة بقيادة راشد الغنوشي علي الحكم خلال فترات طويلة من الفترة الانتقالية بداية عام 2011 ورئيس مؤقت هو المنصف المرزوقي الذي ينتمي قلبا وقالبا إلي فكر تلك الجماعات وكذلك سيطرة جماعة الإخوان في مصر علي مفاصل الدولة وبخاصة في البرلمان ثم مجلس الشوري ثم الرئاسة ثم باقي مؤسسات الدولة، ولا يغيب عن الجميع وجود عوامل كثيرة ظلت مشتركة ومؤثرة بين ثورة تونس وثورة 25 يناير في مصر سواء كانت بالسلب أو الإيجاب، فما كان يحدث في مصر من أحداث وتطورات كان يؤثر في حركة الثورة التونسية، وما كان يحدث في تونس من أحداث وتطورات كان يؤثر في الثورة المصرية يأتي علي رأس تلك الأحداث هو إحياء المصريين لثورتهم من جديد واسترجاعها من جماعة الإخوان الإرهابية في الثلاثين من يونيو عام 2013 بعد أن شعر المصريون من تأكدهم من سيطرة جماعة الإخوان علي الحكم وراحوا يوظفون الوطن لمصالحهم علي حساب مصالح الشعب والعمل وفق تنظيم إرهابي دولي يشكل خطرا داهما علي البلاد والسعي لإقامة دولة يمكن أن تمس الهوية الحضارية والدينية والثقافية والاجتماعية وعندها خرج الشعب المصري بمساعدة الجيش وتمكنوا من خلع النظام الإرهابي من الحكم ووضع رموزه وقياداته في السجون وملاحقة باقي القيادات خارج مصر حتي اتضح السيناريو الإرهابي الذي اكتشف وقوف دول كبري وراءه منها ما هو إقليمي ومنها ما هو دولي، وكان أثر ذلك علي الشعب التونسي هو استفاقته من غفلته بعد اندفاعه وتحمسه للفكر الديني المتشدد وقت الثورة وتأييده لأفكار الغنوشي صاحب فكر حزب النهضة، وشعر التونسيون بالفعل بحدوث زلزال مدوٍ في مصر بعد خروج المصريين في الشوارع والميادين علي هذا النحو المذهل، فبدأت الأحزاب العلمانية والمعتدلة في العمل من جديد وأسس الباجي قايد السبسي حزب نداء تونس عام 2012 الذي شعر بالخطر وبدأ مهاجمته لحزب النهضة وخطره علي الهوية التونسية وبدأ في العمل مع التونسيين في الداخل والخارج رغم محاولات الغنوشي تفادي ما يحدث في مصر حتي يتمكن الشعب التونسي من قول كلمته في الانتخابات البرلمانية التي جرت يوم 26 أكتوبر الماضي، وتحقيق حزب نداء تونس الصدارة والأغلبية علي حساب حزب النهضة الذي شهد تراجعا كبيرا في الداخل والخارج بعد أن شعر الشعب التونسي بخطر ما يسمي بالإسلام السياسي الذي يعمل وفق أجندة خارجية ويتعامل مع التنظيمات الإرهابية، وكذلك أيضا فقد رأي الشعب التونسي فشل حزب النهضة في إدارة شئون البلاد خلال الفترة الانتقالية وفشله في العلاقات الخارجية الأمر الذي انعكس سلبا علي الاقتصاد التونسي، كما حمل التونسيون حزب النهضة المسئولية تجاه أحداث الاغتيالات التي طالت رموز الفكر وأفراد القوات المسلحة والشرطة التونسية بسبب أفكار رموزه المتشددة التي دفع هؤلاء الأبرياء ثمنها غاليا، ولهذا جاء الرد التونسي قويا في الانتخابات البرلمانية بعد أن وجه صفعة مدوية لحزب النهضة الذي اعترفت قياداته بالهزيمة أمام حزب نداء تونس الذي يسعي لاستعادة الهوية التونسية أمام العالم من خلال أفكار حزبه وشعاره تحيا تونس وهو أول من شعر بالخطر، ولن تكون الانتخابات البرلمانية هي الأخيرة لحصار حزب النهضة وجماعاته المتطرفة بل إن التونسيين سوف يقولون كلمتهم والفصل في الانتخابات الرئاسية المقبلة يوم 23 نوفمبر الجاري وحتما لن يكون المنصف المرزوقي رئيسا لتونس ولن يكون للغنوشي قائمة في دولة تونس الجديدة بعد أن خاب سعي الجماعات الإرهابية في مصر وتونس مع مهاجمتها في دول كسوريا والعراق ومالي مع غلق الحدود الجزائرية مع تونس لتضييق الخناق علي تلك الجماعات وسوف يأتي رئيس تونس الذي يستحق حكمها واستعادة عافيتها ومجدها وإعادتها لواجهتها بين أحضان أشقائها العرب ومحيطها الإقليمي والدولي وانفتاحها علي العالم ومصححا لمسار الثورة التونسية بعيدا عن أهل الجهل والردة والظلامية والتشدد ويعمل علي عودة هؤلاء ورموزهم من جديد إلي بلاد المنفي لأنه لا خير فيهم ولا أمل ورجاء من هداهم وعودتهم.