قد لا تصدق اذا سعيت وراء المعلومات حول الاستفتاء علي مصير جنوب السودان، كما حول الأرض التي حان المخاض لولادتها كدولة جديدة، وكذلك حول شعبها وقادته، أن تكتشف أنك عثرت علي جواب عن كل سؤال تقريبا سوي عن واحد من المفترض أن تكون الاجابة عنه من أسهل ما يكون: من هي زوجة سالفا كير؟ مهما سألت وأبحرت سعيا وراء المعلومات عن "السيدة الأولي" للجنوب الذي سيصبح الدولة رقم 54 في القارة الأفريقية، فستعثر علي ما يعيدك الي نقطة الصفر دائما، مع مزيد من الحيرة في كل مرة، خصوصا أن ما تجده من معلومات متناقضة قاله مسؤولون من كافة الأطراف، ولا تجد أن لمعظمهم أي مصلحة بتمويه الحقائق بلا غايات، خصوصا عما لا يضر ولا ينفع، بل ليس مهما وسط حدث كبير ومصيري. مع ذلك نصر علي معرفة الجواب ونعيد السؤال: من هي زوجة رئيس حكومة جنوب السودان والنائب الأول للرئيس السوداني، عمر البشير، ولماذا لا نعثر علي صورة لها من بين آلاف الصور التقطوها علي مراحل لسالفا كير ميارديت في كافة المناسبات، خصوصا تلك التي تجمعه الي نساء أخريات في الداخل والخارج ؟ لزوجة "سالفا" كما يسميه شعب الجنوب السوداني صورة واحدة فقط علي الانترنت، وعثرت عليها "العربية.نت" بعد بحث لم يكن سهلا، وفيها تبدو آين ميارديت كما يقولون عنها تماما: فلاحة ابنة فلاح، وشبه أمية، ان لم تكن أمية تماما، فهي لا تعرف العربية ولا الانجليزية، ولسانها لا ينطق سوي كلمات لغة الدينكا، كبري قبائل الجنوب السوداني، ولم ير أحد الي الآن أي نص مكتوب باسمها. والمعلومات الأكيدة عن ماري آين ميارديت أن عمرها بين 50 و53 سنة وأنها ربة منزل تقيم مع زوجها وبعض أولادها الثمانية في القصر الرئاسي الجديد بمدينة جوبا، وهو قصر متواضع افتتحه سالفا كير بنفسه يوم 14 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وقبله كانت العائلة تقيم في بيت من 6 غرف نوم، لكنه قديم ومتداع ولا يصلح الا للهدم لاستبداله بجديد. والقصر هو بناء كان موجود أصلا وأجروا عليه اصلاحات بكلفة معقولة، الي جَانب اضافة منزل بجواره ليكون "قصر ضيافة" ينزل فيه ضيوف حكومة الجنوب. ومن المعلومات أن الحكومة الصينية تبرعت بنسبة 40 % من موازنة القصر السنوية، فيما تتكفل الحكومة المحلية، ومن بعدها الدولة، بالباقي. أما عن البيت القديم لعائلة سالفا كير، فقد كانت فيه صورتان كبيرتان علي جدار صالونه الرئيسي، واحدة له والثانية لوحة تمثل السيد المسيح، وأسفلهما تبدو في الصالون بوضوح نسخة من الانجيل، والي جانبها كتاب أميركي عنوانه "مساعدة الشخص لنفسه لتحقيق أهدافه" بحسب ما قالت مجلة "نيوزويك" الأميركية حين زار مراسل لها البيت المملوك لسالفا نفسه. ولسالفا كير بيت ريفي في قرية "أكوا" 'تلخيص أكواش' التي أبصر فيه النور منذ 60 سنة، والي هذا البيت قام بزيارة اضطر أن يطلب من زوجته أن ترافقه فيها، والسبب أن القرية التي يوجد فيها قبر والده، كير، هي في ولاية "وراب" التي تحكمها امرأة عرف أنها ستستقبله عندما يصل، لذلك كانت نياندينغ مالك ديليك باستقباله مع زوجها حين زار "أكوا" في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وخلال تلك الزيارة التقط أحدهم صورا عدة لسالفا، وفي بعضها ظهرت زوجته، ولولا ذلك المصور لما شاهد صورها أحد. "في الجنوب الأسترالي تقيم زوجة ثانية لسالفا كير" ومن الأخبار غير الحقيقية، خصوصا ما روجه خصوم سالفا كير، نقرأ معلومات كثيرة معظمها واضح التزييف، من أنه كان متزوجا قبل زوجته الحالية من امرأة جنوب سودانية تعيش الآن مع بعض أبنائه منها في مدينة أديلايد بالجنوب الأسترالي. ولكنك حين تحقق بهذه المعلومة ما استطعت، داخل أستراليا وصحفها ومواقعها الاخبارية، كما وفي المواقع السودانية الموثوقة وغيرها، فانك لا تجد لها أي أصل حقيقي. مع ذلك تقرأ في عشرات الأخبار أن الشرطة الأسترالية حققت العام الماضي بملابسات معركة بالسكاكين نشبت في أحد المطاعم الأسترالية بين فتيان من جنوب السودان " وكادت تؤدي بحياة نجل النائب الاول لرئيس الجمهورية ورئيس حكومة الجنوب. وقال موقع مقرب من الحركة الشعبية نقلاً عن التلفزيون الأسترالي أن المعركة أسفرت عن موت أحدهم واصابة اثنين آخرين بجروح، أحدهما في حالة خطرة" وهو خبر مصدره واضح من أنه من داخل السودان، لأنه يأخذ بعين الاعتبار أن القاريء يعرف رئيس الجمهورية ونائبه، لذلك لم تكن هناك حاجة لذكر اسم رئيس الجمهولرية ولا نائبه في الخبر. نقرأ أيضا في صحيفة "الوطن" السودانية يوم 5-1-2011 مقابلة مع من وصفته "الوطن" بأنه صديق ورفيق لسالفا كير، وهو اللواء عرديب، الذي يخبر الصحيفة "ان زوجة الفريق سلفا كير اغريقية الوالد من عائلة- باسيلي- وجنوبية الأم من دينكا بحر الغزال- منطقة آكن وتعيش الآن بمدينة جوبا كربة منزل، وهي أم لستة أبناء بينهم توأم من ابنتان وجميعهم يدرسون في كينيايا وأكبرم عمره 16 سنة" بحسب ما نقلت عن اللواء الذي وصفته أيضا بصديق مقرب لسالفا كير. وورد في صحيفة "آخر لحظة" التي تصف نفسها بأنها "منبر كل السودانيين" ما هو أغرب في مقابلة جدية ورصينة أعدتها في 30 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي مع رجل رصين ورزين، هو اللواء الجنوب سوداني ألتوم النور دلدوم قونجي، وهو مسلم من قبيلة أندقو من ناحية الأب، فتسأله الصحيفة أسئلة عدة كلها جدي ورصين، ويجيب اجابات تنفرج لها أسارير الباحثين عن الدقة بالمعلومات. لكن اللواء يخيب الظن حين تسأله الصحيفة: هل أنت متزوج من الدينكا ؟ 'تقصد امرأة من قبيلة الدينكا' فيجيب: "لا، أبدا، هم متزوجون منا. سلفاكير متزوج من بنت أخت ادوارد لينو، وأنا خال بالنسبة لأولاد لينو، اذن أنا جدها، اسمها سوزا ريانا، وأيضا هناك دوناتا دينق وهو قريب سلفاكير ومتزوج من أختي" مشيرا في هذه الاجابة ان اسم زوجة سالفا كير هو سوزا ريانا 'وربما أخطأت الصحيفة باسم سوزا، فلعله سوزان، لأن سوزا اسم لاتيني ولا يطلق الا علي الرجال' الا أن عائلة ريانا ليست هي عائلة زوجة سالفا كير بالتأكيد، فهي مثله من عائلة كبارديت. مدير جامعة أفريقيا العالمية: "سالفا كير متزوج من يهودية" وتطالع في موقع Mading Aweil Discussion Board وهو للتواصل الاجتماعي بالانجليزية بين السودانيين الجنوبيين بشكل خاص، أن عضوا في الموقع اسمه غرانغ دهيو يثير الجدل بقوله: "السيدة ميارديت" أمية وفلاحة ولا تعرف العربية ولا الانجليزية، فهل يمكن أن تكون هي السيدة الأولي، أم يختار الرئيس احدي بناته لتقوم بهذا الدور" ؟ ثم يبدأ الأعضاء بالتحاور، ومنهم من يؤيد فكرة الابنة ومنهم من يدافع عن تولي الزوجة نفسها منصب السيدة الأولي. لكن بعض الأعضاء يفاجيء ويقول: "الزوجة الاولي لسالفا 'أي غير الحالية' كانت تعرف العربية والانجليزية ولغة الدينكا والسواحيلي، لكنها توفيت في 1993 أما الثانية 'الحالية آين ميارديت' فلا تعرف الا لغة الدينكا. ويرد آخر أن سالفا كير قال في مقابلة مع احدي الصحف في 2006 انه تزوج من امرأتين، وبعد ان توفيت واحدة تزوج من أخري، فيما يؤكد عضو ثالث بأنه لم يتزوج قبل الحالية من أي امرأة، ويتهم المتحاورين بالجهل. أما الأغرب فهو ما أكده الدكتور حسن مكي، وهو مدير جامعة أفريقيا العالمية، من أن "احدي زوجات سلفاكير يهودية، وان في ذلك الخطر الحقيقي" بحسب ما قال في مقابلة أعدتها معه جريدة ألكترونية تحمل اسم الجامعة نفسها يوم 5 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لكنه لم يذكر أي معلومة عن الزوجة اليهودية. وكما النار تمتد في الهشيم بدأ خبر زوجة سالفا كير اليهودية ينتشر، حتي أن الكاتب والصحافي السوداني المقيم في قطر، سليم عثمان، كتب بعد يومين مقالا نشرته صحيفة "سودانايل" وفيه قال: "..فان كيد اليهوديات أعظم، وانطلاقا من حديث الدكتور مكي، ربما كان تأثير تلك المرأة اليهودية علي السيد سلفا عظيما، حتي ترك الجنوب نهبا لمطامع الصهيونية العالمية، وشركات اسرائيل التي تبيض يوميا ذهبا يرسل الي تل أبيب" وفق تعبيره. ولم ينصف سالفا كير سوي كاتب سوداني اسمه مصطفي عبد العزيز البطل، في مقال نشره يوم 29 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي موقع "رماة الحدق" السوداني، وفيه سخر من حكاية الزوجة اليهودية، وقال انه اتصل بصديق له من جنوب السودان، وكاتب مثله وصحافي عارف بشؤون سالفا كير الخاصة، فسأله عن حقيقة ما قال مكي، فأخبره لوك داك بأن "الرئيس كير معروف بأنه كاثوليكي ملتزم، وهو متزوج من امرأة واحدة فقط من قبيلة الدينكا.. أنا لا أعرف من أين أتي حسن مكي بهذه المزاعم" كما قال.