اتهم مسؤولون وإعلاميون، في قضاء سنجار بمحافظة نينوي، المسلسلات التركية المدبلجة بالتسبب بزيادة حالات الانتحار في القضاء، لاسيما بين الفتيات، في حين اتهم آخرون منظمات المجتمع المدني بعدم الفاعلية في مواجهة الظواهر الشاذة ومنها الانتحار. وقال قائم مقام سنجار، دخيل قاسم حسون إن حالات انتحار عديدة "سجلت من قبل السلطات المعنية في قضاء سنجار أكثرها بين فتيات بعمر 18 إلي 25 سنة قمن بحرق أنفسهن"، مشيرا إلي أن لجنة خاصة "استحداثت لدراسة انتشار ظاهرة الانتحار بين شباب القضاء وتداعياتها وأسباب ارتفاع نسبتها هذا العام". وأضاف أن أسباب عائلية واجتماعية "تقف وراء تلك الحالات"، مبيناً أن القائممقامية ومجلس القضاء وأطباء متخصصين "نظموا عدة ندوات للتوعية بشأن القضية". وأقرّ حسون بأن الحالات التي سُجلت خلال العام 2010 كانت "أكثر من تلك التي سُجلت عام 2009 الماضي". ويقع قضاء سنجار الذي تسكنه أغلبية من الديانة الايزيدية علي بعد 120 كم شمال غرب مدينة الموصل، مركز محافظة نينوي الواقعة علي مسافة 405 كم شمال العاصمة بغداد. واتفق الإعلامي مراد هسكاني، مع القائم مقام بشأن ارتفاع نسبة حالات الانتحار هذا العام، مبيناً أن سنجار "لم يسجل في تاريخه حالات انتحار كالتي سجلها خلال العام الجاري"، مضيفا أنه "شهد أكثر من 25 حالة انتحار عام 2010′′. وأفاد أن غالبية المنتحرين من الذكور "قتلوا أنفسهم بالاطلاقات النارية بينما لجأت المنتحرات إلي أسلوب الحرق"، لافتا إلي أن متابعة تلك الحالات "تبين أن سببين رئيسين يقفان وراء حالات الانتحار وهما التوتر النفسي وعدم وجود توعية وتثقيف وتفاهم بين أفراد الأسرة فضلا عن المسلسلات التركية المدبلجة التي أثرت سلباً علي مجتمع القضاء". وتساءل "لماذا يؤخذ الجانب السلبي في هذه المسلسلات وتترك الجوانب الايجابية منها". وتابع أن الفتيات المراهقات "أكثر تأثراً بهذه المسلسلات من غيرهن وأن نسبة الانتحار بينهن أكبر من الشباب لاسيما بالنسبة لمن هن بأعمار 20 إلي 30 سنة". وأردف أن منظمات المجتمع المدني وتلك التي تهتم بحقوق الإنسان "عديمة التأثير في مجتمع سنجار"، شارحا "فلا برامج للتوعية والتثقيف لاسيما للنساء اللواتي هن بحاجة لدور لاقتصار عملهن علي الطبخ وتربية الأطفال". وعن تأثير العادات والتقاليد الاجتماعية في رفع نسبة الانتحار، قال هسكاني "ليس في المجتمع العراقي نساء يتمتعن بحرية كتلك التي تتمتع بها المرأة في سنجار"، موضحا أنها "تصل إلي درجة أن تختار الفتاة شريك حياتها بنفسها وتخبر أهلها بذلك من دون حرج بحسب الأعراف السائدة هنا حيث أن المجتمع الايزيدي الذي يسود سنجار معروف بأنه منفتح أكثر من غيره من المجتمعات". والايزيدية ديانة كردية قديمة، يبلغ عدد أتباعها بحسب إحصاءات خاصة بهم، أكثر من مليون نسمة في العالم وما يزيد علي نصف مليون نسمة في العراق، يتمركزون في محافظتي نينوي ودهوك، وتوجد جالية كبيرة من ايزيديّ العراق في عدد من الدول الأوربية يبلغ نفوسها أكثر من ستين ألف نسمة، بحسب دراسات نشرتها الجالية في ألمانيا حيث يتواجد غالبيتهم. من جانبه ذكر مدير مستشفي سنجار العام، كفاح محمد جاسم أن التقارير الإعلامية عن ارتفاع نسبة حالات الانتحار في القضاء مقارنةً بالسنوات السابقة "مبالغٌ فيها"، مضيفا أن الحالات التي وصلت المستشفي "لا تتعدي أصابع اليد الواحدة وينبغي علي وسائل الإعلام مراعاة الدقة في تناولها". وأفاد أن هناك حالات البعض "يحسبها انتحاراً وهي في طبيعة الحال ليست كذلك إنما حالات قتل بالخطأ أو من باب غسل العار والتهرب من طائلة القانون وخوفاً من العقاب يدّعي ذوي المقتول بأنه انتحر"، لافتا إلي أن حالات الانتحار التي سجلت رسمياً "غلب عليها تأثير المسلسلات التركية المدبلجة ومحاولة البعض من الشباب والشابات تقليد شخصياتها". لكن الإعلامي والباحث المهتم بالشأن الايزيدي، بركات العيسي، قال إنه غطّي أخبار نحو 25 حالة انتحار لفتيات من سنجار خلال العام الجاري ونشر تقارير ومواد صحفية بهذا الشأن.، وأضاف أن هناك حالات انتحار "لم يسمع عنها ولم يقم بتغطيتها". وأعرب عن اعتقاده أن العدد "لا يقل عن 40 حالة انتحار لفتيات إلي جانب الشباب ليصل مجموع المنتحرين إلي ما بين 55-60 حالة"، منوها إلي أن الانتحار "أصبح تقليداً لدي المراهقين في سنجار الأمر الذي يشكل خطورة كبيرة يجب العمل لمواجهته قبل فوات الأوان فلا يكاد يمر شهر دون أن تسجل حالات انتحار وخصوصاً للفتيات حرقاً بإضرام النار في أجسادهن". وناشد العيسي، منظمات المجتمع المدني والجمعيات التي تهتم بحقوق المرأة والمؤسسات والمراكز الثقافية بتنظيم دراسات متكاملة بشأن القضية والقدوم إلي سنجار لتنظيم مؤتمرات ولقاءات مكثفة وإطلاق حملات للتوعية لتجاوز هذه المعضلة التي باتت تقلق المجتمع، مضيفاً أن "نحو 70% من سكان سنجار لا يجيدون القراءة والكتابة لذلك فهم عرضة للتأثر أكثر من غيرهم بالظواهر السلبية". وذهب إلي أن "سببين رئيسين يقفان خلف ازدياد حالات الانتحار في القضاء وهما التخلف وعدم سماح الأهالي للفتيات بمواصلة الدراسة إلي جانب المسلسلات المدبلجة إذ أن البعض من المراهقين يعتقد أن ما يشاهده حقيقة تجسد في تمثيل في حين أنه ليس أكثر من رواية من نسج الخيال".