قبل أن يذهب ذهنك الي مالا أقصده أؤكد أن جمال المقصود في العنوان السابق ليس هو "السيد "جمال مبارك أمين لجنة السياسات بالحزب الوطني وانما هو شخص مختلف تماما وليس هناك وجه للتشابه بين الاثنين الا الاسم فقط ,فجمال الذي نتحدث عنه هنا هو"جمال أبو عليو" زميل صحفي يعمل بجريدة الكرامة صعيدي النشأة والطباع والملامح تعرفت عليه منذ فترة قصيرة في دورة اللغة الانجليزية التي تنظمها نقابة الصحفيين , شخصية مميزة تجمع بين حدة الصعيدي وثورته اذا شعر بأي مساس بكرامته, وبين صفات الصحفي المثقف المعارض, وبين رقة تختفي وراء ملامحه الصعيدية يكشف عنها حديثه عن علاقته الخاصة بابنته الوحيدة زينب والتي تختلف عن علاقته بسائر أبناءه الذكور وكذلك حديثه عن مصر وغيرته وحزنه علي أحوالها والفساد و الانكسار والقهر الذي انتشر في ارجاءها ورغم ذلك فهو يؤكد دائما عدم قدرته علي البعد عنها ويؤكد أن قلبه ينخلع حين تقلع به الطائرة بعيدا عن أرض مصر فكانت أطول فترة يعيشها في الغربة لا تتجاوز شهر وهو ماجعله يضحي بأكثر من فرصة مغرية للعمل بالخارج , لا يكف عن الضحك والكلام , لديه قدرة فائقة علي اكتساب الأصدقاء حيث يجعلك خلال فترة قصيرة تشعر أنك تعرفه منذ زمن خاصة مع مايتمتع به من صفات ابن البلد الصعيدي الشهم الذي يبادر لمساعدة الغير دون أن يطلب منه المساعدة ورغم فوضويته وما يسببه من ارتباك في المحاضرة الا انه ذو شعبية كبيرة و يتمتع بمحبة جميع الزملاء , يوم الاثنين الماضي بدا جمال وكأنه شخص أخر,شاردا ساكنا لا يتحدث ,حزينا وكأنه فقد عزيزا لديه ,بمجرد أن سألته عن سبب هذه الحالة فاذا بالكلمات والحروف تخرج مختنقة مكسورة ممتزجة بدموع لم أكن أتوقع أن أراها تهزم هذا الرجل الصعيدي الضاحك فتفشل محاولته اليائسة لمنعها "حاسس بالقهر ربنا يكفيكي شر القهر, اللي حصل في الانتخابات ومع كل رموز المعارضة مع حمدين وبكري وجمال زهران وغيرهم والاهانة اللي اتعرض لها كل مصري كان فاكر انه لسه في بلده ومن حقه يختار اللي يمثله يؤكد ان البلد مبقاتش بتاعتنا مالناش مكان فيها ولا لنا كلمة ولا صوت خلاص نسيبها مخضرة لمن نهبوها أنا قررت أسيب مصر وأخد عيالي وأهاجر" اخرج جمال منديلا من جيبه مسح دموعه وهو يشير الي أنه وافق اليوم علي عرض للسفر والعمل بدولة البحرين كان معروضا عليه منذ فترة وحصل علي تأشيرة السفر وحينها لم يتمالك دموعه مرة أخري وانطلق مسرعا حتي لا نري مزيدا من دموع الرجل الصعيدي العزيزة الغالية تهون فينكسر معها القلب حين يتخيل فراق الحبيبة التي يذوب عشقا في ترابها . حالة جمال وكلماته ودموعه تذكرت معها كلمات الرائع الراحل صلاح جاهين باحبها وهي مالكه الأرض شرق وغرب وباحبها وهي مرمية جريحة حرب باحبها بعنف وبرقة وعلي استحياء واكرهها وألعن أبوها بعشق زي الداء واسيبها واطفش في درب وتبقي هي ف درب وتلتفت تلقيني جنبها في الكرب والنبض ينفض عروقي بألف نغمة وضرب واذا كان الفساد والتزوير وقهر الارادة قد وصل الي هذه الدرجة فهل نبحث جميعا عن وطن أخر وهل نهاجر ونتركها "مخضرة" لمن قهروا ارادتنا وكسروا نفوسنا وتصرفوا وكأن الوطن صار عزبة لهم يرثونها ويورثونها ولنذهب نحن للجحيم فأرواحنا رخيصة نحترق في القطارات أو نغرق في العبارات أو تقذفنا مراكب الهجرة غير الشرعية هربا من الفقر والجوع والبطالة أويتم تزييف ارادتنا واهدارها لنصبح غرباء في وطننا . هل نفقد الأمل ونستسلم للقهر ونحزم حقائبنا ونرحل كما سيفعل زميلي جمال أبو عليو ؟ حقا أن ماحدث في الانتخابات الأخيرة فاق كل التوقعات وزاد من احساسنا بالمرارة والغربة في الوطن الا أنك لا يمكن أن تهرب و تترك أمك فريسة للذئاب , وقبل ان يسيطر علينا اليأس ونتخذ قرارالرحيل أدعوكم ونفسي للاجابة عن الاسئلة التي طرحها الشاعرجمال بخيت حين قال : أهاجر واسيبك لمين ولسه صبية ونيلك حزين ولسه لبكرة مليكي الحنين أسيبك لمين ومين راح يرد لتاريخك صباه ويمشي طريقك لأخر مداه ومين من حياته يجيبلك حياة ومين راح يكبر في وقت الصلاة ومين يبيقي مغرم بحبك صبابة ومين يحمي طيبتك ياأم الطيابة ومين يبقي ضلة في شمس الغلابة ومين يبقي شوكة في حلق الديابة أسيبك لمين..؟!! [email protected]