رأت دراسة اسرائيلية جديدة، اعدها الباحث ندير تسور، من معهد ابحاث الامن القومي في تل ابيب، ان الدولة العبرية، وبعد مرور اربع سنوات علي انتهاء حزب لبنان الثانية فشلت في تبني استراتيجية واضحة لمعالجة تهديد حزب الله، لافتا الي ان هذا الفشل يطفو بقوة علي السطح في عدم تمكن اسرائيل من فعل اي شيء لمنع حزب الله من مواصلة تزوده بالاسلحة المتطورة والتي سيستعملها في المواجهة القادمة ضدّ اسرائيل. وقالت الدراسة ان القائد هانيبال هو صاحب المقولة المشهورة: اما ان تقهر عدوك، وامّا انْ تقبل مصير المقهورين، وامر هنيبال في الجيش الاسرائيلي ينص بالحرف الواحد: يتحتم علي جنود الجيش احباط عملية الاختطاف ومنع الاسر، بكل ثمنٍ، وحتي القيام باطلاق النار باتجاه سيارة الخاطفين والاسير، حتي لو ادّي الامر الي مقتل الجندي المخطوف، والهدف من وراء ذلك، هو منع حالة الصدمة والتداعيات السياسية وغيرها لعملية الاسر. الباحث تسور، في دراسته الجديدة اكد من خلالها علي انّ جيش الاحتلال قام بتفعيل الامر المذكور بعد قيام حزب الله باختطاف الجنديين الاسرائيليين في الثاني عشر من شهر تموز 'يوليو' من العام 2006، وعُقدت جلسة طارئة للحكومة الاسرائيلية، مشيرا الي ان الدولة العبرية، التي كانت حتي عملية الاختطاف اسيرة سياسة الاحتواء او الاستيعاب، بمعني عدم الانجرار وراء استفزازات التنظيمات الارهابية، علي حد تعبيره، قررت الخروج عن اطار هذه السياسة، والبدء بعملية عسكرية واسعة النطاق، وعندما ردّ حزب الله علي القصف الاسرائيلي المكثف علي لبنان، زاد الباحث، قامت اسرائيل بتفعيل اكثر للقوة العسكرية التي تمتلكها، والتي كانت غير مسبوقة. وقال الباحث ايضا ان الرد الاسرائيلي السريع ومنع كل تأجيل في الرد العسكري حتي اتخاذ قرار للمواجهة، عكسا بصورة واضحة الخشية الاسرائيلية من تبني حزب الله وسورية وايران نظرية الوعي القائلة انّ الدولة العبرية ضعيفة، ومن الصعب عليها، ان لم يكن مستحيلا، التخلص من الضغوطات الدولية التي كانت ستمارس من اجل منعها من الدخول في المواجهة مع حزب الله. بالاضافة الي ذلك، قال الباحث تسور في دراسته، انّ اسرائيل رأت في اختطاف الجنديين من قبل حزب الله فرصة غير مسبوقة لتغيير اساسي للواقع الذي نتج في الجنوب اللبناني عقب انسحاب الجيش الاسرائيلي من المنطقة في ايار 'مايو' من العام 2000، علاوة علي انّها رأت في الهجوم العسكري فرصة مريحة لنسف وعي العدو وثقته الكاملة بقوته، هذا الوعي الذي تنامي بصورة مقلقة للغاية، علي حد تعبيره، في صفوف حزب الله، ومنحه شعورا بالانتصار، اذ انّ الحزب رأي بالانسحاب انتصارا وتفاخر بذلك امام من يقودونه، اي الايرانيين والسوريين، بالاضافة الي التنظيمات الفلسطينية التي تحارب اسرائيل، كما قال تسور. وبرأيه فانّ انتقال اسرائيل وبسرعة فائقة من سياسة الصبر والاحتواء والاستيعاب الي سياسة العمل العسكري المكثف، سبب مفاجأة كبيرة لحزب الله، ولكنّه اضاف انّ هذا الانتقال ادّي في ما ادّي الي تغيير الوعي لدي العدو، وبموازاة ذلك، سبب صعوبات جمّة في الوعي لدي الجيش الاسرائيلي، الذي انتقل بسرعة وبدون تحضير من سياسة ضبط النفس، المتمثلة برد معقول، الي سياسة الهجوم المكثف، التي تحمل في طياتّها الكثير من المخاطر، وشدد الباحث علي انّ استمرار حرب لبنان الثانية لمدة 34 يوما، ومن ناحية اخري تعرض العمق الاسرائيلي للقصف اليومي من قبل حزب الله، ادّيا الي افقاد الجيش الاسرائيلي الثقة بالنفس، كما انّ هذين العاملين اثرا سلبًا علي وعيه من الناحية النظرية ومن الناحية العملياتية. واعترفت الدراسة بانّ الحرب كشفت عن فشل مرده في نظرية العمل التي كانت مبنية علي ضرب وتدمير مستمرين للاهداف المهمة لدي العدو بهدف تغيير وعيه، ووعي قادته ووعي الدول التي تدعمه، وزاد قائلا انّ سياسة الحرب الاسرائيلية، التي استعملت خلال حرب لبنان الثانية في صيف العام 2006، والقائمة علي تفعيل القوات بصورة غير مسبوقة، وبدون تركيز، وبدون جهود لارغام العدو علي الاستسلام، هذه السياسة فشلت، كما اكدت الدراسة. وخلصت الدراسة الي القول انّه بعد مرور اربع سنوات علي حرب لبنان الثانية بات واضحا انّ الجيش الاسرائيلي استوعب الدروس، خصوصا وانّه استعمل التحسينات التي ادخلها علي ادائه في العدوان الذي شنه علي غزة في اواخر العام 2008 واوائل العام 2009، كما تفهم الجيش الفشل العسكري والفكري الذي لازمه قبل عدوان العام 2006 علي حزب الله، وانكشف بكل وضوح خلال الحرب الثانية علي لبنان. ولكن مع ذلك، رأي الباحث الاسرائيلي، انّه بسبب الخلافات السياسية الداخلية في اسرائيل والتفاوت في المواقف بين القوي السياسية الفاعلة في الدولة العبرية، فلم تتمكن اسرائيل حتي اليوم، اي بعد مرور اربع سنوات علي وضع الحرب اوزارها، من وضع استراتيجية واضحة بالنسبة لمعالجة حزب الله، وبرأيه يبرز الفشل الاسرائيلي جليا وواضحا في قضية تسلح حزب الله بعد الحرب، اذ انّه علي الرغم من ان الحزب يواصل زيادة ترسانته العسكرية بشكل مقلق، فانّ اسرائيل لا تفعل شيئًا لوقف عملية التسلح، وهذه الاسلحة المتطورة التي يواصل حزب الله بالتزود بها ستُستعمل من قبله في المواجهة القادمة ضدّ اسرائيل، علي حد قوله. وشدد علي ان فشل اسرائيل في وضع استراتيجية لمواجهة حزب الله يؤثر سلبا علي مستقبلها، اذ انّه حتي اليوم لم يصل صناع القرار في تل ابيب الي قرار من افضل لاسرائيل: القيام بعمليات عسكرية محدودة ضدّ حزب الله وتحقيق نتائج قيّمة، ام القيام بعملية عسكرية واسعة النطاق لضرب البنية التحتية وتحقيق الردع، هذه السياسة التي ستنزع من حزب الله مواصلة تعاظم قوته العسكرية واستغلالها في مناسبات عديدة في نزاعات صراع البقاء العنيفة، التي يديرها حزب الله، علي حد تعبيره