نساء عراقيات هربهن من حرب الولاياتالمتحدة علي العراق، يواجهن شكلاً آخر من العنف: بيعهن لبيوت الدعارة من قبل الأقارب المحتاجين بشكل يائس للمال. صعّدت دمشق ردها القانوني لمكافحة هذا النوع من الإتجار، لكن المخاطر لا زالت مرتفعة. أم علي خائفة.. تقول أن أقاربها الذكور يريدون قتلها وبيع بناتها في زواج شكلي هو في حقيقته ترتيبات للإتجار بالجنس بتشغيل البنات في محلات البغاء بالخارج. إنها تعيش في الخفاء، وتغير أماكن سكنها في الكثير من الأحيان. تزداد مخاوفهامع كل مرة تتسلم فيها رسالة من خلال هاتفها الخلوي. تضمنت رسالة التهديد الأخيرة من أخيها كلمتان بمعني واضح : "العالم صغير." أم علي هي واحدة من جموع اللاجئين الأكثر من مليون نسمة ممن وجدوا ملجأهم في سوريا منذ دخول القوات المحتلة العراق العام 2003. غادرت البلاد العام 2006 مع زوجها وأطفالها هرباً من موجة عنف المليشيات ضد العراقيين العاملين مع الأمريكان. بعض بنات ونساء هؤلاء اللاجئين يواجهن الإتجار بالجنس بدفع من أشخاص داخل أسرهن.. لا توجد دراسات أو إحصاءات متاحة بشأن هذه المشكلة بعينها، لكن قصصاً متداولة كثيرة من قبل العديد من الذكور تتحدث عن بيع بنات لا تتجاوز أعمارهن 13 سنة من قبل أقربائهن في سوق النخاسة باسم الزواج. من الصعب علي النساء تفادي هذه التهديدات، بخاصة عندما تأتي من داخل الأسرة.. النساء ممن يهربن من هذا الواقع- تجارة الجنس- عرضة للقتل علي يد ذوي القربي من الذكور بدعوي "غسل العار!" "المرأة العراقية تهرب من عنف الوطن وأيضاً من عنف العائلة... المجتمع السوري ونساء مثل أم علي يدفعون ثمن الحرب الأمريكية علي العراق،" قالتها الطبيبة النفسانية ماري سمعان Mari Samaan ل Women's eNews. وأضافت: كلما عاشت إمرأة مثل أم علي بالاعتماد علي نفسها، فالاحتمال الأكبر أن أقاربها من الذكور يشكون بأنها تتعامل بالجنس. كثرة من هؤلاء النسوة يفتقرن إلي المهارات المهنية. الزواج من الشباب والاعتماد علي الرجل طوال حياتهن هي طريقة حياتهن. إنهن يكافحن من أجل مواجهة صعوبات الحياة في غياب العائل والحامي/الزوج في سوريا. التقاليد العراقية قاسية، وحسب سمعان "أية إمرأة بدون زوج أو عائلة تسهر عليها، عندئذ يُنظر إليها باعتبارها عاهرة. رأيت بنات اغتصبن 'في العراق' من قبل العسكر والمليشيات، ثم قتلن من قبل أسرهن." ورغم تصاعد الجهود السورية لمنع الإتجار بالجنس، فإن كثرة من النساء يواجهن مخاطر كتلك التي تحاول أم علي التهرب منها. بعد زواجها، وهي بنت الأثني عشر عاماً من رجل يمارس الضرب والجلد معها علي مدي 21 عاماً، تُريد أم علي مصيراً مختلفاً لبناتها الثلاث وهُنّ في سن المراهقة. في العراق كان يُعاملني فقط بالضرب... في سوريا، تحول إلي ضرب الفتيات. أُريدهن أن يخترن طريقهن في الحياة، علي خلاف ما حصل لي. إنهن ذكيات ويُحبن الدراسة. إذا ما كُنّ في مأمن من هذه التهديدات، عندئذ يمكنهن إنهاء المدرسة بنجاح،" وفقاً لأُم علي لوكالة أخبار المرأة. وأضافت: عندما قامت عائلة صديقة بإعطاء إبنتها إلي سعودي لقاء مهر كبير huge dowry، دخلت الفكرة في رأس زوجي "لا يفكر بشيء... كل ما يشغل اهتمامه وتفكيره هو المال." دخلت فكرة الزيجة تلك حالاً في رأسه.. اتفق مع عراقي مشتبه بأنه يُدير بيت دعارة في الولاياتالمتحدةالأمريكية. وبسبب تراكم الديون علي زوجي من لعب القمار، صار مجبراً علي الفرار والعودة إلي العراق قبل إتمام الصفقة. بعد أن تُركت أم علي وحدها مع بناتها الثلاث وإبنها، فقد وجدت الفرصة لطلب الطلاق. طُردت من قبل المالك لعجزها عن دفع الإيجار. أخذت حقائبها وأطفالها الأربعة وانتقلت إلي سكن مؤقت. صارت في كل مرة عرضة لممارسة الجنس من قبل المستأجرين والمالكين، لغاية حصولها علي مأوي للنساء تابع للأمم المتحدة في أواخر العام 2009. لكن خلافها مع إدارة الملجأ وضعها في الشارع مرة أخري بعد إنذار بالإخلاء خلال 24 ساعة فقط. تعيش أم علي وبناتها الثلاث وأبنها حالياً في شقة تحتوي علي غرفة واحدة وملحق بها مطبخ وحمام صغير. وتحصل علي راتب قياسي شهري من الأممالمتحدة للأسر التي ترأسها نساء والبالغ 220 دولار.. لا تستطيع تحمل حتي نفقات شراء المياه الصالحة للشرب في الصيف عندما تجف الصنابير/الحنفيات.. فهي تدفع 177 دولار للايجار وتنفق الباقي.. أي أقل من 1.5 دولار لمعيشة خمسة أنفار في اليوم! "نحن يائسون.. لا أحد يحمينا.. والأمم المتحد فشلت في معالجة حالتنا،" قالتها للوكالة. تلقّت خمس رسائل تهديد منذ مغادرتها مأوي النساء في الصيف الماضي. الأفكار المرعبة والكوابيس تلاحقها. ونتيجة خوفها من اكتشاف مكان سكنها من قبل أخوتها أو زوجها السابق، فقد قطعت كافة اتصالاتها مع عائلتها ومعارفها. تعمل سوريا علي تصعيد جهودها لحماية النساء اللاجئات، مثل أم علي، ممن يتعرضن لمخاطر الخطف، الإتجار بالجنس، والبغاء القسري، في حين يُحاولن البقاء علي قيد الحياة بالعيش في الضواحي المنخفضة الدخل من دمشق. دخل هذا القانون حيز التنفيذ في إبريل/نيسان لزيادة ضمان تدابير حماية ضحايا هذا الإتجار، علاوة علي زيادة العقوبة بالسجن سبع سنوات، علي الأقل، لمرتكبي ومستفيدي هذه الجرائم.. وبغية تعزيز تنفيذ القانون وتبادل أفضل الخبرات، استضافت دمشق في حزيران/يونيو مؤتمراً عالمياً بشأن الإتجار بالبشر. ضمّ المؤتمر أكثر من 120 عنصراً من عناصر منفذي القانون والخبراء غير الحكوميين لأكثر من 50 بلداً وبالتعاون مع الانتربول INTERPOL- منظمة الشرطة الدولية، ومقرها ليون- فرنسا. كذلك استضافت منظمات وطنية ودولية مجموعة متنوعة من مبادرات التوعية. ففي أيلول/سبتمبر عقد الاتحاد النسائي السوري، ومفوضية الأممالمتحدة السامية لحقوق الإنسان والمنظمة الدولية للهجرة ورشة عمل لمدة يومين في دمشق بغرض تكثيف تدابير مكافحة الإتجار. "الإتجار مشكلة بصورة متصاعدة بسبب الصراعات المسلحة في منطقتنا،" وفقاً ل Majida Qutaiet- رئيسة اتحاد المرأة في سوريا، حيث يخطط الاتحاد لفتح مركز في العام 2011 لتقديم المشورة للناجين من الاتجار والعنف القائم علي الجنس. وهناك بالفعل مركز واحد من هذا النوع في مدينة حلب الشمالية ومركز آخر في دمشق. *ترجمة: د. عبدالوهاب حميد رشيد*