منذ 32 سنة مضت تم إنشاء مجلس التعاون الخليجي ردا علي قيام الثورة الإيرانية في إيران عندما أعلن مرشد الثورة في حينه بتصدير الثورة ومبادئها إلي دول الخليج مما دفع بتلك الدول إلي الخوف علي الأنظمة الحاكمة فيها وعلي الدين والعقيدة والهيمنة الإيرانية المتشددة بنظامها الديني علي المنطقة ولهذا فقد سعت الدول الخليجية المكونة من السعودية والإمارات وقطر والبحرين والكويت وسلطنة عمان إلي إنشاء هذا المجلس، ومنذ لحظة إنشاؤه وإلي الآن لم تحدث أية تغييرات أو مؤثرات وأحداث سياسية كبري تؤثر علي دوله غير الأزمة النووية الإيرانية التي عزلت إيران عن دول العالم ودخولها في أزمة مع الغرب وأمريكا مما أراح دول الخليج طوال تلك الفترة التي مكنتها في دخولها مع تحالفات ومصالح مشتركة مع الولاياتالمتحدة والدول الغربية وبخاصة بعد حرب تحرير الكويت والغزو العراقي له وتهديده لتلك الدول. لقد ظلت دول الخليج تخشي تفاقم الدور الإيراني وسعت بعض دوله الكبري كالسعودية والإمارات لتفعيل دور المجلس والارتقاء به بما يناسب قوة تلك الدول ويواكب التحديات الكبري التي تحيط به وبدول العالم وكان الحلم الكبير إنشاء اتحاد خليجي علي غرار الاتحاد الأوروبي يسعي إلي تكوين جيش قوي موحد وسوق خليجية مشتركة واتحاد جمركي وعملة موحدة وضمان انتقال الأفراد ببطاقة هوية موحدة ومجالات اقتصادية وصناعية مشتركة وغيرها من الطموحات المتعلقة بإنشاء هذا الاتحاد، وظلت الفكرة محلا للتنفيذ وتم الاختلاف كثيرا علي بعض من بنودها بسبب الدور الريادي لبعض دوله واختلافها علي مقر البنك المركزي وعدم وجود إيرادات سياسية موحدة تتفاعل فيما بينها بلا عند أو تكابر تجاه ما يحيط بها من مشاكل إقليمية تهدد استقرار المنطقة كسيطرة إيران علي الجزر الإماراتية العربية، وثورات الربيع العربي والإطاحة ببعض الأنظمة العربية والأزمة السورية ثم المشاكل الدولية كالتقارب الأمريكي والأوروبي الآن مع إيران وهو ما يعيد مرة أخري التخوف السعودي والخليجي من خطورة هذا التقارب والخشية من أن تعود إيران للساحة الدولية ممتلكة للسلاح النووي فتهدد دول الخليج مرة أخري بل وتهدد المنطقة العربية في غياب دور الدول العربية القوية كمصر والعراق وسوريا، ولهذا يأتي أهمية قيام هذا الاتحاد الآن لحفظ أمن تلك المنطقة وتحقيق التنمية والأمن لشعوبها المتعطشة لذلك. وعندما حان الوقت لمناقشة اقتراح السعودية بإنشاء الاتحاد بالكويت الأسبوع الماضي كان قد سبقه بالمنامة تصريح السيد يوسف بن علوي وزير الدولة للشئون الخارجية العماني بإعلانه بالانسحاب من دول مجلس التعاون الخليجي في حال إنشاء الاتحاد مما أربك القمة الأربعة والثلاثين التي انعقدت مؤخرا بالكويت وكانت معظم الدول تتطلع إلي نجاح تلك التجربة وتشجيعها لإقامة اتحادات مماثلة في البلدان العربية لمواجهة التحديات والمخططات الصهيونية والإيرانية والتركية وغيرها علي منطقة الشرق الأوسط، وكان يعول علي الاتحاد الخليجي في حالة قيامه بدوره في ترتيب البيت العربي والتشاور والاتفاق علي مبدأ موحد تجاه النووي الإيراني وتطورات الأزمة في سوريا وما يحدث في مصر ، وقد أدي الرفض العماني للانضمام للاتحاد بقيام دولة الكويت بعد اختتام قمة مجلس التعاون الخليجي بالعمل علي التهدئة والتخفيف من وطأة القضايا الخلافية وترحيلها لقمم مقبلة خشية التصدع الخليجي ولهذا فقد جاء البيان الختامي للقمة مركزا علي النقاط الإيجابية التي تم التوصل والاتفاق عليها برغم تباين الموقف السعودي العماني، ويرجع رفض الموقف العماني الانضمام لهذا الاتحاد في حال قيامه بسبب وجود علاقات وشراكات اقتصادية قوية مع مسقط و طهران ومنها تقاسم السيطرة المشتركة علي مضيق هرمز وغيرها كالتقارب الديني والعقائدي كما أن العلاقات طوال الفترة الماضية لم تشهد أي انقطاع بين البلدين، وظلت السلطنة العمانية علي الحياد في كل الصراعات الجارية مع إيران والدول العربية أو حتي مع ما يحدث في ثورات الربيع العربي، كما لعبت عمان مؤخرا دور الوسيط في التقارب بين إيران والغرب في الملف النووي وهي أيضا لا تعبأ بما يمكن أن يسببه التقارب الإيراني الأمريكي وهو ما إن حدث فإنه سيؤدي حتما إلي انهيار وانفراط عقد دول مجلس التعاون، وسلطنة عمان رغم أنها تدرك أهمية وشفافية نبل مقصد الخطوة السعودية بإنشاء الاتحاد الخليجي للتعاطي والاستعداد للمشكلات الراهنة والمقبلة إلا أنها لا تريد أن تكون طرفا موجها ضد إيران ولربما أنها أيضا تشعر بهيمنة ونفوذ الموقف السعودي علي باقي الدول الخليجية الأصغر منها حجما وسكانا وموارد، كما أن عمان تدافع عن تاريخها وتأثيرها وحفاظها علي تراثها الثقافي وهويتها وتاريخها الطويل بالمنطقة وامتداد نفوذه إلي بلاد أفريقية إلي جانب مخاوف أخري خاصة تتعلق بالقلق العماني تجاه أنظمة الحكم في تلك البلدان يخشي عليها ولهذا كله تخشي الانضمام إلي هذا الاتحاد. لقد مرت سنوات طوال علي إنشاء دول مجلس التعاون الخليجي وكان من المفترض أن تكون تلك الفترة كافية للإصلاح والنهوض والتطور ونبذ الخلافات بين القيادات والتوحد والإرادة السياسية القوية والانصهار تجاه قيام هذا الاتحاد والالتفات إلي القضايا العربية والدولية وبالتالي الانتقال من مرحلة العمل المشترك إلي مرحلة الاتحاد الخليجي لأن مستقبل الدول الآن في تفاهمها وتقاربها وبخاصة عندما يكتمل لديها كل المقومات لإنشاء هذا التوحد والتقريب بينها في كل الشئون الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والصحية والتعليمية وغيرها ولن يتم ذلك إلا بنبذ الخلافات بين تلك الدول والسعي نحو التعاون والتلاحم والتقارب وتغليب المصلحة العامة لأن ذلك يمكن أن ينعكس علي دول تلك المنطقة ويؤدي إلي ازدهارها ورخائها وانعكاس ذلك علي شعوب تلك الدول ومدي تأثيره الإيجابي علي باقي الدول العربية المتعطشة والحالمة بذلك، فلماذا إذا يؤجل هذا الاتحاد؟