لا شك أن الاستغراق في الواقع وعدم البحث عن مسببات الأحداث وجذورها التاريخية, وإهمال وضعها في سياقها الصحيح, كل ذلك يولد حكماً غير منصف, و رأياً لا يمكن أن يوصف بالسديد. وبالنظر لمجريات الأحداث في مصر في الفترة الأخيرة, نجد أن الإخوان المسلمين أصبح محور كلامهم ومركز 'نضالهم ' حول ما يمكن أن نسميه ' مظلومية رابعة ', وصار كل نقاش بينهم وبين غيرهم, والقضية التي يسوقونها لدي عوام الشعب, هي قصة الدماء والقتلي, التي يتهمون فيهما قوات الجيش والشرطة. ومع كثرة المسيرات التي ترفع صور القتلي والمصابين - دون مراعاة لحرمة -, ومع كثرة النواح واللطم الذي يحسنه الإخوان, تأثر كثير من الناس بذلك وتعاطفوا مع هؤلاء ' المظلومين ', 'الأبرياء ', ولم لا وقد قتل الجيش 'المتوحش ' بعضهم 'دون ذنب', وأسقط 'شرعيتهم ' دون مبرر, أو هكذا صوروا للناس. وشعبنا في أغلبه يتمتع بذاكرة ضعيفة ويتفاعل مع اللحظة دون التفكر فيما سبقها, وكما قال أديب نوبل, نجيب محفوظ, آفة حارتنا النسيان. نسي الناس أسباب الأزمة وجذور الفتنة, واستطاع الإخوان أن يلبسوا عليهم ب ' مظلومية رابعة' وأن يجعلوها المنطلق في الأحداث الجارية, وألهبوا حماس بعضهم باللطميات التي تشبه لطميات الروافض. لكن لنعد للوراء قليلاً ولننحي عواطفنا الآنية جانباً, ولنستخدم عقولنا في ربط الأحداث ببعضها حتي نصدر حكماً منصفاً يتسق مع حقائق الأمور. الإخوان لم يُبدأوا بالعدوان, بل هم من بدأ, بداية من أحداث الإتحادية, مروراً بأحداث المقطم وأحداث مكتب الإرشاد فضلاً عن التهديد بتصعيد الأمور والتلويح بورقة أصدقائهم الجهاديين, وكذلك تصريحات كبراءهم, كقول صفوت حجازي 'اللي يرش مرسي بالميه نرشه بالدم ' ألم يهدد أنصارهم بحرق مصر إذا سقط مرسي, -وهل اسقاطه مبرر مقبول؟! ألم يهدد أحدهم بالسيارات المفخخة والتفجير عن بعد, والعمليات الانتحارية؟! ثم ألم يعترف البلتاجي بالارتباط بين ما يجري في سيناء من قتل لجنودنا الأبرياء وبين عزل مرسي؟ ولنرجع للوراء أكثر لنري من المسئول عن وصول الوضع لهذا الحد المأساوي سنجد أن الإخوان بكبرهم وغرورهم قد رفضوا كل المبادرات التي طرحت لاحتواء الوضع المتأزم, حتي تلك التي اقترحها إخوانهم الملتحون, وأقصد حزب النور. لماذا رفض مرسي تغيير حكومة هشام قنديل الفاشلة باعتراف الجميع, وهب أنه أضاع تلك الفرصة لتهدئة الناس وزاد الأمر سوءاً وارتفعت حالة السخط بين الناس, لماذا لم يجر استفتاءً علي إجراء انتخابات رئاسية مبكرة من عدمه؟ وحين جاوز الأمر حدوده وبلغ السيل الزبي, ونزل الملايين إلي الشوارع مطالبين برحيله, لماذا لم يف بما قطعه علي نفسه بالتخلي عن المنصب إذا خرج الناس مطالبين بذلك؟ ثم وبعد أن عُزل مرسي, لماذا لم يعترف الإخوان بأخطائهم ويراجعوا أنفسهم بدلاً من شحن الناس إلي الميادين وخداعهم بكلمات رنانة, كالشرعية, والدفاع عن الإسلام -زعموا-. شيء من هذا كله لم يحدث, بل تجاهل الإخوان كل ما مضي ذكره وحرضوا الناس علي الاستمرار في اعتصامات يعلم الكل أنها لن تؤدي إلي تغيير شيء, بل إلي صدام لم يكن يُعلم مداه, خصوصاً بعدما أشيع من احتواء تلك الاعتصامات علي أسلحة, تزامناً مع التصريحات الغير مسئولة من تكفير وتفسيق وتهديد من قيادات ضل سعيها وهي تحسب أنها تحسن صنعاً, إضافة للمسيرات التي كانت تخرج, لشل القاهرة حسب قولهم. وكانت النتيجة المتوقعة فتدخل الأمن ووقع الصدام وسقط المئات من المعتصمين, والعشرات من رجال الأمن في واقعة كان يمكن تجنبها لو قلل الإخوان من إكسير الغباء الذي يتعاطونه قليلاً. وبعد كل هذا يكمل الإخوان مسيرة الحمق المقدس التي بدأوها منذ ثمانين سنة, واستأنفوا تمثيل دور المظلوم الذي يحسنون أدائه, ولا عجب في ذلك فتلك طبيعتهم وعليها درجوا, لكن العجب أن ينخدع الناس بهم مرة أخري, ويسلمونهم عواطفهم يلعبون بها من جديد, بسبب تلك الآفة اللعينة, آفة النسيان.