الحمد لله أني عشت إلي اليوم الذي أري فيه مصر وهي تستعيد دورها في المنطقة، وتفسد المخطط الأمريكي الذي راحت تحيكه الإدارة الأمريكية عبر سنوات لتقسيم الوطن العربي إلي معسكرين: سني وشيعي.. وإلي دويلات صغيرة. الحمد لله أني عشت لأخوض مع الشعب المصري الذي أشرف بالانتماء إليه معركة الاستقلال الوطني التي تديرها مصر بعد ثورة 30 يونية المجيدة، لنتحرر جميعًا من براثن التبعية الأمريكية. الحمد لله أني عشت إلي يوم 14 أغسطس لأري مصر وهي تسترد هيبتها وتمحو آثار العدوان علي السيادة المصرية عندما راحت الوفود الغربيةوالأمريكية تزور أرباب السوابق والإرهاب من قيادات الإخوان وتفرض خطط طريق ومستقبل علي هواها ولصالح عملائها. الحمد لله أن جرائم الإخوان أصبحت مكشوفة لكل ذي عينين وعرف الناس أو من كان في قلبه شك حقيقة دور الجماعة الإرهابي، بعد أن راحت ميليشياتهم تهاجم أقسام الشرطة والمحاكم ومؤسسات الدولة وحتي دور العبادة والممتلكات الخاصة.. لتخرس الألسنة التي تطالب بما يسمونه بالمصالحة الوطنية، أو الخروج الآمن أو اندماج الجماعة من جديد في الحياة السياسية. الحمد لله.. اكتشف المصريون حجم إرهاب هذا التنظيم السرطاني الذي يمثل رأس الحربة في المخطط الأمريكي الرامي لتقسيم الوطن وجره إلي الحرب الأهلية. أعرف أن 'مذبحة كرداسة' التي راح ضحيتها 11 شرطيًا، و'مجزرة رفح الثانية' التي استشهد علي إثرها 25 جنديًا، ومشاهد التعذيب التي تعرض لها ضباط أسوان، وغيرها من جرائم الإخوان تدمي القلوب.. لكن سيبقي ما حدث رغم بشاعته أهون بكثير من بقاء الإخوان في الحكم، ونجاحهم في تنفيذ مخططات أسيادهم في البيت الأسود لتقسيم مصر وتفكيك جيشها ودهس الوطن تحت عجلات الأهداف الأمريكية الصهيونية. ومن يقرأ المشهد بعناية خصوصًا بعد فشل الإخوان في حشد أنصارهم يوم الجمعة الماضي يعرف جيدًا أن مصر قطعت شوطًا كبيرًا في طريقها للخلاص من الإخوان. الحمد لله.. أصبح واضحًا أن أمريكا والاتحاد الأوربي يدافعون بكل ما يملكون من قوة عن عملائهم الإخوان، لدرجة أن تطالب فرنسا وإنجلترا وتركيا مجلس الأمن بعقد جلسة طارئة لمناقشة ما يحدث في مصر.. الغرب الذي تجاهل الأزمة السورية ولم يناقشها في مجلس الأمن إلا بعد عام كامل من تفاقم الأوضاع، يتحرك بعد يوم واحد من فض بؤرتي الإرهاب في 'رابعة' و'النهضة'، وتستجيب الأممالمتحدة في دقائق وتعقد جلسة لمناقشة الوضع في مصر!!. ولماذا نستشهد بالأزمة السورية.. مجلس الأمن لم يعقد جلسة طارئة بهذه السرعة لمناقشة أمر يتعلق بمصر إلا مرتين: الأولي عندما عبر الجيش المصري خط بارليف وهاجم الكيان الصهيوني في السادس من أكتوبر 1973.. والثانية عندما هاجمت الشرطة بؤرتي الإرهاب في 'رابعة' و'النهضة' وحطمت تحصينات الإخوان، في الرابع عشر من أغسطس!!. الحمد لله أن أمريكا تُراجع منذ 30 يونية علاقتها بمصر وأجَّلت تسليم الجيش صفقة طائرات 'إف16' وألغت مناورات 'النجم الساطع'، ويطالب بعض أعضاء الكونجرس بقطع المعونة، وأرجو لله أن تستجيب الإدارة الأمريكية لمطالبات هؤلاء وتقطع المعونة المهينة التي نتجرع معها كؤوس الذل كل عام.. وندفع مقابلها الكثير من كرامتنا وسيادتنا. بالطبع أفهم تخوفات البعض من المؤامرة الأمريكية - الغربية علي الجيش المصري، وتوجسهم من الغدر الأمريكي، لكن علي هؤلاء أن يثقوا في أنفسهم وفي شعبهم العظيم وجيشهم الوطني، ويعرفوا أن المنطقة يعاد تشكيلها من جديد وإما أن تخرج مصر من العباءة الأمريكية وإما أن نعيش سنوات وعقودًا جديدة من الدوران في الفلك الأمريكي. 'السكة اللي تودي' تابعت علي مدي الأيام الماضية تصريحات أنصار البرادعي التي مازالت تصنف استقالته 'المخزية' علي أنها وجهة نظر!!، ويدهشني هؤلاء الذين يؤكدون أن الهجوم عليه يأتي في إطار حملة لا يراد بها شخص البرادعي وإنما كل مكتسبات ثورة 25 يناير، ومحاولة من النظام القديم للقفز علي ثورة 30 يونية.. وأعجب عندما يؤكد هؤلاء أن البرادعي سيخرج إلي الشعب المصري في الوقت المناسب ليوضح أسباب الاستقالة وتوقيتها!!!. كلام غريب ومثير للسخرية خصوصًا أن ما فعله البرادعي هو ما يمنح أمريكا والغرب والمتربصين بالثورة فرصة الانقضاض عليها وتشويهها.. وأعتقد أن هذه التصريحات أو التبريرات لم تعد ذات جدوي بعدما كشف د.حسام عيسي وزير التعليم العالي الحقيقة.. وأعلن أن البرادعي وافق في اجتماع عام حضره وزير الداخلية علي خطة فض اعتصامي 'رابعة' و'النهضة'، وأكد عيسي أن تقديرات الخسائر في الأرواح التي حددها وزير الداخلية في الاجتماع ووافق عليها البرادعي كانت أكبر مما حدث علي أرض الواقع. وهو ما يعني أن المسأله ليست مسألة ضحايا، وأن استقالة البرادعي لم تكن سوي خيانة واضحة للشعب المصري، أو بالأحري طعنة بخنجر مسموم في ظهر الوطن، جاءت لتبرر التصعيد الأمريكي - الغربي الذي شهدناه علي مدي الأيام الماضية. بالطبع انتهت قضية البرادعي بعد أن افتضح أمره وعرف الناس حقيقته، وغادر غير مأسوف عليه إلي خارج مصر.. المشكلة أن روح البرادعي ما زالت تحلق في سماء الحياة السياسية.. وكل يوم يظهر لنا الكثير من أمثال البرادعي يطالبون بما كان يطالب به ويتحدثون عما يسمونه ب'المصالحة الوطنية'!!.. ولا يملّون من طرح المبادرات والتسويات. وأنا هنا أود أن أحكي تجربتي مع البرادعي، وسيطرة فكرة 'مش وقته' علي كثير من العقول، خصوصًا أن 'مش وقته' كانت ومازالت أحد العيوب الخطيرة التي أصابت النخبة المصرية. 'مش وقته' كانت السبب في التغاضي عن الكثير من سوءات وعورات البرادعي.. وبسببها كاد الإخوان يختطفون الوطن.. وبسببها أيضًا توغل وتغول اللوبي الأمريكي في الحياة السياسية، وأصبح بمثابة الطابور الخامس الذي يقف ضد الاستقلال الوطني. بسببها في الماضي غض الكثيرون البصر عن العديد من المنظمات الحقوقية المموَّلة من أمريكا وتدين بالولاء لسيدها في البيت الأسود بدعوي أنها تعري نظام مبارك.. وبسببها اليوم يؤجل البعض مناقشة قضية الإسلام السياسي أو إنشاء الأحزاب علي أساس ديني حتي لا يغضب السلفيون.. لأن 'مش وقته'!!. وأنا أعترف أنني واحد ممن وقعوا تحت تأثير 'مش وقته' أو استجابوا لها في بعض الأحيان.. فعندما كنت أتحدث أو أكتب مثلا عن تنظيم الإخوان بوصفه تنظيمًا غير وطني تختلف ثوابته مع ثوابت الدولة المصرية.. كان يعاتبني البعض ويقول: إن الهجوم علي الإخوان يصب في مصلحة نظام مبارك.. وإنهم فصيل منظم يمكن الاستفادة بتنظيمهم وقدرتهم علي الحشد في مواجهة النظام السابق.. وكنت للأسف أستجيب. بسبب 'مش وقته' كان الإخوان يكتسبون تعاطفًا كبيرًا في الشارع المصري يومًا بعد الآخر، حتي أننا وبعد وصول الإخوان للحكم عندما كنا نكتب عن تاريخهم في الخيانة وعلاقتهم بالاحتلال الإنجليزي.. أو نستشهد مثلا بمخطط سيد قطب لتفجير مصر نكاية في عبد الناصر ونربط بين تاريخهم الأسود وحاضرهم الأكثر سوادًا لندلل علي أنهم تنظيم غير وطني ولا يري إلا مصلحة الجماعة حتي ولو كان ذلك علي حساب الوطن، كان ما نكتبه يمثل مفاجأة للكثيرين. نعود لحكاية البرادعي و'مش وقته'، ففي 13 نوفمبر 2009 كتبت تحت عنوان 'الانتخابات الرئاسية' منتقدًا ترشيح البعض اسم البرادعي منافسًا لمبارك.. وقلت: 'هل كتب علينا أن يكون الرئيس المصري فوق السبعين؟!!'.. وحذرت وقتها من استيراد رئيس من الخارج ممن يدينون بالولاء لأمريكا.. حتي لا ينطبق علينا المثل 'يطلع من نقرة يقع في دحديرة'. بعدها عاتبني بعض الزملاء وقالوا لي إن الهجوم علي البرادعي يصب في صالح مبارك.. فكتبت في مقال تال: 'إن انتقاد البرادعي أو الهجوم عليه يلقي ترحيبًا من النظام الحاكم ويتم توظيفه للتأكيد علي مفهوم خطير يحاولون تمريره لعقولنا مفاده ليس في الإمكان أفضل مما كان'.. لذلك قررت ألا أهاجم البرادعي ليبقي خلافي معه مؤجلا لحين رحيل مبارك. لكن مواقف البرادعي جعلتني أعود وأهاجمه، خصوصًا أنها كانت تأتي دومًا منسجمة ومتماشية مع المواقف الأمريكية فكتبت في 2 أبريل 2010 مقالا تحت عنوان 'عفوًا مستر برادعي' قلت فيه: 'أجدني مدفوعًا للكتابة عن البرادعي متوجها له بالنصيحة بعد تصاعد نبرته في الهجوم علي حقبة يوليو والرئيس جمال عبد الناصر.. حتي وصل به الأمر لاختلاق وقائع غير حقيقية كاضطهاد الثورة له، ولوالده!!'. وخاطبته: 'د.البرادعي.. أعرف أنك تبحث عمن يساندك.. تغازل الجميع.. تخطب ود الإخوان بالإعلان عن تأييدك لتكوين الأحزاب علي أساس ديني.. تصلي في الحسين، وتزور الكاتدرائية لكسب تعاطف الجميع.. تغض البصر عن الكيان الصهيوني، وتسترضي الولاياتالمتحدةالأمريكية بالهجوم علي الرئيس جمال عبد الناصر'. بعدها أيضًا عاتبني بعض الزملاء علي ما كتبت وقالوا لي: 'مش وقته'، فلن يقف أمام مبارك إلا شخصية مثل البرادعي.. وبالفعل استجبت لنصيحة هؤلاء وكنت أغض البصر عما يقوله ويفعله البرادعي وما يتخذه من مواقف حتي لا يصب ذلك في مصلحة مبارك. وبعد رحيل مبارك ظلت 'مش وقته' عائقًا أمام الكثيرين ممن يرون في البرادعي ممثلا للإرادة الأمريكية.. وكنت مع كثيرين نتجاوز عن مواقف البرادعي، حتي لا يفقد الناس الثقة في الأسماء التي ارتبطت بثورة 25 يناير، وحتي لا يستغل البعض هجومنا علي البرادعي في الهجوم علي الثورة. حتي بعد طرح اسم محمد البرادعي رئيسًا للوزراء ثم الاستقرار علي توليه منصب نائب رئيس الجمهورية ومع اختيار بعض الوجوه صاحبة الهوي الأمريكي في الحكومة المصرية، تحدثت إلي زميلنا عبد الفتاح طلعت مدير التحرير وقلت له: أريد أن أكتب عن البرادعي واللوبي الأمريكي في الحكومة الجديدة.. وبعد مناقشة بيني وبينه وجدتني أقول له ولنفسي: القضايا التي تحتاج للكتابة عنها كثيرة أما مسألة البرادعي والحكومة.. 'مش وقته'!!. ثم جاءت استقالة البرادعي لتجعلني مدينًا باعتذار عن كل مرة تراجعت فيها عن كشف عورات البرادعي بسبب 'مش وقته'. وتحية للزميل مصطفي بكري وغيره ممن ظلوا ثابتين علي موقفهم من البرادعي ولم يقعوا فريسة لفكرة 'مش وقته'.. وأدعو الجميع إلي التخلص من هاتين الكلمتين، فهما سبب الكثير من المشكلات التي يمر بها وطننا هذه الأيام. لا مجال الآن لأن نقول 'مش وقته'، يجب أن نفضح كل من يستحق أن نفضحه.. وأول هؤلاء ذيول وأتباع أمريكا خصوصًا مع تصاعد الهجمة الغربية علي مصر. يجب أن نقول للبرادعي وغيره ممن يطعنون الوطن في هذه الظروف الدقيقة عبر مبادراتهم: 'طظ' في حضراتكم، أو كما يقول المواطن البسيط الذي أثبت أنه أكثر وطنية ممن يدعون الوطنية 'السكة اللي تودي'.