المكر من طبائع البشرولكن منه المكر الحسن ومنه المكر السيئ حتي الأطفال في براءتهم يمكرون رأيت في الانترنت طفلا تجاوز عامه الأول بقليل يريد شيئا من أمه باصطناع البكاء وأمه تدرك ذلك وتتظاهر بأنها لا تسمعه وهو يريد أن يوصل لها البكاء ويسمعها إياه فيخطو خطوات تقربه منها خفية ثم يلقي بنفسه علي الارض بحركة تثير الضحك لدي المشاهد ويبدأ في البكاء.. والأم تمعن في تجاهله وتظهر أنها لا تحس به وتخطو بعيدا عنه وهو يتلصص النظر فيقوم ويخطو عدة خطوات أخري ثم يلقي بنفسه علي الارض من جديد ويستأنف البكاء فالمكر استخدمه الطرفان.. الأم والطفل.. ولكنه مكر حسن من جانب الأم ومكر برئ من جانب الطفل ولكن هناك المكر السيئ عندما يظهر شخص ما خلاف ما يبطنه طمعا في الحصول علي ميزة أو فائدة من شخص آخر ويقوم بادعاء شئ أو تمثيل دور حتي يحبك العملية أو يعد بشئ وهو يعلم بأنه لن يفي بما وعد به فإذا حصل علي ما يريد أظهر وجهه الحقيقي.. ومن ذلك ان يتقدم شخص لخطبة فتاة تدرس في الجامعة ويعتذر له أهلها بأنها تريد أن تكمل دراستها الجامعية ويزعم هو انه لن يعوق إكمال دراستها ولن يقف حائلا دون حصولها علي المؤهل فيصدقه أهلها ويتم الزواج. وما أن يتم الزواج حتي يظهر معارضته لأن تترك البيت وتذهب للجامعة.. فلما تذكره الزوجة بأنه وافق علي استكمال دراستها تبجح قائلا لها »أنا غيرت رأيي وإن كان عاجبك« فهذا من قبيل المكر السيئ الذي يريد به صاحبه أن يحصل علي ما يبغي بالخداع.. والله يمقت المكر السيئ لأنه يقوض الثقة بين الناس فيقول عز من قائل »ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله« (فاطر 34) أي ان المكر السيئ يرتد علي صاحبه بشكل من الأشكال ويفضحه ويؤذيه.. والله تعالي يمكر بمن يمكرون » ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين« (الأنفال 03).. وقد جاء المكر في سيرة يوسف عليه السلام حين أشاعت نسوة في المدينة أن امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه »وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن واعتدت لهن متكأ وآتت كل واحدة منهن سكينا وقالت إخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا ان هذا الا ملك كريم« (يوسف 03 -13) فقابلت مكرهن بمكر من عندها ليعلمن انها معذورة فيما كانت فيه.. وهناك صور أخري للمكر كما جاء في قصة يوسف عليه السلام نفسها إذ مكر بنو يعقوب بأبيهم كي يرسل معهم يوسف ليلهو ويلعب وهم يتأبطون به شرا غيرة وحسدا لمكانته عند أبيه »قالوا يا أبانا مالك لا تأمنا علي يوسف وإنا له لناصحون أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون قال إني ليحزنني ان تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون« (يوسف 11 - 41) وأنتم تعرفون باقي القصة.. وقد يكون المكر لغرض حسن مثل ان يحكي الأب قصة أمام ابنه (أو ابنته) لكي ينبهه بشكل غير مباشر لخطأ يرتكبه ولا يريد الأب ان يوغل ابنه في الخطأ ولا يريد من جانب آخر ان يفاتحه فيه بصراحة حتي لا يجرح مشاعره.. أعاذنا الله من المكر السيئ الذي يرتد حتما علي صاحبه...