تفجرت انتفاضة الكهرباء في انحاء العراق بعد صبر ومعاناة استمرا اكثر من سبع سنوات.. انها أزمة كهرباء وأزمة حكم وأزمة ضمير دفعة واحدة.. فلو كانت أزمة كهرباء فقط لجري حلها خلال السنوات السبع الماضية خاصة انه تم صرف عشرين مليار دولار لهذا الغرض دون ان يتم اضاءة مصباح واحد أو تشغيل مروحة واحدة. انها أزمة كهرباء وأزمة حكومة أزمة ضمير. أزمة كهرباء تنصلت الحكومة من علاجها رغم كل المليارات التي صرفتها بدون وجه حق وتركت الناس تحت رحمة اصحاب المولدات الخاصة الذين يطالبون بالغاء وزارة الكهرباء واستحداث وزارة المولدات. وهي أيضاً أزمة حكم عاجز وفاشل وفاسد وجاهل ولا يشعر بمسئولياته الاخلاقية والاجتماعية تجاه المواطنين وأهدر سنوات عصيبة وثروات طائلة بلا نتيجة. وهي كذلك أزمة ضمير ميت وتالف. والا كيف نشتري كهرباء بمليار و003 مليون دولار سنوياً من ايران وهناك شركات دولية مستعدة لنصب محطة كهرباء عملاقة بهذا المبلغ خلال أشهر معدودة؟ وما معني ارتفاع أعداد موظفي وزارة الكهرباء من ثلاثة آلاف موظف قبل الاحتلال الي مائة الف موظف الآن؟ ماذا يعمل هؤلاء والكهرباء اصلاً لا وجود لها علي ارض الواقع؟ ثم كيف تتجرأ "وزارة عدم الكهرباء" علي ارسال فواتير اجور الكهرباء الي المواطنين بارقام عالية وهي تعلم ان المواطنين طحنتهم اجور الاشتراك في المولدات الاهلية التي تولت مهمة الدولة في ايصال الكهرباء الي كل بيت قادر علي دفع التكلفة؟ لقد ذكر نوري المالكي رئيس الوزراء في مؤتمر صحفي قبل ايام ان "أحد الاشخاص" من معارفه او أقاربه اتصل به وقال انه يستطيع بناء محطة كهرباء كبري خلال ثلاثة أشهر اذا تم تخصيص مبلغ ثمانين مليون دولار له. وقد تم فعلاً تسليمه المبلغ المطلوب. ومضت الاشهر الثلاثة وتلتها أشهر ثلاثة أخري ثم مر عامان بدون ان يستطيع ذلك الشخص بناء مصنع للفوانيس أو الشموع. لكنه استلم الملايين الحلوة من الدولارات وفص ملح وذاب! أين هي النزاهة في هذا العقد؟ اين هي المزايدات والمناقصات القانونية والرقابة المالية أم ان ميزانية الدولة ملك صرف لرئيس الوزراء يمنح منها ما يشاء لمن يشاء دون حسيب ولا رقيب؟! أليس غريباً ان يطالب رئيس الوزراء الشعب العراقي بترشيد استهلاك الكهرباء؟ أليست هذه نكتة بايخة؟ أي كهرباء هذه التي يطالب المالكي المواطنين ان يرشدوا استهلاكها وهي لا تصلهم الا بحدود ساعة أو ساعتين يومياً؟ هل يقصد بذلك ترشيد استخدام الشموع والمراوح اليدوية؟ الذي حدث في الايام الماضية هي انتفاضة المحرومين انتفاضة الكهرباء في محافظات الوسط والجنوب. وقد سار في مواكب هذه المظاهرات آلاف المواطنين ممن سبق ان اعطوا اصواتهم لقائمة المالكي الطائفية.. ولولا احساس رئيس الوزراء بالهيجان الشعبي الذي التهم ما تبقي من الثقة في حكومته لما سمح لارهاب الدولة ان يحمل سلاحه ويرمي المواطنين العزل بالرصاص الحي. هؤلاء المحرومون لا يحلمون بقصور ولا يخوت ولا بساتين ولا مناصب وانما مجرد هواء عليل وماء بارد لاطفالهم وعيالهم. ولا نعلق كثيراً علي استقالة وزير الكهرباء العراقي التي أتت في الوقت الضائع. فالحكومة كلها انتهت ولايتها منذ أكثر من ثلاثة أشهر مع نهاية عمل مجلس النواب السابق. ووجودها الحالي هو لتصريف الاعمال فقط ريثما تتوقف حرب أم الكراسي وبالتالي فلا معني لاستقالة الوزير أو حتي استقالة رئيس الوزراء والوزراء كلهم فهم في حكم المستقلين أصلاً أو المقالين علي وجه الدقة رغم تمسك المالكي بالكرسي. لم يتورع المالكي عن وصف انتفاضة الكهرباء بانها مظاهرات شغب فدولته تعترض علي نزول المتظاهرين الي الشارع وهو يريد من الناس ان يتظاهروا داخل بيوتهم أمام المرايا! ان المالكي يطالب العراقيين بمزيد من الصبر. الصبر علي ماذا؟ علي الكهرباء أو علي الماء او علي الاسكان أو علي البطالة أو علي الفساد أو علي التفجيرات أو علي الاعتقالات أو علي الموت. للاسف.. كل شي مكهرب في العراق.. الا الكهرباء.