اختلفت التقديرات حول مدي تأثير المجموعة الرابعة من العقوبات علي موقف ايران. وكانت »الحزمة« الأولي من العقوبات في عام 6002 والثانية في 7002 والثالثة في 8002 وشملت منع ايران من استيراد أو تصدير المواد والمعدات النووية الحساسة، وتجميد الأصول المالية للشركات أو المؤسسات المشاركة في الأنشطة النووية الايرانية، وامتناع جميع الدول عن توريد أو بيع المعدات والتكنولوجيا التي من شأنها مساعدة البرنامج النووي الايراني، وحظر تصدير الاسلحة الي ايران، وتقييد حركة السفر بالنسبة للأشخاص الذين يشاركون في البرنامج النووي الايراني، والتدقيق في تعاملات البنوك الايرانية، وتفتيش السفن وطائرات الشحن التي تدخل أو تخرج من ايران اذا كانت هناك اسباب »معقولة« للاعتقاد بانها تحمل سلعا محظورة.
العقوبات الجديدة تركز علي الحرس الثوري الايراني، والشخصيات والمؤسسات المرتبطة به.. وتوجد الآن قائمة باسماء 14 ايرانيا محظور سفرهم الي الخارج، واجراءات لتجميد أرصدتهم في كل مكان. كما تشمل هذه العقوبات، التي قررها مجلس الأمن، حظر التعامل مع 32 شركة تساهم في تطوير البرنامج النووي أو صناعة الصواريخ البالستية و51 شركة أخري علي علاقة بالحرس الثوري، وعدم السماح بتوظيف استثمارات ايرانية في بعض المجالات الاقتصادية الحساسة، مثل مناجم اليورانيوم، وحظر بيع ثمانية انواع من الاسلحة الثقيلة، مثل طائرات الهيليوكوبتر الهجومية والصواريخ والدبابات والسفن الحربية، وعدم التعامل مع البنوك الايرانية، وإمكان تفتيش السفن الايرانية التي يعتقد انها تنقل مواد محظورة في البحار المفتوحة.
وفيما يتعلق بالتقديرات بشأن تأثير هذه العقوبات، تعتقد وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون انها ستساعد علي »إبطاء البرنامج النووي الايراني«. تري سوزان رايس، مندوبة امريكا في الأممالمتحدة ان هذه العقوبات ليست ضد الشعب الايراني، وانها عقوبات »مشددة ولكنها ذكية في نفس الوقت!«. ولكن هناك من يري انها ليست عقوبات اقتصادية حيث انها لا تشمل حظرا بتروليا. ويقول البعض انها محدودة التأثير وليست موجعة علي المدي القصير، كما انها تمنح ايران المزيد من الوقت. والمعروف ان روسيا والصين لعبتا الدور الرئيسي في تخفيف هذه العقوبات. وظلت الولاياتالمتحدة، علي مدي اربعة اشهر، تحاول بناء موقف دولي موحد لتوقيع العقوبات وتستعين بدبلوماسية الصبر والإصرار الي ان تمكنت من الحصول علي موافقة روسيا والصين. غير ان مشروع القرار الامريكي الأصل بشأن العقوبات الذي قدمته واشنطن في مارس الماضي كان يحظر علي ايران استخدام المجال الجوي الدولي والمياه الدولية في التجارة. وربما يكون هذا هو السبب في أن »كريستوفر وول«، المحامي الدولي ومساعد وزير التجارة الامريكية في عهد الرئيس السابق بوش، يعتبر العقوبات غير قوية، بما يكفي لتغيير الحسابات الاستراتيجية لايران عما كان عليه الحال عقب مجموعة العقوبات الثلاثة السابقة. ويقول الدبلوماسيون الغربيون ان هذه المجموعة الرابعة من العقوبات لن تكون الأخيرة. وهناك من يتوقع فترة انتظار لعدة شهور اخري لمعرفة ما ستفعله ايران. واذا كانت روسيا والصين قد أحبطتا أي محاولة امريكية لضرب صناعات البترول والغاز في ايران بموجب العقوبات، فان ذلك يرجع الي وجود مصالح لهاتين الدولتين في ايران في هذه الصناعات ولذلك، فانه من المتوقع ان يقر الكونجرس الامريكي مشروعا يحظر علي الشركات، التي تستثمر في البترول والغاز الايراني، العمل في الولاياتالمتحدة والمتوقع ان تمارس الحكومة البريطانية ضغطا علي الاتحاد الاوروبي لاتخاذ اجراءات لفرض قيود علي الاستثمار في مجال الطاقة الايرانية.
وبصرف النظر عن ذلك كله، فانه مما لاشك فيه ان الادارة الامريكية نجحت في انتزاع موافقة 21 عضوا - من 51 عضوا - في مجلس الأمن علي هذه العقوبات. فما السبب؟ أخطاء كثيرة وقعت فيها القيادة الايرانية، منها: 1- ظهرت ايران في صورة من يعمل علي تعزيز الطائفية والمذهبية في المنطقة من خلال التوغل في العراق، والتدخل في شئونه والانحياز لشيعة العراق وتسليح بعض منظماتهم علي حساب السنة، والمزج الخطير بين الدين والسياسة. 2- استمرار مشكلة احتلال ايران للجزر الاماراتية الثلاث: طنب الصغري وطنب الكبري وابو موسي مما يلقي ظلال الشك في ان ايران دولة توسعية، خاصة بعد مطالبة بعض الايرانيين بضم البحرين، وما تردد من تصريحات ايرانية حول التبعية التاريخية لدول الخليج.. لايران! 3- الدعم الايراني لحزب الله وحركة حماس والجهاد الاسلامي جعل من ايران طرفا في صراعات داخلية في العالم العربي مع انتشار فكرة »تصدير الثورة الاسلامية« الي سائر الأقطار. 4- تصريحات الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد حول محو اسرائيل من الوجود وانكار المحرقة النازية قدمت اكبر خدمة للدعاية الصهيونية في العالم. وتطوعت بخلق ابعاد خطيرة للبرنامج النووي الايراني. 5- الانطباع الذي تركته شعارات ايران حول »الوحدة بين المسلمين« و»اعلان معاداة اسرائيل« و»اعادة الحقوق للفلسطينيين« بانها مجرد غطاء للمشروع الايراني الحقيقي المرتبط بطموحات قومية لمد النفوذ الايراني الي مجمل الدول العربية والاسلامية، وبالتالي فان قضايا العالم العربي هي مجرد ورقة تستخدمها ايران لنشر المذهب الجعفري الشيعي وتأسيس احزاب موالية لها، والتمهيد لإقامة ما يسمي ب»الهلال الشيعي« الذي يمتد من ايران الي لبنان، مرورا بالعراق وسوريا. 6- الدور الذي لعبته ايران في مساعدة الولاياتالمتحدة علي اسقاط نظام صدام حسين في العراق وحركة طالبان في افغانستان يكشف ان طهران مستعدة لتحقيق مصالحها عن طريق مساندة امريكا، في حالات معينة، كما ان وقوف ايران الي جانب ارمينيا في حربها ضد اذربيجان يكشف ان المسألة ليست مسألة اسلام ومسلمين. 7- تصرف ايران علي أساس ان الاحزاب والحركات المؤيدة لها تشكل واحدة من مرتكزات القوة الدبلوماسية والعسكرية الايرانية التي تضمن لها مكانة اقليمية في أي توزيع جديد لحصص النفوذ العالمي، كما تدفع المجتمع الدولي وسائر دول المنطقة الي الاعتراف بموقعها كقوة عظمي اقليمية بالاضافة الي ان هذه الاحزاب والحركات يمكن استخدامها في توجيه ضربات مؤلمة لخصوم ايران في حالة تعرض الأخيرة لتهديد مباشر. 8- الحماقة دفعت الايرانيين الي إثارة غضب روسيا، التي طالما وقفت الي جانب ايران، فقد صرح الرئيس الايراني بان روسيا يمكن ان تصبح »عدوا تاريخيا لايران«. وقام المسئولون الروس بالرد علي هذا التصريح بحدة. كل هذه الأخطاء أدت الي تسهيل مهمة ادارة اوباما في عزل ايران واتخاذ قرار العقوبات.. فالتصرفات الايرانية لم تجلب تعاطفا مع ملفها النووي. وربما يكون الجانب الايجابي الوحيد في المشهد الراهن هو اعلان ايران انها لم تنسحب من المعاهدة الدولية لحظر الانتشار النووي ولن توقف تعاملها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وكذلك الاقتناع المتزايد لدي الكثيرين بان الدبلوماسية هي طريق النجاح وليس العقوبات، واتفاق الدول الكبري علي ان قرار العقوبات »لا يغلق باب التفاوض«. وقد يكون الاساس الواقعي لأي مفاوضات جديدة هو الاتفاق الثلاثي التركي - البرازيلي - الايراني بشأن تخصيب اليورانيوم.