عجبت للقانون الذي يعاقب الذين أقدموا علي الانتحار وأنقذهم القدر في اللحظات الأخيرة، يعاقبهم القانون بالحبس لمدة تتراوح ما بين ستة أشهر وثلاث سنوات! كيف نعاقب هؤلاء وهم مرضي وليسوا مجرمين؟ نعم هم مجرمون في حق أنفسهم لكنهم مرضي فعلا، وهذا مايقوله علماء النفس ولاجتماع، وغريب ان نحكم عليهم بالسجن بدلا من أن نرحب بهم في المجتمع ونحنوا عليهم ونبث فيهم حب الحياة والايمان بالله والثقة في النفس.. اننا بحكمنا علي هؤلاء بالسجن نزيد الطين بلة ونسود الدنيا أمامهم أكثر وأكثر، ثم إذا كان الانسان قد فقد كل مقومات الحياة وأقبل علي الانتحار هل تجدي معاقبته بالسجن إذا نجا من عملته أم أن ذاك لايعنيه في شيء بل يزيده اصرارا علي الانتحار؟ ثم بدلا من أن نعاقب الذين يقدمون علي الانتحار لماذا لاندرس أسباب الانتحار ونعالجها وهي كثيرة؟ كانت هذه السطور يتعجب من الحكم بسجن الذين مَنّ الله عليهم بنعمة استمرار الحياة بعد محاولتهم الانتحار والموت الأكيد. لماذا لاندرس الحالات المختلفة التي أقدمت علي الانتحار ومعرفة الاسباب وتشخيص المرض؟ ثم نضع الحلول المناسبة ونعيد هؤلاء ومعظمهم من الشباب للأسف إلي الحياة العادية يعيشون ويرتزقون ويساهمون في العمل علي تقدم المجتمع اقتصاديا واجتماعيا وفنيا.. ان المجتمعات المتقدمة المتحضرة تعتبر كل مواطن ثروة واضافة لها ولاترفضه أو تسجنه لمجرد أنه فقد الأمل في لحظات ضعف وأقدم علي الانتحار والتخلص من حياته بأية وسيلة.. وظاهرة الانتحار موجودة في كل دول العالم من جنوبه إلي شماله فهي ظاهرة انسانية، لكن الأسباب تختلف، فبينما يمثل الفقر السبب الرئيسي في الانتحار في دول العالم الثالث الفقيرة فإن اليأس من الحياة أو المرض يشكل السبب الرئيسي في الدول المتحضرة الغنية. هناك أسباب أخري فمثلا عندما زرت »المجر« عرفت هناك ارتفاع نسبة الانتحار بين الشباب، أما السبب فكان إلتهامهم كميات كبيرة من لحم الخنزير الذي يصيبهم بالعصبية والضيق والملل ومن ثم يقدمون علي الانتحار، وكذلك كان الحال في دول أخري هي الدول الشيوعية كان النظام فيها يقوم علي التفرقة بين الناس وتمييز أعضاء الحزب مما يجعل بعض الآخرين الذين يشعرون بالظلم البين والاضطهاد يقدمون علي الانتحار. اختلفت الأسباب والانتحار واحد، وعلي المجتمعات ان تدرس اسباب هذه الظاهرة الخطيرة لتحافظ علي ثروتها البشرية وأبنائها الذين سيحملون الراية في المستقبل. لم أسمع عن معاقبة الذين يحاولون الانتحار إلا في مصر! ونحن لدينا كليات للآداب عديدة وأقسام مختلفة لعلم النفس وأساتذة علم نفس واساتذة تربية، ثم كيف نجد ظاهرة الانتحار وقد انتشرت في مصر إلي هذه الدرجة التي نجد فيها 30 منتحرا خلال شهرين فقط في محافظة الجيزة غير الذين نجوا بالطبع، هذا غير المحافظات الاخري وغير الشاب عمرو عبداللطيف وعمره 31 سنة وقد انتحر بطريقة مأساوية بشعة أعلي كوبري قصر النيل! يحضرني قول لحكيم الصين »كونفشيوس« يقول فيه: »بدلا من أن تلعنوا الظلام أضيئوا شمعة«.. وأقول للمسئولين في بلدي: بدلا من أن تعاقبوا الذين فشلوا في الانتحار بالسجن والتعذيب افتحوا لهم صدوركم واحتضنوهم فهم جميعا أبناء هذا المجتمع، ومنهم يمكن أن يكون الفنان البارع والصانع الماهر والمهندس المخترع والفلاح المبتكر لاتعاقبوهم علي اليأس الذي تسببتم أنتم في شعورهم به نتيجة سياساتكم المتخبطة وانفتاحكم الذي شعرتم أخيرا انه كان خاطئا واعترفتم بذلك، وقد أدي للبطالة والفقر وانتهاء الطبقة المتوسطة. ان الأسباب التي تؤدي بشبابنا إلي الانتحار كثيرة ومنها الفقر الذي تعمل الحكومة جاهدة هذه الأيام لوضع نهاية له والوصول إلي الحد المعقول للحياة. ثم العجب كل العجب من هذه الصيحة الدينية العالية في المجتمع والتي من المفروض أن تنشر البشر والتفاؤل والحب والحنان بين الناس لكننا نجد اليأس والعجز وارتفاع نسبة الجريمة مما يدل علي أن هذه الصيحة الدينية ليست جوهرية أو حقيقية وانما هي مظهرية وحسب وهنا نقول ونؤكد ونلح علي ضرورة الاهتمام بتغيير الخطاب الديني بطريقة عملية مفيدة حتي تحقق الرسالة الدينية هدفها في بناء مجتمع مترابط متحاب سوي النفس، كما نتمني من الفضائيات الكثيرة ان تتخلص من الخرافات والخزعبلات وتقدم للناس صحيح الدين. وعلي الإعلام ككل ان يعيد حساباته وبرامجه ليقدم الجديد الذي يبني الانسان ويتقدم بالمجتمع، ولاننسي دور وزارة التربية والتعليم في هذا المجال ولتذكر الوزارة اسمها جيدا فهي تربية أولا ثم تعليم، كل هذا بجانب الدور الرئيسي للأسرة. اننا نريد شبابا محبا للحياة يضيف لها ويعلو بها، يتقدم بمجتمعه ويسمو به، يعرف ربه ولايقدم علي الانتحار بل يتقدم في الحياة بقوة وصلابة ليحقق المستحيل يحدوه الامل المكلل بالعمل.. ولنعلم أن التفاؤل حياة واليأس مرض وانتحار، والانتحار عدم ايمان بالله الذي يمكن ان يغير حياتنا إلي الأفضل بمجرد أن نعمل ونجاهد من أجل ذلك.