مثلت مرحلة انتقال المكتب الثقافي من حي العليا إلي حي النموذجية بالمملكة العربية السعودية نقلة نوعية تتسق مع طبيعة المرحلة، ومتطلب إيقاع الفترة بما يتناغم مع ريادة مصر ومنزلتها الثقافية التي تزداد ثراء وعمقا من خلال مبادرات أبنائها في الخارج، وهم يزدادون إليها شوقا ولهفة، بقدر عشقهم لترابها ونسيمها ونيلها الخالد. ولعل نموذجا ايجابيا من هؤلاء قد تجسد لدي بعض فرسانها من رجال الأعمال في الرياض حين استشيروا في إمكانية المشاركة الأهلية بالفعل لا بالقول في تأثيث المكتب الثقافي الجديد، فإذا بهم يتنافسون ويتبارون في الوفاء بكل متطلبات تحديث المكتب الذي وقع علي مساحة كبيرة توازي خمسة أمثال المقر القديم بما يتطلب شكلا حضاريا مختلفا يبدو رفيع المستوي يظل عميق الدلالة علي معدن أولئك الرجال وأصالتهم حين يستنفرون فينهضون بكل واجبات رد الجميل للوطن الأم اعترافا منهم بفضلهم في تكوينهم عبر رحلة تعليمهم علي نفقة مصر!.. ولأنهم لا يطلبون شيئا من المكتب الثقافي سوي رفعة اسم الوطن فقد تميزوا بثقافة إنكار الذات علي الرغم من كثرة ما قدموه إهداء لمصر بدءا من قاعة مصر، وبانوراما مصر، إلي الصالون الثقافي، إلي قاعة طيبة، إلي قاعات اجتماعات وقاعات اختبارات، وقاعة تدريب ودورات، إلي المشاركة في إخراج مطبوعات وإعلانات الندوات والمحاضرات والأمسيات الفكرية وصولا إلي لافتة المكتب وأعمال الكهرباء وشراء المكيفات وتجهيز القاعات بالصوتيات إلي خشبة المسرح وستائره إلي إهداء بعض الأجهزة من آلات تصوير أو فاكس إلي إهداء تابلوهات تحكي تاريخ الوطن أو جداريات تحكي فصلا من قصة نهر النيل رمز العطاء والحياة والخصب والنماء، أو غير ذلك مما مثل منظومة رائعة للأداء الوطني، ومعزوفة صادقة تعزف علي أوتارها أنشودة حب مصر ذلك الذي كان شعار لوحة الافتتاح في معرض الفن التشكيلي منذ عدة شهور. لعل تجربة الرياض تحكي فصلا أصيلا من فصول العمل الأهلي حين تتضافر الجهود ويتباري الرجال في التعبير عن حب الوطن من منطق الانتماء الذي ينعكس ايجابا في ثقافة التطوع والعطاء مسجلين بذلك نموذجا يحتذي في عبقرية التواصل والانتماء بما يستحق كل الإشادة وكل الثناء حيث جاء تطوعهم صادقا في دلالاته ودوافعه وتداعياته التي انتهت إلي موقع فريد ومساحات رائعة تسمح بالأداء الثقافي والفني والتعليمي الوطني بقدر ما يتحمله الرجال الذين نالوا شرف العمل في هذا المكان الرحب حيث تتصدره بانوراما العصر الفرعوني، والعصر الوسيط، ثم العصر الحديث الذي توج بتجليات حرب أكتوبر المجيدة ومشهد العبور العظيم تحت شعار »مصر التي في خاطري«، وفي مثل ذلك فليتنافس أبناء مصر عبر ثقافة التواصل والتطوع والانتماء. كاتب المقال :المستشار الثقافي المصري بالرياض