حمي الوقود الحيوي تجتاح أمريكا وأوروبا. خطط انتاج الايثانول تتنامي، ثم تتقاطع مع السياسات الزراعية وإدارة الطاقة، واقتصادات النقل وبحوث التقنية شديدة التطور.. المحاصيل المثيرة للجدل التي تستخدم لانتاج الايثانول، الذي يحظي بدعم هائل من جانب العديد من الحكومات الغربية.. نفس المحاصيل تمثل - خاصة الذرة- الغذاء الرئيسي للإنسان والعلف للحيوان في دول كثيرة أصبحت مهددة بشبح المجاعة غدا أو بعد غد، من جراء ارتفاع الأسعار لإغراء المزارعين بتوريد أو تصدير المحصول، حيث يتحول الغرض الاساسي لزراعته من سد احتياجات الاستهلاك الآدمي والحيواني، إلي انتاج الايثانول.. و.. وتمضي السلسلة لتصل إلي القضاء علي الغابات مع ما يعنيه ذلك من ضرب للتوازن البيئي الطبيعي، لصالح زراعة الأرض بمحاصيل تخدم التوسع في خطوط انتاج الوقود الحيوي و...و... هكذا تصبح البشرية أسيرة الايثانول! يفاقم من خطورة هذا التوجه الخطط الغربية، لاسيما الأمريكية، الرامية إلي الحد من الاعتماد علي الوقود الاحفوري خاصة القادم من آبار النفط وحقول الغاز العربية، ولعل كارثة التسرب النفطي في خليج المكسيك تقود إلي تراجع الادارة الأمريكية بشأن خطط التنقيب عن النفط في المياه الاقليمية لصالح مزيد من الدعم لتنمية مصادر الطاقة المتجددة من ناحية، وانتاج الوقود الحيوي علي صعيد آخر. في ظل تلك التوجهات تسعي الولاياتالمتحدة لبناء أطول خط أنابيب لنقل الايثانول، علي غرار خطوط نقل النفط والغاز، وشبكات نقل الكهرباء التي تخترق الحدود، وتعبر المحيطات، وأخيرا استهداف نقل الطاقة الناجمة عن الشمس والرياح لمسافات هائلة، بل من قارة إلي قارة! الخطط المستقبلية بشأن التوسع في انتاج واستخدام الايثانول، دفعت إلي التفكير في استبدال الطرق التقليدية في نقل الايثانول من مراكز انتاجه عبر السكك الحديدية، أو سيارات التانكر إلي آلية تحاكي ما يحدث مع مصادر الطاقة التقليدية، أي بناء خطوط انابيب لنقل الايثانول، والخطوة الاولي تستهدف الربط بين مواقع الزراعة ومعامل التصنيع إلي اسواق الاستهلاك، من خلال مشروع طموح يتجاوز طوله الثلاثة آلاف كيلو متر، مخترقا 7 ولايات من الغرب الأمريكي الأوسط، إلي الشاطئ الشرقي! الفكرة التي ألهبت خيال وحماس مراكز صناعة القرار، وانصار التحول عن الاعتماد علي امدادات الطاقة القادمة من وراء الحدود مقابل انتهاج سياسات داعمة لانتاج الوقود الحيوي، حتي لو أدي ذلك إلي أزمة غذاء عالمية، يمكن ان تقود إلي تداعيات غاية في الخطورة خلال فترة تتراوح بين عقد وعقدين، لتواجه البشرية نتائج وخيمة إزاء وقوعها في أسر الايثانول! استهداف بناء أطول خط انابيب لنقل الايثانول داخل أمريكا - ليكون الاطول في العالم - يترجم بصورة مثالية التزاما بمضاعفة حجم الوقود الحيوي المستخدم في السيارات إلي ثلاثة اضعاف المعدل الحالي بحلول عام 2202. وإذا تناغم ذلك التوجه مع ما يماثله في القارة الأوروبية، وبلغ صداه بقاعا أخري، فربما يعني ذلك ظهور دبلوماسية انابيب الايثانول، علي غرار ما حدث في أوقات سابقة مع النفط والغاز! قد يحتاج انضاج الفكرة علي أرض الواقع مساحة زمنية أكبر، لكن يبدو ان الذين يخططون للتوسع في انتاج العديد من أنواع الوقود الحيوي ليسوا علي استعداد للتراجع بعد الآن، وإلا ما خصصوا 4 مليارات دولار لبناء خطهم المأمول!