عائد من بغداد، بعد مشاركة في أعمال القمة العربية ال23. لم تكن هذه هي المرة الأولي، التي كان لي نصيب في تغطيتها صحفيا. فقد كانت بدايتي مع القمم العربية، منذ قمة عمان بالأردن عام 1978. ولكنها والحق أقول كانت استثنائية بكل المقاييس .ولن أبالغ إذا قلت إنها نجحت بامتياز، في ضوء المتوقع منها .خاصة وان قوي عربية وإقليمية وحتي عراقية، كانت ضد عقدها أصلا في بغداد، من خلال قراءة سياسية لنتائج نجاح الحكومة والدولة العراقية. في التمسك بحقها في استضافتها. لقد كانت القمة صراعا بين إرادتين وتوجهين،" الأول" مع الإبقاء علي العراق، يدور في فلك إقليمي، بعيدا عن محيطه العربية، غائبا عن دوره التاريخي والمحوري، الذي تأثر كثيرا بفعل الغزو العراقي للكويت في أغسطس 1990." والثاني" يؤكد ولديه كل الحق بأن عراق 2012 مختلف جذريا عنه في عام 2003. وان مياها كثيرة جرت في قنوات العمل السياسي بالعراق. وتصب في استعادة العراق لعافيته." اقتصاديا" رغم أعباء الديون والتعويضات." وداخليا" رغم استمرار الخلافات بين مكوناته السياسية." وامنيا "رغم بعض العمليات الإرهابية هنا وهناك .ولم يعد ينقصه ، سوي استعادة دوره العربي المفقودبأن وهو ماتكرس في قمة بغداد .ونتوقف عند بعض الأسباب التي دفعتنا ،إلي القول بأن قمة بغداد خرجت بامتياز. تخوف البعض من تأثير الخلافات الداخلية بين الكتل العراقية ،خاصة بين المالكي من جهة وأياد علاوي، وطارق الهاشمي، كلا لأسبابه. ولكن القمة أثبتت أن النخبة الحاكمة في العراق، تملك من الوعي والمسؤولية، أنها لم تسمح بطرح مثل هذه القضايا علي القمة، من جهة وتجاوز الخلافات ولو مؤقتا، حفاظا علي شكل الدولة العراقية. وحضر ممثلو كل قادة الفصائل والمجموعات السياسية القمة، ماعدا علاوي. وظهر الانسجام ،والتفاهم، والتوافق، واضحا بين رئاسة الجمهورية. بعد أن تولي الرئيس طالباني رئاسة القمة. ونوري المالكي الذي رأس وفد العراق. وظني أن الأخير ظهر كرجل دولة. من خلال حرصه علي المشاركة والتحدث أمام وزراء الخارجية، وقبلهم المال، والاقتصاد، وأمام القادة سعيا إلي إرسال رسالة إلي كل الوفود العربية، بان هناك عراقا جديدا. يقدم رؤي مختلفة للعمل العربي. بعد أن نجح في تجاوز كثير من الأزمات، والصعوبات، ونجح في إزالة الانطباعات الخاطئة عنه، التي أدت إلي صياغة مواقف غير صحيحة. أضرت بالعلاقات العربية العراقية طوال السنوات الماضية. وأجلت محاولات تطبيع العلاقات بين الجانبين. ويكفي الواقع الجديد بين العراق والكويت ،التي نجحت في تجاوز آثار الماضي. ويسعي الطرفان إلي صياغة علاقات قائمة علي المصالح المتبادلة ،ومراعاة الجوار الجغرافي. تخوف البعض من خلال الأفكار المعلبة ،وسابقة التجهيز. من وجود ظل إيراني علي أعمال القمة، من خلال العلاقات المتميزة بين بغداد وطهران. وهي حقيقة لاينكرها الطرفان. ولكن وقائع المؤتمر، أكدت أنه لم يكن هناك أي تأثير لطهران، علي إعمال القمة. لدرجة أن الحكومة العراقية، تحفظت علي دعوة أي أطراف غير عربية للقمة. وتم الاتفاق علي قصر المشاركات ،علي أمين عام الأممالمتحدة بان كي مون، وأمين عام منظمة التعاون الإسلامي أكمل أوغلو. كما أن الأزمة السورية كانت حاضرة وبقوة، وبصورة لم تختلف عن المواقف العربية السابقة. فالأمر لايتوقف عند وجهة نظر الدولة المضيفة. أو رئاسة القمة .ولكنه يمثل توجها عربيا عاما .يعبر عن أغلبية الدول الأعضاء. وان كان البعض قد يعول علي بغداد في استثمار علاقاتها المتميزة مع إيران. في السعي إلي تطبيع العلاقات مع الدول العربية، والمساهمة في حل القضايا العالقة. وكذلك إقناع دمشق ،بالتجاوب مع الجهود الدولية والعربية لتجاوز الأزمة. وبعد فإن العراق، يملك الدور الأبرز من خلال أدائه السياسي ورئاسته للقمة حتي مارس القادم .من استثمار تلك الفرصة، لتأكيد رغبته الحقيقية، في استعادة دوره العربي المفقود، منذ أكثر من عشرين عاما. ونحن في الانتظار!!