نبىل زكى كنا نقول دائما انه لا يجوز لسلطة يخلقها الدستور ان تشارك في وضعه وتأسيسه وانشائه. وقلنا انه لا يجوز مشاركة السلطات التي ينظمها الدستور في الجمعية التي تتولي وضع هذا الدستور. وأجمع العدد الأكبر من اساتذة الفقه الدستوري علي انه لا يصح أن نعطي لسلطة واحدة هي السلطة التشريعية صلاحية تقرير وتحديد اختصاصات وصلاحيات السلطات الأخري ونوعية العلاقات بينها وقلنا أننا نضل الطريق اذا وضعنا كل السلطات والصلاحيات في يد سلطة واحدة دون السلطتين الأخريين. وقال معظم اساتذة الفقة الدستوري ان قيام اعضاء البرلمان بانتخاب انفسهم ليشكلوا نصف أعضاء الجمعية التأسيسية للدستور.. لا يجوز في وقت لم تصدر فيه محكمة النقض قرارها بشأن 436 طعنا في صحة عضوية عدد غير قليل من النواب.. وفي وقت ينتظر فيه الجميع قرار المحكمة الدستورية العليا بشأن الطعن في دستورية قانون الانتخابات البرلمانية الذي تم علي أساسه انتخاب مجلسي الشعب والشوري. إذن.. فإنه الي جانب ان عددا كبيرا من اساتذة القانون الدستوري يرون ان الدستور هو الذي يخلق المؤسسة التشريعية، وليس العكس وانه لا يصح ان يتغول البرلمان علي غيره من السلطات.. بل علي الارادة الشعبية، وان الدستور عقد اجتماعي يشترك فيه المجتمع بكل طوائفه، وانه بغير ذلك لا يكون دستورا ملزما للمجتمع ككل.. حيث ان الدستور هو نتاج توافق جميع فئات هذا المجتمع حتي يكون مرضيا للجميع ومعبرا بصدق عن ارادة الشعب.. الي جانب ذلك.. فان احكاما سابقة للمحكمة الدستورية العليا تهدد مسار وضع الدستور الجديد. وهنا يجب التذكير بالحكم الصادر من تلك المحكمة الدستورية العليا بقبول الطعن في قانون الانتخابات مما أدي الي بطلانها.. وبالتالي، حل مجلس الشعب في عام 7891هناك الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا في 71 ديسمبر عام 4991 وينص علي »مبدأ عام جواز انشاء الدستور الا عبر هيئة مستقلة، وليس عبر سلطات ينظمها الدستور التشريعية والتنفيذية والفضائية وضرورة استقلال آلية تأسيس الدستور عن تلك السلطات«. وبالتالي، فان مشاركة اعضاء من البرلمان في الجمعية التأسيسية يعد مخالفا لحكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم (31) لسنة (51) قضائية نظرا لأن الوثيقة الدستورية هي التي تخلق سلطات الدولة وتحدد مسئولياتها والقواعد التي تحكمها.. أي أنه لا يجوز لسلطة هي من خلق الدستور.. ان تخلق الدستور. وفي الفقرة (51) جاء في حكم المحكمة برئاسة المستشار »عوض المر« ان للدستور السيادة حين تهيمن قواعده علي التنظيم القانوني للدولة، كما انه الجهة التي انعقد لها زمام تأسيس الدستور تعلو بحكم موقعها من السلطتين التشريعية والتنفيذية عليهما معا.. اذ انهما من صنعها وينبثقان عنها ويلتزمان بالقيود التي فرضتها. وإلي جانب ماهو معروف في التقاليد الدستورية من عدم مشاركة أي سلطة ينشئها الدستور.. في عملية وضع وصياغة الدستور، لأن أعضاء هذه السلطة لن يكونوا محايدين وغير مستقلين عند مناقشة مادة في الدستور تتعلق بهم وتخصهم.. فإن السؤال العاجل والملح هو: لو قبلت محكمة النقض الطعن في عضوية نواب يشاركون في الجمعية التأسيسية ويساهمون في وضع الدستور.. ماهو انعكاس هذا الاجراء علي الدستور نفسه؟.. وماذا لو قبلت المحكمة الدستورية العليا الطعن في قانون الانتخابات البرلمانية؟ ألا يعني ذلك حل مجلسي الشعب والشوري؟ ما هو انعكاس هذا الاجراء علي الدستور نفسه؟ المؤكد ان الدستور في هذه الحالة أو تلك سيكون في مهب الريح، لأن ما يتأسس علي باطل.. يصبح باطلا. كما هو معروف، فإن الاعضاء الخمسين من مجلسي الشعب والشوري هم الذين تولوا اختيار الاعضاء الخمسين الآخرين من خارج البرلمان ليشكلوا »جمعية المائة«، مما يعني ان تيار الاغلبية البرلمانية اعطي لنفسه الحق في ان يختار للاحزاب والقوي السياسية والنقابات والجمعيات والمنظمات.. ممثليها في الجمعية التأسيسية! وهذا هو السبب في مطالبة مجموعة الخمسين، الاعضاء في البرلمان، للأطراف التي توجد خارج البرلمان بأن ترشح عددا اكبر من المطلوب حتي يمارس البرلمانيون »الحق« في اختيار اشخاص ورفض آخرين! هكذا تأكد بوضوح ان التيار المسيطر علي مجلسي الشعب والشوري يريد صياغة الدستور وفقا لرؤية الأغلبية البرلمانية، وبعيدا عن كل أطياف المجتمع السياسية والاجتماعية والثقافية. وعلي هذا النحو.. تحول شعار »المشاركة.. لا.. المغالبة« الي »المغالبة.. لا.. المشاركة«.. والمستشار محمد حامد الجمل نائب رئيس مجلس الدولة الأسبق.. علي حق عندما يقول ان مجلسي الشعب والشوري يعملان في غير اختصاصهما، فهما غير مخولين بتحديد طريقة اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية أو أي اجراءات أخري تتعلق باختيار أعضاء الجمعية.. وبعد ان كان القيادي الإخواني الدكتور عصام العريان يصرح بانه يمكن التوافق علي نسبة تتراوح بين 52 في المائة وثلاثين في المائة من اعضاء البرلمان يلتحقون بالجمعية التأسيسية.. فوجئ الجميع بأن النسبة قفزت الي خمسين في المائة. والواضح ان تيار الأغلبية في البرلمان قرر ان يعكس تشكيل الجمعية نسبة التمثيل العددي لهذه الاغلبية في مجلسي الشعب والشوري وتلك هي الخطيئة الكبري. ولم يدرك هؤلاء ان الدستور يجب ان يكون موضع قبول الاقلية قبل الاغلبية.. ولكنهم ادركوا شيئا واحدا هو ضرورة التحالف مع حزب السلفيين لضمان الانفراد بوضع الدستور واحتكار هذه المهمة.. وهذا هو ما دفع المستشار الدكتور يحيي البنا، وكيل ادارة التشريع السابق بوزارة العدل، الي القول بأن اصرار البرلمان علي حكاية الخمسين في المائة من مقاعد الجمعية التأسيسية.. يعد مخالفة للمبادئ الدستورية والاعلان الدستوري، وان مجلسي الشعب والشوري ولدا من اعلان مؤقت بسلطات مؤقتة لا تمنحه وضع دستور دائم للبلاد. والدليل علي ان نهج »الغلبة السياسية« هو السائد الآن.. ما ذكره النائب والشخصية المعروفة »زياد بهاء الدين«، الذي أكد ان الاغلبية البرلمانية تجاهلت كل المقترحات التي تقدمت بها أحزاب الاقلية حول ضمان حد أدني لتمثيل المرأة ولتمثيل المسيحيين وباقي فئات المجتمع وتياراته، ويؤكد بهاء الدين ان هذا الأمر ينبيء بان تشكيل لجنة كتابة الدستور سوف يكون فيه ذات العيب الذي اصاب تشكيل البرلمان نفسه، حيث لا يتجاوز تمثيل كل من النساء والمسيحيين فيه.. اثنين في المائة، وهذا وضع معيب بكل المقاييس. واذا كانت محكمة القضاء الاداري ستعقد جلسة عاجلة لنظر عدد من الطعون ضد قرار البرلمان بتحديد معايير تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور.. واذا اعتبرت المحكمة ان القرار المطعون فيه جاء مخالفا.. حتي لنص المادة (06) من الاعلان الدستور وهذه وجهة نظر الدكتور جابر نصار استاذ القانون الدستوري بجامعة القاهرة واذا ثبت ان الطعن علي قرار اداري صادر من مجلس الشعب، وليس علي الاعلان الدستوري لأنه لا يدخل في عداد الاعمال التشريعية التي يختص بها البرلمان.. فان الأمر يبدو أكثر خطورة مما يتصور البعض، خاصة في ضوء تقديرات تشير الي ان الدستور الذي لا يعكس التوافق الوطني يمكن ان يكون مقدمة لثورة جديدة.. ذلك ان ممارسة الغلبة السياسية في قضية الدستور تنذر بكارثة كبري. واذا تحكمت الاغلبية البرلمانية في وضع الدستور يصبح الوفاق الوطني في خطر، واذا انفردت هذه الاغلبية بوضع الدستور.. فإن تداول السلطة في خطر.. وثورة 52 يناير أو ما تبقي منها في خطر.. بل أن مصر ستكون في خطر. كلمة السر: دستور للأمة وليس دستورا للأغلبية