أسعار الذهب اليوم والسبائك وعيار 21 الآن بمستهل تعاملات السبت 5 أكتوبر 2024    «تايم لاين».. حزب الله يشن 23 هجوما على قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال 24 ساعة    الأهلى يترقب وصول موافقة رسمية بحضور السعة الكاملة لاستاد القاهرة أمام العين    مدرب إسبانيا: أحمق من لا يهتم بفقدان استضافة المونديال    ميدو: أكبر غلطة عملها الأهلي هي دي.. والجمهور حقه يقلق (فيديو)    تشكيل الهلال ضد الأهلي في الدوري السعودي    تحذير هام من الأرصاد للسائقين أثناء القيادة على الطرق الزراعية و السريعة    اليوم.. محاكمة إمام عاشور في الاعتداء على فرد أمن بالشيخ زايد    مجدي كامل: سعيد بمشاركتي بمهرجان ظفار المسرحي وحفل افتتاحه أبهرنا    دونالد ترامب: على إسرائيل ضرب المنشآت النووية الإيرانية    رئيس شعبة الدواجن: مشكلة ارتفاع أسعار البيض ترجع إلى المغالاة في هامش الربح    عودة خدمات إنستاباي للعمل بعد إصلاح العطل الفني    فرص عمل وقرارات هامة في لقاء وزير العمل ونظيره القطري، تعرف عليها    جيش الاحتلال يوجه إنذارًا عاجلًا بإخلاء مبنى في شويفات الأمراء    مصدر يكشف أزمة جديدة قد تواجه الزمالك لهذه الأسباب    "تم فرضهم عليه".. تصريحات صادمة من وكيل أحمد القندوسي بشأن أزمته مع الأهلي    ترامب يطالب اسرائيل بالقضاء على المواقع النووية الإيرانية    عاجل - عمليات "حزب الله" ضد الجيش الإسرائيلي "تفاصيل جديدة"    بلومبيرج: البنتاجون سينفق 1.2 مليار دولار لتجديد مخزون الأسلحة بعد هجمات إيران والحوثيين    حقيقة وفاة الإعلامي جورج قرداحي في الغارات الإسرائيلية على لبنان    وائل جسار يعلن علي الهواء اعتذاره عن حفله بدار الأوبرا المصرية    عاجل - حقيقة تحديث « فيسبوك» الجديد.. هل يمكن فعلًا معرفة من زار بروفايلك؟    سلوفينيا تقدم مساعدات عينية لأكثر من 40 ألف شخص في لبنان    عمرو سلامة يختار أفضل 3 متسابقين في الأسبوع الخامس من برنامج «كاستنج»    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 5-10-2024 في محافظة البحيرة    حرب أكتوبر.. أحد أبطال القوات الجوية: هاجمنا إسرائيل ب 225 طائرة    صحة المنوفية: تنظم 8365 ندوة على مستوى المحافظة لعدد 69043 مستفيد    الكشف ب 300 جنيه، القبض على طبيبة تدير عيادة جلدية داخل صيدلية في سوهاج    أعراض الالتهاب الرئوي لدى الأطفال والبالغين وأسبابه    إجراء تحليل مخدرات لسائق أتوبيس تسبب في إصابة 8 أشخاص بالسلام    تناولتا مياة ملوثة.. الاشتباه في حالتي تسمم بأطفيح    عمرو أديب عن حفل تخرج الكليات الحربية: القوات المسلحة المصرية قوة لا يستهان بها    الحوار الوطني| يقتحم الملف الشائك بحيادية.. و«النقدي» ينهي أوجاع منظومة «الدعم»    سبورتنج يضم لاعب الأهلي السابق    الكويت.. السلطات تعتقل أحد أفراد الأسرة الحاكمة    تفاصيل مرض أحمد زكي خلال تجسيده للأدوار.. عانى منه طوال حياته    عمرو أديب عن مشاهد نزوح اللبنانيين: الأزمة في لبنان لن تنتهي سريعا    لمدة 12 ساعة.. قطع المياه عن عدد من المناطق بالقاهرة اليوم    دعاء قبل صلاة الفجر لقضاء الحوائج.. ردده الآن    ندى أمين: هدفنا في قمة المستقبل تسليط الضوء على دور الشباب    اندلاع حريق داخل مصنع بالمرج    حبس تشكيل عصابي متخصص في سرقة أسلاك الكهرباء واللوحات المعدنيه بالأأقصر    لمدة 5 أيام.. موعد صرف مرتبات شهر أكتوبر 2024 وحقيقة تبكيرها (تفاصيل)    «مش كل من هب ودب يطلع يتكلم عن الأهلي».. إبراهيم سعيد يشن هجومًا ناريًا على القندوسي    هيغضب ويغير الموضوع.. 5 علامات تدل أن زوجك يكذب عليكي (تعرفي عليها)    عز يرتفع من جديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 5 أكتوبر 2024    الجيش الأمريكي: نفذنا 15 غارة جوية على أهداف مرتبطة بجماعة الحوثي اليمنية    رئيس جامعة الأزهر: الحروف المقطعة في القرآن تحمل أسرار إلهية محجوبة    المصرية للاتصالات: جاهزون لإطلاق خدمات شرائح المحمول eSim    البابا تواضروس الثاني يستقبل مسؤولة مؤسسة "light for Orphans"    معتز البطاوي: الأهلي لم يحول قندوسي للتحقيق.. ولا نمانع في حضوره جلسة الاستماع    «ممكن تحصلك كارثة».. حسام موافى يحذر من الجري للحاق بالصلاة (فيديو)    عظة الأنبا مكاريوس حول «أخطر وأعظم 5 عبارات في مسيرتنا»    رشا راغب: غير المصريين أيضًا استفادوا من خدمات الأكاديمية الوطنية للتدريب    تناولت مادة غير معلومة.. طلب التحريات حول إصابة سيدة باشتباه تسمم بالصف    بمشاركة 1000 طبيب.. اختتام فعاليات المؤتمر الدولي لجراحة الأوعية الدموية    أذكار يوم الجمعة.. كلمات مستحبة احرص على ترديدها في هذا اليوم    «وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ».. موضوع خطبة الجمعة اليوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الأخبار : نائبنا العام.. من بعيد
نشر في الأخبار يوم 14 - 03 - 2012

جمال الغىطانى إن معرفة الحقائق التي تغيب أحياناً، والمواقف التي أصبحت جزءاً من التاريخ، تؤدي إلي نتائج أفضل ومواقف أدق تجاه الشخصيات العامة التي انحازت إلي الشعب.
لمحته قادماً بخطي متمهلة، كنت أقف في مدخل صالة المسجد مشاركاً في استقبال القادمين لأداء واجب العزاء لرفيق الرحلة الطويلة، صديق العمر، بعد وفاة زوجته الفاضلة، يمكن القول ان مصر كانت ممثلة هنا تلك الليلة حتي ليصعب رصد الأسماء التي كان يتقدمها الأستاذ محمد حسنين هيكل والذي يرتبط به يوسف القعيد بصلة خاصة، صافحت المستشار عبدالمجيد محمود النائب العام، تقدمته إلي حيث جلس وعدت إلي مكاني، غير أن حضوره أيقظ الذاكرة والتفكير. إنه أحد الذين نعرفهم علي المستويين الشخصي والعام إلا أن الشخصي لا يمتد إلي أكثر من حدود معينة بسبب حساسية الموقع والبحر الخضم الذي يبحر فيه الرجل خاصة بعد الثورة واضطراب المعايير، إلي درجة خروج مظاهرات مطالبة بإقالته، وبغض النظر عن الحصانة التي تبدأ مع تولي النائب العام المنصب فإن تاريخ الرجل لا يؤدي إلي هذا المطلب، بالعكس، فإن مسيرته تفضي إلي النقيض، إنه واحد من أصحاب الضمائر المعبرة عن الناس، عن عموم الشعب، ومن يعلم حجم الضغوط التي تعرض لها وثباته في مواجهتها يدرك حضوره الاستثنائي في هذا الموقع الحساس، الخطير، ورغم سلطاته العديدة فلم يتغير، مازال علي بساطته، وتواضعه، علام القياس؟ إنها صلتنا به من خلال العم الرائع محمود السعدني في الأزمنة الخوالي، كان له عدد كبير من الأصدقاء المقربين، كنت أحسده علي بعضهم، مثل الحاج ابراهيم نافع الذي ظل علي إخلاصه ومحبته الفريدة حتي آخر لحظة في حياته، وأيضاً المستشار عبدالمجيد محمود الذي كان يجلس دائماً مصغياً إلي حوارات المثقفين، ويبدو عليه عمق الإصغاء اليهم، مازلت أذكر تلك الليلة الرمضانية التي خرج فيها نجيب محفوظ عن نظامه الصارم، ولبي دعوة العم محمود إلي سهرة رمضانية في مقهي الحاج ابراهيم بشارع فيصل، أذكر من الحضور الأستاذ مكرم محمد أحمد، ويوسف القعيد، وآخرين، أما المستشار عبدالمجيد محمود فكان يجلس مصغياً، مشاركاً أحياناً بالرأي أو السؤال، ولكن التعبير الغالب عليه كان السعادة، لقد تعرف علي مثقفين عديدين أثناء عمله في نيابة أمن الدولة ولقائه بهم، كان ذلك في فترة السبعينيات التي احتدم فيها الصراع بين السادات والمثقفين، سمعته مرة يقول إنه قابل أساتذة كبارا في ذلك الوقت مثل عبدالرحمن الأبنودي أثناء التحقيق معه في جهاز المدعي الاشتراكي وكان الموضوع إحدي قصائده التي يهجو فيها سياسات الرئيس الأسبق أنور السادات.
وفي إحدي مراحل التحقيق قال عبدالمجيد محمود إنه لن يسجل في تاريخه أبداً أنه كان سبباً في دخول شاعر كبير مثل الأبنودي إلي السجن، قال في الزمن الخالي بمقهي الحاج ابراهيم نافع إنه تعلم من صلاح عيسي وحسين عبدالرازق ومن المثقفين المنتمين إلي الوفد والإخوان وسائر الحياة السياسية، ولم يكن مازال يخاطب كلا من هؤلاء بلقب أستاذي، ويتحدث عنهم بود شديد، عن الجيل القديم عامة، والأجيال التالية، لذلك تبدو خلفيته الثقافية في أدائه العام، ومن يقرأ رسالته للدكتوراة يشعر بمتعة الأسلوب، وضوحه وعمقه، أما موضوع الرسالة فكان بالنص:
»المواجهة الجنائية للفساد في ضوء الاتفاقيات الدولية والتشريع المصري دراسة مقارنة«
ناقشها الدكتور عبدالأحد جمال الدين، والدكتور مفيد شهاب، والدكتور السيد عيد نايل، والدكتور جميل عبدالباقي، والبحث فريد من نوعه، يقع في تسعمائة صفحة من القطع الكبير ومازال مخطوطاً لم يطبع بعد، وآمل في صدوره عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، موضوعه يتصل بالوقائع التي نعيشها اليوم وتكييفها القانوني، في الرسالة التي أهلته للحصول علي درجة الدكتوراة مع مرتبة الشرف، في البحث ثقافة قانونية عميقة ورفيعة، وسوف أحاول عرضها قريباً في »الأخبار«، فرق كبير بين تناول الفساد من منظور عام أو اجتماعي، إن موضوع استرداد الأموال المهربة، أو تسليم الهاربين من الأمور المعقدة جداً تنظمها اتفاقيات خاصة وأخري عامة، هل كان المستشار عبدالمجيد محمود خلال السنوات التي أمضاها في إعداد هذا البحث القيم يدرك أن زمناً قادماً سيصبح فيه موضوع دراسته هو الموضوع الرئيسي في مصر، لم يكن ذلك بعد ثورة يناير، لكن قبلها أيضاً.
من العبّارة إلي قضايا الرأي
بعد صدور الحكم في قضية غرق العبارة التي راح ضحيتها أكثر من ألف إنسان تعامل معهم النظام وقتئذ باستهتار بالغ واحتقار، ولعله لم يعد سراً اسم المالك الحقيقي للعبارة والذي أرجو أجهزة التحقيق بالكشف عنه، فكم من أمور أعلن ارتكابها بواسطة أسماء والمجرمون الحقيقيون أسماء أخري، في لحظة معينة أدرك النائب العام أن المظاهرة التي بدأت من أمام مقره لا تشبه ما اعتاده طوال السنوات الماضية منذ تأسيس حركة كفاية، لا.. هذه المرة التحرك مختلف. أكد الدكتور عبدالمجيد محمود ذلك لأصدقائه المقربين، وظهر أول رد فعل إيجابي من موقعه تجاه الثورة مبكراً، ومبكراً جداً، بعد القبض علي المئات في مختلف المحافظات صدر يوم السابع والعشرين من يناير أي بعد اندلاع الشرارة بيومين فقط البيان التالي وفيما يلي نصه كاملاً كما نشر في وسائل الإعلام:
»صرح مصدر قضائي بمكتب النائب العام بأنه بعد أن استكملت النيابة العامة التحقيق مع باقي المتهمين المعروضين في الأحداث الجارية بمختلف المحافظات بتهم ارتكابهم لجرائم إتلاف بعض الممتلكات العامة والخاصة والتعدي علي أفراد الشرطة فقد أمرت النيابة بإخلاء سبيلهم«.
في يوم الجمعة الحادي عشر من فبراير وهو نفس اليوم الذي قرأ فيه اللواء عمر سليمان بيان التنحي، صدر البيان التالي عن النائب العام:
»تواصل النيابة تحقيقاتها في وقائع القتل والشروع في قتل المتظاهرين حول تظاهرهم السلمي يوم 82/1/1102 التي وقعت في القاهرة وباقي المحافظات..«.
إن مجمل البيانات التي صدرت عن النائب العام تعكس انحيازاً إلي الشعب، سواء كانت متعلقة بالفساد، أو الجرائم المرتكبة من النظام، النائب العام هو الذي أصدر قراراً بحبس الرئيس السابق بعد بيانه الشهير عبر محطة العربية السعودية إلي الإخوة المواطنين.
لا يعمل النائب العام في مناخ مواتيٍ.. أحد القريبين منه شبهه بالبحر الخالي من المعالم، في قضية قتل المتظاهرين أعلن وكيل النائب العام أنهم لم يتلقوا مساعدة من الأجهزة المختصة، وكان وكلاء النيابة ينزلون بأنفسهم بحثاً عن خراطيش فارغة، أو لسؤال أهالي الضحايا.
أحد القريبين من الدكتور المستشار عبدالمجيد محمود سأله عما إذا كان يتعرض لضغوط، يتميز النائب العام بصراحة ناصعة، يجيب مباشرة، لا يلف ولا يدور، قال إنه بالفعل يتعرض لكنه لا يستجيب ولا يخضع إلا للقانون، أما أكثر من اتصلوا به فكان ذلك بمناسبة محاكمة هشام طلعت مصطفي، بتعبير النائب العام »دهشنا لهذا العدد من كبار المسئولين، آخرهم رئيس الوزراء الدكتور أحمد نظيف..« بعد هذه الاتصالات كلف مكتبه بإعداد دراسة عن المبالغ التي أنفقها المتهم علي الحبيبة اللبنانية، خلال مرحلة العشق، أو خلال القتل والتخلص منها، وكان الرقم مفاجئاً، بضعة مئات من الملايين تتجاوز المليار.
خلال القضايا المتعلقة بالحريات وقضايا الرأي كان انحيازه إلي جانب الحرية، بدا ذلك في مصادرة ألف ليلة وليلة، وعدد من القضايا الأخري الخاصة بمحاولة إحياء قانون الحسبة، وأذكر ترددي مع الدكتور جابر عصفور للإدلاء بأقوالنا رداً علي بعض الشيوخ من محترفي مطاردة المثقفين، والنصوص الأدبية، أتمني من الدكتور عبدالمجيد محمود أن يدون ملاحظاته وشهاداته عن الحقبة التي أمضاها وسيمضيها نائباً عاماً، يشجعني علي المطالبة شجاعته وصراحته، والأسلوب الأدبي الرفيع الذي كتب به رسالة الدكتوراة، إن معرفة تاريخ الأشخاص وحقائق مواقفهم تؤدي إلي نتائج صحيحة خاصة في أوقات التحول الكبري.
إلي فرانكفورت
رحلة سريعة إلي فرانكفورت، لمدة ثماني وأربعين ساعة، الهدف، تقديم قراءة من كتابي »متون الأهرام« المترجم إلي الألمانية منذ عدة سنوات وإجراء مناقشة حوله، تقليد القراءة قديم، وله في مصر جذور قوية، كان نادي القصة في أوج ازدهاره ينظم قراءات نثرية، أي يقرأ الأديب نصاً قصصياً، اختفي ذلك تقريباً وبقي الشعر، ولكن في ألمانيا وبعض الدول الأوروبية مازال موجوداً، يقوم بالقراءة ممثل محترف، القراءة كانت في إطار معرض توت عنخ آمون، ويطرح فكرة جديدة أجد فيها حلاً لما يهدد الآثار المصرية الأصلية، لقد كتبت من قبل وأثرت موضوع الآثار المصرية النادرة، المفردة، التي تجوب العالم منذ عدة سنوات مما يعرضها لمخاطر جمة أبسطها التدمير وأخطرها السرقة والتبديل، المعرض المقام في ألمانيا مقلد، أي كل القطع المعروضة مقلدة بإتقان، والتقليد هنا لا يشمل القطع المفردة النفيسة ومنها القناع الأشهر للملك توت، إنما اللحظات التاريخية، في المرحلة الأولي يقدم للمتفرج خلفية عن الحضارة المصرية وموقع الملك توت منها، وأيضاً عن اللورد كارنافون والعالم هوارد كارتر مكتشف المقبرة، ثم يجد المتفرج نفسه أمام المقبرة بحجراتها وجميع محتوياتها تماماً كما اكتشفت في العشرينيات وبالطبع تم تجسيد ذلك من خلال الفوتوغرافيا الملتقطة، يتخلل ذلك عروض لأفلام توضح مراحل الاكتشاف، ثم ننتقل إلي المجموعة التي جري استنساخها بمهارة كبيرة، وقد تم ذلك في مصر، تحت إشراف الدكتور مصطفي عزمي بجامعة المنيا، وهو عمل مثير، ذكرني برجل ماهر في خان الخليلي اسمه »حاطون« وكان متخصصاً في صناعة نسخ من كرسي الملك توت الشهير، وفي كل مرة يبيع نسخة لأحد الأجانب تجري مشكلة في المطار، ويتم الاتصال بالمتحف للتأكد من أن القطعة النفيسة في موقعها، يستدعي ذلك فناناً آخر اسمه محمد عرفته في البر الأقصري الغربي عند الحاج محمود صديقي الذي أقيم في فندقه الصغير »نور القرنة«، محمد يتقن استنساخ النحت الفرعوني النادر، وحتي يتلافي شكوك مباحث الآثار، يضع داخل التمثال قطعة عملة معدنية معاصرة للكشف عنها عند اللزوم، لكن معرض الملك توت عمل ضخم، إذ يحوي استنساخاً للقطع الأساسية في المقبرة، ويتجول في عدة مدن أوروبية، وقد تكلف ما يتجاوز الاثنين مليون يورو، ويلقي نجاحاً كبيراً، منذ سنوات اقترح الدكتور أحمد بهجت إقامة نماذج متقنة للمقابر المصرية التي تشهد تدهوراً حاداً مع تزايد حركة السياحة العالمية إلي درجة أن بعضها أغلق نتيجة ظهور آثار الرطوبة وما يترتب علي التعامل غير المنضبط مع الجدران التي تحمل أعظم ما أبدعته الحضارة المصرية، ولو استمر المعدل كما كان خلال مراحل ازدهار السياحة فسوف تختفي هذه النقوش التي تعد أهم ما وصلنا من التراث الإنساني، اقتراح الدكتور أحمد بهجت لم يلق صدي ولم يخرج إلي حيز التنفيذ.
ربما يثار اعتراض هنا، ماذا تستفيد مصر من مثل هذا المعرض؟، أقول علي الفور، الدعاية والتعريف بالحضارة المصرية، وعلي من يرغب رؤية الأصول فليذهب إلي مصر، هنا لابد من التأكيد علي إغلاق المقابر والمواقع المهددة بالمحو، وقصر زيارتها علي المتخصصين، ورفع قيمة التذاكر لمن يريد، تماماً كما هو متبع مع مقبرة نفرتاري، لقد أقدمت اسبانيا علي إنشاء نسخ من كهوف تحمل رسوماً للإنسان في مرحلته البدائية بعد أن لوحظ تآكل الخطوط والرسوم الأصلية، وشتان بالطبع بين ما وصلنا من الحضارة المصرية والكهوف الاسبانية.
المعرض متقن، علمي، ويعرف بالحضارة المصرية من خلال النماذج، أما الأصول فتبقي في مصر، يأتي إليها من يرغب، ولا نعرضها في كل فج كبضاعة خاسرة. المهم.. ما حقوق مصر تجاه مثل هذا النوع من العرض، لا توجد حضارة استخدمت رموزها مثل الحضارة المصرية في العالم كله، وأصحاب هذه الحضارة لا يحصلون علي شيء، هذا موضوع ثقافي وقانوني.. أرجو أن توليه وزارة الآثار عنايتها، أعني حقوق الملكية الفكرية التي يجب أن تعود إلي مصر من كل استخدام أو عائد للفنون والأفكار التي نتجت وأبدعت في الكنانة عبر مختلف العصور.
نداء ما قبل الغروب
الأربعاء:
عصراً، نجلس في الحديقة المحيطة بمنزل الخالد عبدالرحمن الأبنودي في قرية الضبعية بالاسماعيلية، يقيم شاعرنا الكبير منذ عدة أعوام قسراً حتي يبتعد عن تلوث القاهرة، أسامة شلش، يوسف القعيد وابنه أحمد الذي جاء من كندا حيث يقيم لوداع والدته رحمها الله رغم كل ما يشغلنا من هموم شخصية عميقة فإن الحوار لم يخرج عن تناول الأحوال، محوره القلق علي مصر وما سيكون.
فجأة يعلو مكبر صوت، شخص ما ينادي علي الناس، المنادي أقدم وسيلة للإعلام في مصر، كان يجول شوارع المدن أو القري متوقفاً بين الحين والحين رافعاً صوته منبئاً الناس بما يجري من أحداث تمس حيواتهم، غير أن الحدث الرئيسي دائماً هو موت شخص ما، أن يتزوج شخص، أن يتسلم منصبا، أن يكسب نفوذاً، هذا غير مهم، لكن أن يموت إنسان فلابد من الإعلام عنه لأداء العزاء ولمساندة أهل الفقيد، العزاء أهم من الفرح حتي بين المتخاصمين، رحنا نصغي إلي تردد الاسم الذي لا نعرفه، المنادي في العصور الوسطي كان يتبع المحتسب الذي ينظم أحوال الناس، وخلال إعدادي لروايتي »الزيني بركات« بحثت طويلاً عن شروطه وظروف عمله في المراجع التاريخية، لا توجد دراسة حوله، والنداءات عنصر أساسي في الرواية، أما الآن فالمنادي متطوع باعتبار إعلام الناس من أعمال الخير.
تساءلنا عما إذا كان أهل الميت سيلحقون الدفن قبل المغرب، قال القعيد إن ذلك ممكن الآن في الريف كله، قال أسامة: وفي القاهرة أيضاً، رحت أصغي في المرة الثالثة محاولاً التقاط الاسم، الاسم الذي لا أعرف صاحبه، أجهله، لم ألتقه قط، لكن قُدر لي الإصغاء إلي نبأ رحيله، إنسان يكتمل، رحلة تنتهي، مجهول لي يرحل، ربما يكون حارب هنا يوماً، ربما له أولاد يعيشون بعيداً، ربما لم ينجب قط، كل الاحتمالات ممكنة، في دائرة التخمين، عدا.. الرحيل.
أصغيت، وأصغي صحبي، وترحمنا علي من نجهل، لكنه إنسان ما.
من ديوان الشعر الأجنبي
قال فرناندو بليسوا »البرتغال«
ترجمة: المهدي خريفي
عدم التفكير أمر طبيعي عندي
حتي إنني، أحياناً، آخذ في الضحك لوحدي
من شيء لا أعرف ما هو
لكن له علاقة بوجود أناس يفكرون...
بم يا تري يفكر جداري بشأن ظلي؟
أسائلني أحياناً حتي لأباغتني
بأسئلة عن أشياء...
وحينئذ أستاء وأنزعج
كما لو أن إحدي قدمي تنملت فجأة...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.