كتبت أكثر من مرة ان المرأة المصرية حصلت في انتخابات البرلمان وعضويته علي جزاء سنمار.. فقد شاركت النساء في ثورة 52 يناير 1102 منذ يومها الاول.. تعرضن كما تعرض الرجال لصقيع شهري يناير وفبراير في ليالي ميدان التحرير الخطيرة وواجهن الهراوات وقنابل الغاز والرصاص.. ومعركة الجمل.. وشاركن في المليونيات ودفع بعضهن حياتهن واستهشدن وأصبن بالخرطوش من اجل استمرار الثورة.. واذا بهن في النهاية يخرجن من مولد انتخابات مجلس الشعب بثمانية مقاعد لاغير بخلاف مقعدين بالتعيين.. اي ان نسبة تواجد المرأة في البرلمان المصري بعد الثورة هي 2٪ في حين ان تعداد النساء في مصر هو 94٪ وفي قول آخر 15٪ فكيف لنصف الامة أو يزيد ان تحصل علي نسبة تكاد تقترب من الصفر في المؤسسة التي تشرع القوانين وتراقب الجهاز التنفيذي؟ وأليس في هذه النسبة الضئيلة التي تقترب من العدم دليل منذ البداية علي التمييز ضد المرأة؟ والذي تخشاه المرأة المصرية الآن وبعد وضوح هذا الانحياز ضدها من مختلف القوي السياسية سواء الاسلاميون أو الليبراليون أو العلمانيون أو الشيوعيون أو المستقلون ان يتكرر هذا التمييز ضدها عند اختيار الجمعية التأسيسية التي سوف تضع الدستور »أبوالقوانين« فقد بدأت هذه الايام الصفقات والاختلافات والتوافقات حول نصيب كل تيار من التيارات السياسية في كعكة الجمعية التأسيسية.. ووسط الضجيج الذي يحدثه كل تيار لكي يفوز بنصيب اكبر ارتفعت اصوات بعض القوي البرلمانية واعلنت ان نصيب المرأة المصرية التي كانت شريكا فاعلا في كل احداث الثورة هو.. خمسة مقاعد لاغير!! خمسة مقاعد من مائة مقعد هي مجموع مقاعد الجمعية التأسيسية تمثل خمسة وأربعين مليون امرأة.. أي نصف الامة؟ هل هذا جائز؟ وهل هذه عدالة؟! ان المرأة المصرية شريكة الرجل في الحياة وفي البيت والمجتمع وفي ثورة يناير العظيمة تحتاج إلي من يمثلها بنسبة تتفق مع مكانتها ودورها في الوطن.. تحتاج إلي من يطالب لها بحقها في العدل وفي الحياة الكريمة.. ومفروض ان الرجال المتدينين الذين يعلون من قيمة الاسلام هم أقرب الناس إلي تحقيق العدل للمرأة.. فهي في حاجة إلي من يطالب بتنقية القوانين من الاحكام الظالمة لها خاصة قوانين الاحوال الشخصية التي كان ابتعاد نصوصها عن العدل الاسلامي سببا في ان تدفع إلي شوارع مصر بمليونين أو ثلاثة ملايين من اطفال الشوارع الذين مع مرور السنين ورغم التحذيرات المتوالية من أنهم قنابل موقوتة قد تحولوا إلي بلطجية ومجرمين وقتلة ولصوص ونشالين.. وقد رأينا كيف ان انفجارهم كان من اسباب الحوادث الجسام التي وقعت علي ارض مصر في الفترة الاخيرة.. فهؤلاء البلطجية الذين عاشوا طفولتهم تحت الكباري وناموا في البرد والحر علي اسفلت الشوارع هؤلاء الذين فقدوا حنان الاب وحضن الام وتوجيه الاهل والمدرسين وتعاليم الدين.. ما الذي يمكن ان يطلبه منهم الوطن وكيف يكون انتماؤهم.. وما الذي يردعهم عن حرق المجمع العلمي.. ووزارة الداخلية والسفارات الاجنبية وإقامة مجزرة في بورسعيد؟ ان قضية بلطجية الشوارع التي كشفت عن جود مئات الألوف من »اللهو الخفي« في شوارع ومدن مصر لا تنفصل ابدا عن ضرورة مراجعة قوانين الاحوال الخاصة بالاسرة وعدم الاعتماد علي نصوص وضعية عشوائية لا تحفل بتماسك الاسرة المسلمة ولا بمستقبل الابناء والاطفال.. وهذه النصوص المستبدة الظالمة التي تهدف إلي حماية الرجل وحده لها أثارها علي المجتمع كله.. والظروف التي مررنا بها في الفترة الماضية بل وحاليا كشفت بشكل واضح عن اننا في حاجة إلي تعديلات مستمرة من جوهر الاسلام وعدالته تحفظ لكل فرد في الاسرة حقوقه وتلزم الاباء والامهات برعاية ابنائهم والانفاق عليهم وتعليمهم.. فلا يتزوج الرجل وينجب ثم يترك اولاده للشوارع.. مثل هذا الاب لا يؤذي اولاده وحدهم.. وانما يؤذي الناس جميعا لانه يشيع الفوضي والفساد.. في ارجاء المجتمع مثل هذه القوانين الاسرية التي هي في واقع الامر قوانين لها علاقة بأمن واستقرار ومستقبل الدولة والوطن تحتاج إلي رؤية نسائية بحيث يتضمن الدستور القواعد التي يلتزم بها الرجال و النساء عند الزواج والطلاق.. لان اساس المجتمع وخليفته الاولي هي الاسرة. وقوانين الاحوال الشخصية في مصر هي الخطوة الاولي في قوانين العدل الانساني والاسلامي ولكنها في مصر للاسف وضعت في عام 9291 ومستمدة من فكر وثقافة القرن التاسع عشر.. وللاسف ان هذه القوانين رغم ما فيها من عوار شديد وبعد عن العدالة فان مجموعات من الرجال من اصحاب المصلحة يقفون مثلا هذه الايام علي ابواب مجلس الشعب مطالبين بمزيد من القهر للمرأة بانتزاع الاطفال من احضان امهاتهم المطلقات.. وتطبيق نظام لا تعرفه الشريعة الاسلامية هو نظام الاستضافة الاجنبي بحيث ينتزع الطفل بقوة القانون من والدته ويلقي به في حضن زوجة أبيه.. وهو نظام رفضه علماء الازهر الشريف ودار الافتاء المصرية ومجمع البحوث الاسلامية برئاسة فضيلة الامام الاكبر فضيلة الدكتور احمد الطيب شيخ الجامع الازهر ومع ذلك فمازالت هناك مجموعة من الرجال الذين ينتهزون كل فرصة ومن بينها ثورة 52 يناير المجيدة.. لكي يطالبوا بمزيد من التعذيب للامهات المطلقات وحرمانهن من ابنائهن مطالبين بتغيير نظام الرؤية إلي نظام الاستضافة وغالبية هؤلاء الرجال قد تزوجوا من جديد بعد طلاق ام الابناء وقد تكون الام طلقت دون ارادتها.. فضاع منها الرجل والبيت والاستقرار وبعد ذلك يطلبون منها ان تتنازل عن الاولاد.. فلذة الاكباد. ولو ان هؤلاء الرجال قد تعاملوا بود ورحمة مع مطلقاتهم.. ولو انهم دفعوا نفقة الاولاد.. ولو كانت الام تعرف ان الاب لا يريد ان يعذبها وينتقم منها لما تأخرت في ارسال الابن إليه وتسليمه له في اي وقت.. لكن للاسف فان عددا من الاباء لا يهدف من هذه الضجة التي يثيرونها هذه الايام إلا الانتقام من مطلقته وإلا التهرب من دفع نفقة الاولاد- رغم تفاهتها عادة - وإلا استعارة مسكن الحضانة الذي تحتفظ به الام حتي انتهاء الحضانة فهناك اذن قضايا تمس حياة الاسرة يكون اهتمام النساء بها اكبر. وقدرتهن علي ايجاد حلول لها اكثر واقعية .. ومن هنا فالمطالبة بتواجد المرأة في اللجنة التأسيسية بنسبة معقولة تمكن النساء من ابداء رأيهن في قضايا الاسرة والمجتمع والوطن خاصة هو طلب مشروع ويتفق مع النسبة العددية للنساء التي تبلغ نصف الشعب أو اكثر قليلا. وهو ما حدث في ثورة تونس الشقيقة.. فان عدد النساء في اللجنة التأسيسية هناك هو نصف عدد الرجال.. وهذه عدالة الاسلام. مرة اخري.. المجلس القومي للمرأة! لعلني كنت الوحيدة التي انتقدت منذ شهور في يوميات »الأخبار« الدور الذي كان للمجلس القومي للمرأة اثناء رئاسة السيدة سوزان ثابت زوجة الرئيس السابق لهذا المجلس.. وطالبت بتعديل المهام المسندة اليه خاصة بعد اعادة تشكيله من جديد وان كانت اعادة التشكيل قد جاءت متأخرة عاما كاملا بعد قيام الثورة وبعد نشر مقالي عن المجلس قام السيد الاستاذ محمد عبدالسلام مدير العلاقات العامة بالمجلس وايضا الاستاذ رئيس الشئون القانونية بالرد علي مقالي. وفي الواقع ان رد كل منهما الذي ارسل إلي السيد رئيس تحرير الاخبار الاستاذ ياسر رزق كان غاية في التهذيب وكان كل منهما صادقا بحيث أوضح في رسالته أهم ما قمت به عندما كنت عضوا بالمجلس وذلك عندما قام السيد الدكتور سرور رئيس مجلس الشعب السابق بالغاء مادة في قانون الاجراءات لقانون الاحوال الشخصية الذي صدر عام 0002 وهي المادة التي تجعل من حق الزوجة أو المطلقة المحكوم لها بنفقة ولابنائها بحبس الزوج في حالة اصراره علي الامتناع عن سداد النفقة المحكوم بها بعد اثبات قدرته المالية وكان القانون قد صدر بالفعل بعد استبعاد المادة التي كانت هي الضمان الوحيد لملايين الزوجات والمطلقات والابناء من الحصول علي ما يقيم الحياة. وقد اتصلت بي ايامها العديد من الامهات وهن في حالة فزع شديد لان كثيرا من المطلقين لم يكونوا يدفعون النفقة إلا في حالة تهديدهم بالحبس.. وقد قمت ايامها بعرض الامر علي اعضاء المجلس القومي للمرأة نظرا لخطورة الغاء هذه المادة وتأثيرها علي حياة ملايين الاسر. وكان وقتها السيد المستشار الجليل فتحي نجيب عضوا بالمجلس القومي للمرأة ومستشارا كبيرا في وزارة العدل قبل ان يعين رئيسا للمحكمة الدستورية العليا فقام سيادته بصفة مندوب وزارة العدل في مجلس الشعب بعرض الامر من جديد علي اعضاء المجلس الذين صوتوا باعادة المادة من جديد إلي قانون الاجراءات الجنائية للاحوال الشخصية.. وهي مادة كانت مستقرة في القانون منذ سنوات بعيدة ولم يكن هناك أي سبب يدعو لإلغائها. فلابد من وجود صوت رسمي يتحدث باسم المرأة المصرية وفي الواقع انني بعد أعادة تشكيل المجلس واختيار الوزيرة المحترمة مرفت التلاوي رئيسة له.. اشعر بتفاؤل كبير حول الدور الذي سوف يقوم به المجلس في المرحلة القادمة.. وان اي تهجم علي المكتسبات التي حققتها المرأة المصرية في طريق كفاحها الطويل سوف يجد من يواجهه.. ومن هنا فانني اشعر بانزعاج شديد من ان يتجمع عدد من الرجال الذين ينتمون إلي جمعية »آباء الرؤية« امام المقر الجديد للمجلس القومي للمرأة بعد اعادة تشكيله لكي يقوموا بحرق صورة مواطنة محترمة هي السفيرة والوزيرة السابقة مرفت التلاوي فهذه السيدة كادر نسائي وسياسي واداري شديد الاحترام. وكانت اول من شغل منصب الامين العام للمجلس القومي للمرأة في بداية انشائه عام 0002 وقد تركت منصبها عندما شعرت بتدخل السيدة سوزان في عملها.. وقد شغلت مرفت التلاوي ايضا منصب سفيرة مصر في عدد من اهم بلدان العالم وتركت بصمتها في كل مكان عملت به.. ثم شغلت منصب وزيرة التأمينات والشئون الاجتماعية ودافعت عن اموال التأمينات وحقوق اصحاب المعاشات في مواجهة هجمة وزير المالية في النظام السابق يوسف بطرس غالي .. ثم قامت الاممالمتحدة باختطافها وشغلت منصبا رفيعا في المنظمة الدولية في بيروت. مثل هذه السيدة التي يفترض ان نفخر بها وبمواقفها وبتاريخها كيف يجوز لبعض المصريين ان يحرقوا صورتها أمام مقر عملها.. فهي ليست جولدا مائير.. وليست نتنياهو.. وليست حتي هيلاري كلينتون.. وانما هي مواطنة مصرية علي مستوي عال من التحضر والثقافة والاستنارة.. تشرفبها مصر في كل منصب تشغله. ثم انها لم تبدأ عملها بعد في المجلس القومي للمرأة.. واذا كان السادة المتجمعين يرغبون في تغيير بعض نصوص القوانين فان المجلس القومي للمرأة ليس من مهامه سن القوانين.. اما ادعاء هؤلاء المحتجين ان مجلس المرأة افسد ومزق الاسرة المصرية.. وانه كان وراء سن قوانين توجهات غربية فهو قول غير صحيح وحديث مرسل وانما الذي مزق الاسرة المصرية هي القوانين التي لم تعمل علي الحفاظ علي حقوق الابناء تجاه بعض الآباء غير المسئولين.. ولعل ما يجاهر به بعض هؤلاء المحتجين من ضرورة الغاء حكم الخلع الذي هو حكم اسلامي منصوص عليه في القرآن الكريم وفي السنة النبوية المشرفة دليل علي مدي بعدهم عن الحقيقة.. فمعروف ان الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام قد طلق زوجة ثابت بن قيس منه عندما جاءت تشكو إليه انها لا تطيق زوجها بغضا رغم انها لا تعيب عليه في خلق أو دين.. فهل حكم الخلع الذي هو حكم اسلامي موثق بالكتاب والسنة تصل الجرأة بالبعض لان يصفوه بأنه مأخوذ عن توجهات غربية غير اسلامية؟! ويا حضرات السادة المحتجين ان حرق صور مسئولة مصرية لها احترامها امام مقر عملها يدل علي مدي العنف الذي تحاولون به حل مشاكلكم مع زوجاتكم.. ولو تعاملتم مع مطلقاتكم بما يأمر به الاسلام من مودة ورحمة حتي بعد الانفصال.. لما كانت لديكم اي مشكلة مثل الكثيرين من المطلقين الذين تعاملوا مع الموقف بعد الطلاق بصورة انسانية بحيث لا تخشي المطلقات منهم علي الابناء.. أما الوقوف علي ابواب المؤسسات التشريعية والصراخ وحرق الصور فإنها لن تحد من نفور الناس واكتشافهم انكم تمارسون العنف والضجيج والاتهامات المرسلة. وفي النهاية احب ان أؤكد انني أتمني لأعضاء المجلس القومي للمرأة رئيسته وامينته العامة النجاح في مهمتهم.. وللعلم فانني لست عضوا في المجلس ولا أريد ان أكون.. وكل همي هو ان تحصل المرأة المصرية.. والرجل والابناء علي مجتمع يسوده القانون والحياة الآمنة المستقرة.. فكل انسان في وطننا الغالي من حقه ان يعيش في احترام، من حقه ان يبدي رأيه في مستقبل الوطن.. فما بالكم والمرأة هي نصف الامة الذي يقوم علي تربية النصف الآخر.