جلال عارف ويستمر »العك الدستوري« أو هو في الحقيقة »العك غير الدستوري« الذي يحكم خطواتنا منذ قررنا ان نبدأ عملية إعادة بناء الدولة ونختار البرلمان والرئيس دون دستور يعكس أوضاع البلاد بعد الثورة. وهكذا قضينا الشهور الماضية ننتقل من »عك« إلي »عك«، ومن أزمة لأخري، ومن معركة تستنزف القوي وتوسع الجراح إلي معركة أخري أكثر خيابة، لنكتشف في النهاية أننا لم نتحرك كثيرا، وأننا مازلنا نبحث عن نقطة البداية الحقيقية: وهي كيف نكتب الدستور؟ ومن الذي يقوم بالمهمة؟! اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة تعلن كل يومين انها ستحدد موعد الانتخابات، ثم تعود لتأجيل ذلك لأسباب لا تقنع أحدا، ولكن الحقيقة ان التأجيل مفهوم وسط كل هذا الارتباك الذي يسود الحياة السياسية. ومجلسا الشعب والشوري سيجتمعان في الثالث من مارس لبدء عملية اختيار الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، وسط المئات من علامات الاستفهام التي ينبغي ان تجد الاجابة أولا. وباب الترشيح لانتخابات الرئاسة سيفتح بعد أسبوع من بدء عملية اختيار الجمعية التأسيسية، أي في العاشر من مارس القادم. والمطلوب من المرشحين ان يبدأوا التنافس وهم لا يعلمون ما هي اختصاصات المنصب الذي يترشحون له، وهل سيكون الرئيس »في الدستور الجديد« رئيسا شرفيا، أم رئيسا له كل الصلاحيات؟ بل ولا يعرفون هل سينتهي اعداد الدستور الجديد والاستفتاء عليه قبل موعد انتخابات الرئاسة؟ وإذا لم يحدث ذلك.. فكيف سيكون الوضع وعلي أي أساس تجري الانتخابات؟ لا اجابة بالطبع علي أي تساؤلات، فكل ما يعرفه المرشح المحتمل للرئاسة ان يقدم أوراقه، ثم ينتظر الفرج من لجنة إعداد الدستور التي يمكن ان تتشكل وتنهي عملها في يوم.. أو في شهر.. أو في سنة، وفقا للإعلان الدستوري!! أما »الناخبون المحتملون« من أمثالنا فعليهم أولا ان ينتظروا نتائج المعركة حول تشكيل »لجنة المائة« التي تضع الدستور، وهل ستمثل كل الأطياف والاتجاهات والمصالح أم لا؟ وهل سيكون أعضاء البرلمان موجودين فيها ومسيطرين عليها، وهو ما يعارضه معظم الفقهاء الدستوريين لتعارض المصالح، ولأنه لا يجوز للبرلمان ان يكون خصما وحكما في آن واحد.. خاصة إذا كان مصير مجلس الشوري نفسه سيكون مطروحا علي لجنة الدستور وإذا كان تكوين مجلس الشعب ونسبة العمال والفلاحين واختصاصات البرلمان كلها ستطرح علي اللجنة! ولان سيطرة البرلمان علي كتابة الدستور تعني اننا في كل انتخابات تشريعية سنجد أنفسنا أمام أغلبية برلمانية تقوم بتفصيل دستور جديد علي مقاسها!! والآن.. نجد أنفسنا أمام عامل جديد، وهو احتمال صدور حكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية قانون الانتخابات، وبالتالي حل البرلمان بمجلسيه. ومع ذلك فلا أحد يريد أن يتوقف ليسأل: أين الخطأ؟ وكيف لا ننزلق إلي دائرة الفوضي أو الفراغ؟!