نحن نكذب عليكم حينما ندعي أننا نبغي مساعدتكم من خلال تمويل المجتمع المدني لتحقيق الديمقراطية التي تنشدونها.. فنحن لا نريد سوي استمرار بلادكم تحت الوصاية الأمريكية بالقدر الذي يكفي لتأمين مصالحنا في المنطقة كلها.. وأدواتنا في ذلك مجموعة من مؤسساتنا نعتبرها زورا منظمات مجتمع مدني، بينما هي مجرد أدوات في ترسانة الأسلحة الأمريكية المصممة للهيمنة السياسية علي ربوع العالم.. اما مواطنونا التسعة عشر الذين تحاكمونهم فهم ليسوا شهداء للديمقراطية، ونالوا منكم ما يستحقونه! هكذا.. فضح كاتب أمريكي الاكاذيب الامريكية التي تدعي ان تطبيق القانون في قضية التمويل الاجنبي لمنظمات المجتمع المدني هو نقوص عن الديمقراطية، ومحاربة لمن يناضلون من أجل تحقيقها.. فقد كتب هذا الكاتب الذي يدعي جاستن رايموندو مقالا في العاشر من هذا الشهر علي موقع Amtiwar.com ليرد به علي ما وصفه بالهجوم غير المقنع والمتعجرف لزملاء له في صحف امريكية علي الحكومة المصرية، لانها تجاسرت وفتحت ملف التمويل الاجنبي السري للمجتمع المدني. وكشف جاستن في مقاله عن حقائق يصر البعض في مصر عن عمد علي انكارها واخفائها.. وأولي هذه الحقائق ان بلاده متورطة في السياسات الداخلية لجميع الدول تقريبا.. ولديها وكالة رسمية تتولي امور هذا التدخل، هي مؤسسة الوقف الوطني للديمقراطية، التي تم تأسيسها عام 4891.. وهذه المؤسسة تمارس نشاطها عن طريق أربعة عناصر أساسية هي المعهد الوطني الديمقراطي التابع للحزب الديمقراطي، المعهد الجمهوري الدولي وهو أحد أقسام الحزب الجمهوري، والمركز الأمريكي للتضامن العمالي الدولي، ومركز المشروعات الدولية الخاصة التابع لغرفة التجارة الأمريكية. وهنا يجب ان نتوقف قليلا لنتذكر ان الامريكيين المتهمين في قضية التمويل الأجنبي ينتمون إلي المعهدين الديمقراطي والجمهوري.. أي أول عنصرين أساسيين من العناصر الأربعة لمؤسسة الوقف الأمريكي التي تنفذ خطط التدخل الأمريكي في السياسات الداخلية لجميع الدول تقريبا، كما يقول الكاتب الأمريكي.. وهو يقدم نماذج لهذا التدخل من بينها التدخل في انتخابات نيكارجوا، وتمويل مجموعتين في فرنسا، هما القوة العمالية والرابطة الوطنية للجامعة والتي كانت فرعا لجماعة ارهابية متطرفة قتلت العديد من الافراد في جنوبفرنسا وتورطت في تهريب المخدرات.. وكان هدف التمويل وقتها اسقاط حكومة فرانسو ميتران الاشتراكية.. كذلك مارست مؤسسة الوقف الأمريكية- كما يقول الكاتب - دور قناة التمويل للثورات الملونة في صربيا واوكرانيا وجورجيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في آسيا الوسطي. لذلك يعتبر الكاتب الأمريكي ما قامت به المنظمات الأمريكية في مصر هو امتداد لما سبق ان قامت به في انحاء متفرقة من العالم.. ويكشف عن خطة امريكية أعدت ردا علي هجمات 11 سبتمبر.. وهذه الخطة تستهدف تغيير ما اسماه مستنقع العالم الإسلامي الذي رأه الأمريكيون مصدرا للارهاب الذي طال مدينتهم نيويورك.. ودور مصر كان يأتي في ختام مراحل هذه الخطة. غير ان واشنطن اضطرت - كما يقول الكاتب الأمريكي - للتعامل مع الربيع العربي الذي فاجأها.. وجاء التحرك سريعا عن طريق مؤسسة الوقف الوطني للديمقراطية وهيئة المعونة الأمريكية.. ولعل هذا يفسر النشاط المتزايد والواسع لعدد من المؤسسات الأمريكية التي تقدم نفسها علي انها منظمات مجتمع مدني.. كما لعله يفسر أيضا تجاهل هذه المؤسسات التحذيرات الرسمية المصرية المتتالية لها بأنها تخرق القانون المصري، بدعوي ان هذا القانون يفرض رقابة صارمة علي المجتمع المدني غير موجودة في المجتمعات الديمقراطية.. رغم ان القانون الأمريكي -كما يقول الكاتب الأمريكي - يحظر المساهمات الاجنبية في الانشطة الانتخابية التي تتم في الاراضي الأمريكية، فضلا عن أنه يلزم الجماعات التي تحصل علي تمويل من الحكومات الأمريكية بالتسجيل كعملاء اجانب.. وتصل عقوبة انتهاك قانون تسجيل العملاء الاجانب الي الحبس خمس سنوات وغرامة عشرة آلاف دولار، وهي عقوبة تعادل - كما اكتشف الكاتب - العقوبة التي يواجهها التسعة عشر أمريكيا الذين سيتم محاكمتهم في قضية التمويل الأجنبي. وهنا يتهم الكاتب بوضوح ادارة بلاده والصحفيين الذين انخرطوا في حملات هجوم ضد الحكومة المصرية بممارسة سياسة الكيل بمكيالين.. وبالتالي يري انه من الصعب تصديق أي شخص يلوم المصريين عندما يصدر منهم رد فعل علي التدخل في شئونهم الداخلية.. وأيضا يتعجب من تهديد أمريكيين بقطع المعونة الأمريكية »عسكرية واقتصادية« لمصر. ثم ينطلق الكاتب بعد ذلك لتحذير حكومة بلاده من انها باصرارها علي التدخل في شئون أهل المنطقة، وفي مقدمتهم المصريون، انما يلعبون بالنار.. وهذه النار سوف تحرق ايديهم، والاخطر ستخلق حالة من العداء للولايات المتحدة في المنطقة.. ويقول يجب الا نندهش نحن الأمريكيين أننا اصبحنا في مصر وغيرها من الدول بطاقة محروقة، بعد ان يتكشف حقيقة ما كان يقوم به هؤلاء الأمريكيون الذين ينتمون لتلك المؤسسات التي يطلق عليها منظمات مجتمع مدني فهو يري ان حركة الربيع العربي ليست مجرد توجه ايدلوجي نحو الديمقراطية أو اتجاه دفعه التراجع الاقتصادي.. انما هي بمثابة انتفاضة للقومية الراديكالية اشبه بالقومية العربية التي اطلقها جمال عبدالناصر في الثورة المصرية عام 2591.. ففي كلا الحالتين كان هدف الجموع في الشوارع هو نظام سياسي يبتعد عن ارضاء الغرب.. ومحاولة امريكا خطف موجة المد القومي ومناورتها عديمة الجدوي، وستؤدي إلي رد فعل عكسي، كما يقول الكاتب »تقليل تأثيرنا ونفوذنا في المنطقة«. وأهمية هذا التحذير انه يأتي من كاتب امريكي.. فلا مجال للتشكيك فيما يقوله لانه حريص علي مصالح بلاده ومكانتها في منطقتنا.. ولا مجال لتخوينه ديمقراطيا.. ولذلك اتمني ان يقرأ هذا المقال بعض نشطاء المجتمع المدني المصري الذين يقاتلون من أجل إلغاء محاكمة الأمريكيين في قضية التمويل الأجنبي.. فقد يهديهم ذلك إلي موقف رشيد.