بشىر العدل لم يكن عاما كغيره من الأعوام التي تمر علينا نحن المصريين، ولم تكن الحياه فيه اقل قلقا او خطرا عن سابقه من الأعوام الثلاثين الماضية، فرغم انتصار الارادة الشعبية وهزيمتها لنظام مبارك الساقط،الا ان المصريين لم يستطيعوا ان يستثمروا الانتصار لصالح البلاد. ولم ينجح اللاعبون علي الساحة السياسية في بث الطمأنينه في نفوس العباد،فتعالت اصوات المتشدقين بالديمقراطية، وزاد صخب مدعي الثورية، وتراجعت الأصوات العاقلة، وخرج من اعتبروا انفسهم وصاة علي الشعب، ومدافعين عن حقوقه، ليعلنوا انهم ومن بعدهم الطوفان، حتي عجز العقل عن استيعاب مايحدث،وفاض الكيل واستشعر الجميع الدخول في نفق مظلم.. ظل الكثيرون علي هذه الحال، واصيبوا بالعجز عن فهم مايجري، حتي أطل علينا الاستاذ محمد حسنين هيكل،عبر نافذة "الأخبار" الغراء، ليكشف لنا، فيما يشبه تشخيص الحالة، الي اي مدي بلغ بنا الأمر، والي اي طريق تسير مصر ونسير معها. وكان اللقاء الذي نجح في تنظيمه الاستاذ ياسر رزق رئيس التحرير مثيرا، ومدعاة للمتابعة، فقد استطاع بخبرته وحرفيته التي تعامل بها مع بؤر الاحداث الملتهبة في العالم، ان يستشعر نبض الشارع وأن يزيل كل سؤال يوجهه لهيكل هما مما يجيش في صدور المصريين الغيورين علي مستقبل بلدهم.. وقد كشف هيكل كل طلاسم القضية التي تعيشها مصر، واضفي عليها مزيدا من التحليل وايضاح النقاط الباهتة، بدءا من التوصيف الدقيق للنظام السابق،وانتهاء بالتحضير لانتخابات الرئاسة،مرورا بالتعديلات الدستورية،والانتخابات البرلمانية،الشعب والشوري، ولم يخل حديثه من بيان العلاقة الحقيقية التي تربط الاطراف اللاعبة علي الساحة،ممثلة في القوي السياسية، والحركات الثورية، وتيارات الاسلام السياسي، والمجلس الأعلي للقوات المسلحة. لانريد هنا ان نخوض فيما تطرق اليه الأستاذ هيكل فهو معلوم للجميع، ولكن ماأردت قوله ان الأمر في مصر يجب ان يخرج عن سياق مرحلة التشخيص الي حالة العلاج الحقيقي، وذلك علي اعتبار ان المريض موجود والحالة معروفة سلفا،وبقيت القدرة علي توصيف العلاج الدقيق، خاصة ان آلام الوطن تعاظمت بسبب التشخيص الخاطئ للحالة السياسية التي تحولت الي حقل تجارب للهواة، في وقت تتبع فيه بعض القوي السياسية والتيارات الدينية نظام "التجربة والخطأ"بمعني عدم الاعتماد علي تخطيط واضح وآليات دقيقة لعلاج الازمة،فكانت النتيجة تضخما في الورم القومي الذي كاد ان يتحول الي خبيث يجب ان يباد.. ازمة مصر -عندي- في كثره التحليلات وتباين الآراء، وعدم الاجماع علي وحدة الهدف، وما بين اللاعبين السياسيين، والمحللين، ومعطيات الواقع السياسي، تبقي غالبية الشعب مستكينة، في انتظار من يتعطف عليها بحل او آلية للخروج من ازمتها المتفاقمة.. صحيح قد تكون الحلول في يد من لايملك تنفيذها،ولكن علي اصحابها الترويج لها حتي يقنع بها الشعب صاحب القرار الأول والاخير. ولاشك ان حوار الاستاذ هيكل يحمل في طياته رسالتين هامتين، الأولي: لمحترفي المتاجرة بقضايا الوطن وتقول لهم كفاكم واتقوا الله في مصر، والثانية:للشعب المصري ان يطمئن فمازال بينكم رجال راشدون حريصون علي مصلحة البلاد والعباد وأن عطاءهم للوطن لن ينضب.