جمال الغيطانى هذه رواية بديعة، جميلة، لروائي كبير ترسخ اسمه بسرعة في الاعوام الأخيرة، عزالدين شكري، هناك تغير في موضوعات الرواية المصرية نتيجة تغير ظروف المصريين، أصبح لدينا أدب مهجر نتيجة تفرق واغتراب المصريين في الخارج، صحيح ان المؤلف ليس مهاجرا، ولكن ظروف عمله الدبلوماسي في الأممالمتحدة ودراسته الطويلة في كندا أضافت إلي خبرته تجارب مصدرها الغربة، وهذا ما نجده في تلك الرواية الرائعة التي تصف وتغوص في أعماق مصريين استقروا في الولاياتالمتحدة، تبحث في مصائرهم برهافة، وقدرة علي التحليل الذي لا يضع في اعتباره إلا الفن الروائي الجميل، فصول متعاقبة يدور كل منها حول شخص بعينه، يبدو كعالم مستقل، لكن يصله بالآخرين وشائج تشبه اللحن الذي يتكرر علي مراحل في بناء سيمفوني كبير، المفتتح يدور حول الدكتور درويش الذي يقترب من نهاية حياته، وجه دعوة للعشاء الي الأصحاب المقربين، هذه الدعوة هي اللحن السري في الرواية، كل مدعو متجه إليها تتداخل حياته مع الآخرين رغم تفردها، خلال الانتظار يستعيد حياته، صعوده وفشله، تغرق الأبناء، بيعه البيت، محاولته التخلص من مكتبته التي أمضي عمره في جمعها، في الفصل الثاني نتابع رامي الذي جاء من واشنطن محاولا اللحاق بدعوة العشاء، فصل من عمله أو تم الاستغناء عنه بعد بدء الأزمة الاقتصادية، تدهورت أحواله خطوة خطوة في سلسلة لم يكن من الضروري ان تفضي بعضها الي بعض، حياة بني خلالها الأسرة عبر ثلاثين عاما ثم انهارت لأسباب نتابعها وهو متجه إلي نيويورك بعد فقره لكل شيء، لن يلحق أحد بعشاء الدكتور درويش لأسباب شتي تتجسد في الرواية المنسوجة ببراعة وخبرة عميقة بالحياة، ورؤية للمصائر نتيجة تكوين ثقافي رفيع للمؤلف، هذه رواية تتجاوز الحكي المباشر الي ما وراء الظاهر، إلي الخفايا التي تحرك المصائر، كما انها تؤكد اتساع المساحة الزمنية والمكانية والانسانية للأدب المصري الحديث، رواية بديعة في مائتين وعشرين صفحة من اصدارات دار العين المحترمة.