أهالى الضحايا تجمعوا أمام مشرحة زينهم لاستلام جثامين ذويهم .. وفى الإطار إحدى الأمهات تصرخ لفقدان ابنها صراخ وعويل وملابس متشحة بالسواد.. حزن وحسرة علي فقدان الابن والاخ والصديق... هيستريا بكاء لا تتوقف. أقدام لم تعد قادرة علي حمل الأجساد.. اعتمادات وسقوط علي الأرض للأهالي.. العيون تقطر دمعا بطعم الدم والقلوب انفطرت علي فراق الأحبة وكاد يتوقف نبضها من شدة الحزن.. المشهد جنائزي مهيب أمام مشرحة زينهم وطرقاتها الداخلية اكتظت بجثامين الضحايا أكثر من 05 سيارة اسعاف وصلت في التاسعة صباح أمس إلي المشرحة قادمة من مطار القاهرة العسكري حاملة جثث 15 شهيدا لقوا مصرعهم في مذبحة بورسعيد.. الأمهات افترشن الأرض وصراخهن بالنداء علي ابنائهم لا يتوقف وكأن عقولهن ترفض أن تصدق الواقع وأنهم ذهبوا ولن يعودوا مرة أخري. تقارير الطب الشرعي تؤكد أن الوفيات نتجت عن اختناقات وكسور في الجمجمة نتيجة السوقط من أماكن مرتفعة بالمدرجات.. قرار النيابة العامة جاء بالمعاينة الظاهرية واجراء التشريح لذا لزم الأمر لسرعة استخراج تصاريح الدفن لأسر الضحايا إلا أن بعض الأسر رفضت استلام جثث ذويهم وطالبوا بالتشريح الكامل وكتابة تقرير مفصل ومحدد لسبب الوفاة ورددوا هتافات »يا شرعي تقرير مقبول.. بدل ما تنبش القبور«. »اخذ تاره من مين«، صراخ رددته والدة حسين محمد سيد دون توقف لساعات طويلة وهي تجلس علي الأرض أمام مشرحة زينهم والدموع تنهمر من عينها.. الام ظلت أول أمس تنتظر عودة ابنها رافضة تناول العشاء إلا في حضوره فهو ابنها الأكبر ذو ال91 عاما خرج ولم يعد.. عقلها مازال يرفض ان يصدق ما حدث. »أنا هموت شهيد« آخر كلمات محمد أحمد السري 81 سنة طالب الثانوية العامة المتفوق وحاصل علي 79٪ في المرحلة الأولي وعضو بالالتراس الأهلاوي والده أحمد سري المحامي يحكي والكلمات تخرج من فمه بصعوبة من شدة الحسرة.. ابني كان معتادا علي النزول بميدان التحرير وشارك في ثورة يناير منذ بدايتها.. وطالب الاب المكلوم بالقصاص من محافظ بورسعيد ومدير الأمن بها وأن ما حدث مؤامرة ضد شباب الثورة خاصة الالتراس الذي لعبوا دورا مهما في الثورة. »ابني لن اراه مرة اخري« كلمات ممتزجة بدموع والدة كريم عادل التي اصرت علي مرافقة جثة ابنها داخل ثلاجة مشرحة زينهم.. تقول إن ابنها 91 سنة طالب بالجامعة الالمانية في كلية ادارة الاعمال. ابنها كانت اخر كلماته لها انه سوف يعود لميدان التحرير مرة أخري ليشارك في المطالبة باستكمال أهداف الثورة وصافح زملاءه قبل سفره لبورسعيد بعد ان حصل علي إجازة نصف العام واعتبر مباراة الأهلي مع المصري فرصة للتنزه.. جاء أصدقاءه إلي المشرحة والصدمة ارتسمت علي وجوهم لفراق صديقهم رافضين الانصراف واصروا علي رؤية وجههم صديقهم قبل دفنه. القصص المؤلمة للضحايا لا تنتهي أمام مشرحة زينهم فالشهيد سيد محمود علي 42 سنة من محافظة أسيوط كان يستعد لزفافه الاسبوع القادم لكن يد الغدر لم تمهله اقتناص الفرحة وراح ضحية العصبية العمياء.. يقول محمد ابن عمه وهو يهزي بالكلمات من شدة الحسرة »حرام عليكوا« كان فرحه الاسبوع اللي جاي فهو الولد الوحيد وله 7 اخوات، وابوه كان يعول عليه، تحمل مشاق الحياة معه ومساعدته في زواج اخوته البنات وقال إن الشهيد ودع اخوته واصدقاءه قبل سفره لبورسعيد ولم يكن يعرف انه الوداع الاخير. ووسط الحزن الشديد بمشرحة زينهم دخلت والدة الشهيد عمر علي محسن »22 سنة« طالب الجامعة الأمريكية وهي تصرخ بأن ابنها كان يستعد لحفل تخرجه في الجامعة الاسبوع المقبل ولكن بسبب الفوضي التي حدثت في ستاد بورسعيد راح ابنها ضحية تراخي الامن الذي تقاعس عن أداء دوره ورأيناه عبر شاشات التليفزيون يقف متفرجا علي الاحداث ولم يتدخل وابناءنا يسقطون قتلي.. تتابع حديثها والدموع تنزل من عيينها بأن والده يعمل بأمريكا ولا يعلم حتي الآن بخبر وفاة ابنه الوحيد فليس لديها القدرة علي ابلاغه حتي الآن. ساعات طويلة مرت علي اسرة الشهيد محمد عبدالله عبدالقادر »02 سنة« منذ أمس الأول وحتي أمس والأمل ظل يراودهم بأن نجلهم مازال حيا إلا أن الصدمة جاءتهم صباح أمس ليتعرفوا علي جثمانه بمشرحة زينهم. أسرته ظلت تصرخ لساعات مرددة اسم نجلها طالب السنة النهائية بكلية الهندسة مرددين »ليه بتقتلوا الشباب الي عمل اعظم ثورة في العالم«. مستطرا بأن أسر الشهداء لن ترتاح حتي يتم القصاص لذويهم ولن يصمتوا علي الحق حتي يتم ضبط الجناة وان هذه المرة لن نقبل بأن يكون الفاعل مجهولا. وعلي رصيف مشرحة زينهم جلست سيدة التي تندب علي حظ ابنتها بعد ان سقط خطيب ابنتها كريم احمد عبدالله شهيدا في أحداث مذبحة بورسعيد والذي كان يجهز شقة الزوجية استعدادا لاتمام الزفاف خلال شهور الصيف القادم. وآخر كلماته لها بأنه ينتظر موعد زفافه علي احر من الجمر وكانت تعتبره مثل ابنائها لانه وحيد ابويه ووالده متوفي منذ فترة طويلة.. وقالت ما حدث ليس مباراة كرة قدم ولكنها مؤامرة تم نصبها لشبابنا الذين لم تكتمل فرحتهم.. ووسط المشرحة وقف والد الشهيد سليمان احمد »81 سنة« يلعن كل من سهل المؤامرة الدنيئة وكل مشجعي كرة القدم حتي هزت كلماته ارجاء المشرحة وغطت علي اصوات النحيب واججت مشاعر الفراق عند الامهات.. فإبنه الشهيد كان عائل الاسرة بعد اصابة الاب بالمرض الذي اقعده عن العمل ورغم صغر سنه إلا انه اصبح العائل الاساسي للاسرة ليوفر لاشقائه الصغار قوت يومهم.. قائلا كل مال الدنيا لن يعوضنا ضياع وفراق ابني. ووسط الحزن الذي يغلف مشرحة زينهم جلس والد الشهيد عمرو محمد طالب الثانوية العامة الذي ذهب الي بورسعيد ونفقات دروسه الخصوصية في جيبه ليعود جثة بعد ان سرق كل ما في جيبه ولم يتعرف عليه احد حتي تعرفنا عليه نحن في مشرحة زينهم ولسانه لا يردد الا كلمة »حسبي الله ونعم الوكيل في قتلة ابني«. ووسط زحام اسر الشهداء جاءت والدة الشهيد كريم احمد عبدالله »41 سنة« مهرولة تخترق صفوف المتواجدين بحثا عن النظرة الاخيرة في وجه ابنها الذي راح ضحية القدر ودخلت في حالة هيسترية من البكاء الشديد مرددة »سندي الوحيد ضاع مني« وقالت انها علمت بالخبر عندما انقطع الاتصال مع ابنها عقب انتهاء المباراة بدقائق قليلة فأصابها الحزن والخوف عليه وتابعت احداث بورسعيد عبر شاشات التليفزيون وكادت تفقد صوابها من هول ما تراه والدماء التي تغطي ارضية غرف خلع الملابس بالاستاد واتصلت علي الفور بأحد اصدقائه فأبلغها بالخبر المشئوم فجر أمس بأنه سقط قتيلا خلال الاحداث فتملكتها صدمة عجز فيها لسانها عن النطق وهي تردد بداخلها حسبي الله ونعم الوكيل. »الصبر من عندك يا رب« جملة امتزجت بدموع والد محمود يوسف الطالب بالثانوي الذي راح ضحية مذبحة بورسعيد.. فإبنه المتفوق دراسيا كان امله ان يلتحق بكلية طب القاهرة وكنت اتباهي وسط زملائي بابني المتفوق ولكنه ضاع تحت الاقدام ولن يعود مرة اخري. »راحوا ماتش ولا حرب« وقف عم الشهيد محمد توفيق ليسقط علي الارض مغشيا عليه من شدة الحزن علي فقدان ابنه ليحمله الاخرون الي سيارة الاسعاف لافاقته مرة اخري ويجلس علي الارض غير مصدق ان ابنه لن يراه مرة اخري.. فابنه الذي لم يكمل عامه العشرين طالب السنة الثانية بكلية الحقوق ذهب الشهر الماضي لاحد مكاتب المحاماة ليتدرب به واضاف ان امله الوحيد الذي كان يعيش عليه ان يري ابنه قاضيا إلا ان الحلم ضاع وراح معه فلذة كبده. تجمع الحاضرون لاستلام جثامين ذويهم حول 5 شباب من منطقة امبابة امام مشرحة زينهم كانوا شاهدين علي مذبحة بورسعيد مشاركين في تشجيع فريق الاهلي في مباراته الأخيرة ونجوا من المعركة.. رووا كيف استطاعوا ان يفلتوا من براثن البلطجية الذين ارادوا قتلهم والفتك بهم.. يقول محمد عبدالباقي احد الناجين انه كان مسافرا من القاهرة بصحبة 54 آخرين بعضهم من الالتراس لحضور المباراة وتعرض لمضايقات من قبل بعض الاشخاص علي بوابة الاستاد وهددونا بالقتل اذا دخلنا لتشجيع الفريق ولكننا اصررنا علي حضور المباراة وفوجئنا باشارات غير لائقة من بعض الجماهير التي تتوعدنا بالذبح وتمطرنا بوابل من الشتائم واطلاق الالعاب النارية نحونا وباتجاه اللاعبين.. وبعد انتهاء المباراة اندفعوا نحونا حاملين الشوم وبدأوا في مطاردتنا علي مدرجات المقصورة بينما اندفع فريق منهم نحو الملعب للنيل من اللاعبين وعندما حاولنا الهرب اندفع آلاف الجماهير باتجاه البوابات التي كانت موصدة وشاهدنا منظرا لن ننساه وهم يلقون احد زملاءنا من فوق المدرجات وسقط علي الارض وانقطع نفسه وتوفي في الحال. الانتظار طويلا امام المشرحة حتي تعاين النيابة الجثامين لكتابة تقريرها اثار سخط الاهالي وقامت 5 أسر بأخذ جثث شهداءهم والخروج من المشرحة والتوجه مباشرة لدفنها دون انتظار للحصول علي تصاريح الدفن. ومن جانبه أكد د. اشرف الرفاعي كبير الاطباء الشرعيين للاخبار انه لا يمكن تحديد سبب محدد للوفاة دون عمل تشريح كامل للجثث واضاف ان ما تم هو استخراج سريع لتصاريح الدفن بعد قيام الاطباء الشرعيين باجراء معاينة ظاهرية والتي كتب في غالبيتها ان سبب الوفاة كسور في الجمجمة واختناقات وذلك نتيجة اصرار الاهالي علي استلام جثث ابناءهم دون عمل الصفة التشريحية بعد ان صرحت النيابة بالدفن، مشيرا الي وجود 53 جثة الي المشرحة وتم تسليهم لذويهم بالاضافة الي وجود 6 جثث مجهولين كما تم تسليم 12 جثة لذويهم في المطار بالاضافة الي ان هناك 81 جثة قادمة من بورسعيد باتجاه القاهرة.